"الشطرنج يُعلم التفكير المنطقي.. لا، الشطرنج يُعلم التفكير النقدي".
إذا كنت من الراغبين في شق طريقك نحو عالم الشطرنج أو من محبِّي مسلسل The Queen's Gambit فاجلب كوباً من الشاي أو القهوة وتفضل بقراءة هذا المقال.
الشطرنج دون معلم
أولاً: لا يمكنك لعب الشطرنج دون أن تكون على دراية ومعرفة بقوانينه الأساسية. والقوانين الأساسية ليست تلك التي تشرح وتفسر طريقة تحريك القطع، ولكن تلك التي تشرح محاذير القطع، والتي تشكل قوانين خاصة غير شكل وطريقة الحركة العادية. فضلاً عن القوانين المتعلقة بتحديد الفوز والخسارة والتعادل.
كمثال على ذلك، قوانين "التبييت" فالتبييت ليست مجرد حركة استثنائية بين الملك والرخ أو "الطابية"، لكنها حركة لها مجموعة شروط خاصة، الأخذ بالمرور أو الـ"إي بيسو"، وهي قاعدة استثنائية تتعلق بالبيادق أو العساكر وأيضاً لها شروط رئيسية.
أضف إلى ذلك أهمية معرفة القيمة النسبية للقطع في الأوضاع المختلفة بشكل عام.
كمثال، يتعامل معظم الهواة أو محبي الشطرنج من غير المحترفين مع قطعة العسكري والبيدق على أنها قطعة "تافهة" يمكن التضحية بها بسهولة، رغم أن فليدور أحد الآباء الروحيين للشطرنج في العصور الحديثة قال إن العسكري "البيدق" هو روح الشطرنج.
في قوانين الفوز والخسارة لابد أن تعرف حالات التعادل الإجباري، لأنها أكثر من حالة، مثل تكرار الموقف 3 مرات، "كش الملك" المتتالي، وقاعدة الـ"50 نقلة" أو عدم قابلية القطع لإعطاء "كش مات"، مثل نهاية الفيل والملك أمام ملك ومن ثم التعادل بالاتفاق.
ثانياً: بالتوازي مع تلك القوانين، لابد أن تتعلم لغة الشطرنج. في كل دروس الشطرنج اللي قدمتها لمبتدئين سواء الصغار أو الكبار في السن، بدأت بتعليم المتدربين لغة الشطرنج وأسماء القطع وأسماء المربعات باللغة الجبرية (أي لغة الجبر – أرقام وحروف)، لأنها تكون لغة أي شرح شطرنجي حقيقي وأي كتاب شارح للشطرنج.
ثالثاً: بناء على ما سبق، فإنني أنصح ببدء تعلم الشطرنج على لوحة مرقمة وعليها الحروف، حتى تتعلم وتحفظ مسمى النقلات والمربعات والقطع بالرموز الأصلية ومن ثم تصبح قادراً على التعلم ذاتياً فيما بعد.
رابعاً: بعد أن تعرف قوانين الشطرنج و"تهضمها" وتتدرب عليها بالتوازي مع فهم رموز الشطرنج والمربعات يصبح لزاماً عليك أن تتعلم وتفهم فلسفة الشطرنج. وفلسفة الشطرنج مسألة تفهم وتهضم بالشرح والقراءة من خلال فهم مراحل اللعبة والعمودين الرئيسيين اللذين تقوم عليهما فلسفة الشطرنج.
خامساً: مراحل الدور هي: الافتتاح – وسط الدور – النهايات (ولكل مرحلة منها فلسفة عامة وفكرة وشروط نظرية حتى يستطيع اللاعب تحديد المرحلة التي يمر بها). وليس من الصحيح أن لكل مرحلة قوانين صارمة، بل هناك محددات وفلسفة عامة لكن بلا قواعد صارمة حتى لا ينغلق إبداعك وتغفل عن أفكار ونقلات معينة.
سادساً: أما العمودان اللاني يستند عليهما الشطرنج فهما: الاستراتيجية والتكتيك.
الاستراتيجية دائماً سابقة على التكتيك، لكن مهاراتك الاستراتيجية لا تضمن لك الفوز؛ لأنه من الممكن أن تتفوق على خصمك في المرحلة الاستراتيجية، لكن لا تقدر على إنهاء المباراة أو استغلال أخطاء خصمك، لأنك ضعيف على المستوى التكتيكي.
وبطبيعة الحال، يندرج تحت كل عمود من هذين العمودين عدة مهارات لا بد من اكتسابها وعدة أنماط لابد من التعرف على طريقة التعامل معها.
وكل مهارة تتفرع من هذين الأصلين لها مجموعة تدريبات ودروس خاصة بها. لكن لابد من فهم فلسفتها في البداية.
كمثال، مهارة فهم هيكل البيادق ليست مهارة رئيسية أو محورية لكنها توضح أهمية فكرة النسبية التي أشرت إليها في بداية المقال.
في حين أن مهارة الحسابات، محورية في التكتيك؛ لأنه علمياً عدد الاحتمالات في الشطرنج أكبر من عدد الذرات في الكون المنظور، لكن ببعض الإرشادات العامة يتعامل اللاعب مع الكم اللامتناهي لمسألة الحسابات والاحتمالات في الشطرنج.
ولذلك وكما أن معرفة القوانين الخاصة ولغة ورموز الشطرنج يسيران بالتوازي، فمعرفة مراحل الدور بشكل عام وتجريدي تسير بشكل متوازٍ مع معرفة الأسس الرئيسية لكل من الاستراتيجية والتكتيك.
سابعاً: بعد الانتهاء وفهم و"هضم" ما فات عن طريق التدريب والقراءة النظرية المصحوبة بأمثلة بسيطة مشروحة. ستنتقل للمرحلة التفصيلية الشارحة لكل مفهوم أو فكرة مما سبق ذكره من خلال تطبيق قواعد الاستراتيجية والتكتيك بشكل مفصل وبأنماط متعددة ومختلفة على حسب طبيعة الدور وسير نقلاته. والأفضل في هذه المرحلة أن تتعلم مهارات النهايات ابتداء بنهايات البيادق ثم الأرخاخ ثم القطع الصغيرة، بالتوازي مع تعلم مرحلة الافتتاحيات بشكل عام.
هذا الأمر يتم عن طريق قراءة كتب متخصصة في مرحلة النهايات وقواعدها الرئيسية، أما الافتتاحيات فنصيحتي أن تفهم أفكار الافتتاحات العامة من خلال الاطلاع على كل الافتتاحات الرئيسية بشكل عام في خطوطها الرئيسية.
خلال تلك المرحلة تدرس الاستراتيجية والتكتيك بشكل عام في أنماطهما المختلفة وستجدهما في الافتتاحات أيضاً، لكنهما يظهران بقوة في وسط الدور، وبالتالي ستكتسبهما بالتدريج دون أن تشعر.
ثامناً: هناك كتب كثيرة شارحة للشطرنج، وقنوات يوتيوب أكثر تشرح اللعبة بشكل سهل وسلس. لكنّ هناك كتابين أرى أن بهما شرحاً يسيراً وذكياً لفلسفة الشطرنج يصقلان فكرة النسبية وملكة التفكير النقدي وترجما إلى العربية بالفعل.
الكتاب الأول هو "أسس الشطرنج" لكابابلانكا وهو أحد أقوى لاعبي الشطرنج في التاريخ وأستاذ في اللعب الاستراتيجي والموضعي ومكث على عرش اللعبة من سنة 1921 حتى 1927.
الكتاب الثاني هو "نظرية الشطرنج" وهو لبطل العالم السابق غاري كاسباروف وهو من أبرع اللاعبين التكتيكيين في تاريخ الشطرنج، وكان بطل العالم من سنة 1985 إلى سنة 2000. كتاب كاسباروف سيعلمك عوامل أساسية غير عامل القوة والعدد في الشطرنج، مثل عامل المساحة، والوقت، والمبادرة… إلخ.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.