يتفاقم الجدل والتكهنات في الشارع السياسي في السودان بعد إعلان رئيس الوزراء عبدالله حمدوك تأخير تشكيل حكومته المرتقبة اليوم الخميس الموافق 4 فبراير/شباط 2021، وإرجاء تقديم برنامج حكومته للمرحلة القادمة، الذي ظل ينتظره السودانيون منذ فترة طويلة وبفارق الصبر، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وارتفاع الأسعار، والأزمات المتجددة في الخبز والوقود وغاز الطهي، نتيجة لارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في الأسواق الموازية (غير الرسمية) إلى أرقام قياسية.
وهذا كله يعني بوضوح أننا نشهد محاصصة سياسية ضارية فيما يخص تشكيلة الحكومة الانتقالية في السودان، بالرغم من أن الوثيقة الدستورية الموقعة في العام 2019 بين المكون المدني (قوى إعلان الحرية والتغيير)، والجانب العسكري، نصت بوضوح في المادة 14 البند الأول في الوثيقة على أن يتم تشكيل الحكومة الانتقالية من رئيس الوزراء وعدد من الوزراء لا يتجاوز عددهم العشرين من كفاءات وطنية "مستقلة"، أي لا تنتمي لأحزاب سياسية بعينها (حكومة تكنوقراط) وهذا يمثل خرقاً للوثيقة. أما الخرق الآخر للوثيقة الدستورية فيما يخص تشكيلة الحكومة الجديدة، فهو أن القائمة في الحكومة الجديدة ستشمل نحو 27 وزيراً، وهذا أيضاً مخالفة واضحة للوثيقة الدستورية تم تبريره، بسبب إبرام اتفاقية جوبا للسلام مع الحركات المسلحة السودانية.
إذاً ما سيتم تشكيله في السودان، ستكون حكومة مكونة من سياسيين وليست حكومة تكنوقراط، ولهذا السبب، انسحبت بعض الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وستشتمل الحكومة المرتقبة على ممثلين عن الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام في جوبا، حيث من المقرر تمثيلهم أيضاً في المجلس السيادي والمجلس التشريعي لاحقاً.
هذه الخطوة، في نظري والعديد من المراقبين، قد تخلق فجوة عميقة بين المكونات السياسية نفسها من جهة، وكذلك بين المكون العسكري والحاضنة السياسية من جهة أخرى، وقد تزيد من طموح ونفوذ العسكريين للمطالبة بمزيد من السلطة، إلى جانب إمكانية تمديد الفترة الانتقالية إلى ما لا نهاية في حال التحاق الحركات التي لم توقع على اتفاق جوبا للسلام ومطالبتها لاحقاً بمكاسب سياسية.
من المعلوم أيضاً أن الحكومات التي عادةً ما تتشكل نتاجاً لمحاصصات سياسية تكون قراراتها دائماً، أو في الغالب، بطيئة ومعقدة ورهينةً لتلك الأحزاب التي دفعت بها، وبالتالي قد تكون غير قادرة أو مكبلة بأهداف سياسية ضيقة في مواجهة مشاكل اقتصادية وحياتية حادة كالتي يعيشها السودان الآن تحتاج إلى حلول سريعة وآنية بدون الرجوع إلى القيادات السياسية.
كذلك الأحزاب السياسية السودانية والحركات المسلحة لديها أهداف ورؤى متباينة فيما يخص كيفية وهيكلية وطبيعة الحكم في السودان في المستقبل. كما أن هناك جهات سياسية قد ترغب في استمرار تمديد الفترة الانتقالية إلى أطول فترة ممكنة، وبالتالي ستعمل على عرقلة الإجراءات التي من شأنها أن تؤدي إلى التسريع في قيام نظام ديمقراطي عبر الانتخابات المباشرة، لأن حظوظها قد تكون ضعيفة حينها للحصول على السلطة التي تتمتع بها الآن.
والسؤال الذي يطرح نفسه دوماً فيما يخص الشأن السوداني وتشكيل الحكومة الانتقالية: لماذا لا تتم انتخابات برلمانية مبكرة والبدء في الإعداد لذلك بصورة جيدة؟ عوضاً عن تمديد الفترة الانتقالية والدخول في محاصصات سياسية لتشكيل الحكومة التي قد تفشل تماماً في التوصل إلى حل فيما يخص المناصب الوزارية وخطورة أن ينتهي الأمر بأن يتولى العسكر السلطة في السودان خاصة إذا استمرت الأزمة الاقتصادية حالها ولم تراوح مكانها.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.