شيفرة جديدة أراد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الإعلان عن فكها للرأي العام الفرنسي والدولي فيما يتعلق بحكومة لبنان وحزب الله، وأراد أن يسمع معه الرئيس جو بايدن الساكن الجديد للبيت الأبيض الذي بدأ عهده بسلسلة قرارات انفتاحية تؤكد عمق تحالف واشنطن مع أوروبا بعد أن هجرها ترمب وأعلن خصومة معها في السر والعلن، فبايدن المستشعر ضرورة عودة العلاقة المتينة التاريخية بين إدارته وعواصم القرار الأوروبي، فإنه وبحسب مصدر دبلوماسي، أوفد خلال الفترة الانتقالية وقبيل تسلمه السلطة رسمياً، أنطوني بلينكن وزير خارجيته إلى باريس، وبعيداً عن الأضواء، كونه لم يكن قد تولّى رسمياً موقع وزير الخارجية، والتقى بعض المسؤولين الفرنسيين لمناقشة واقع المنطقة.
باريس لواشنطن: لوقف النزاع وتعزيز قدرة الجيش
وبحسب المصدر، فإن بلينكن شدد للمسؤولين الذين التقاهم على سياسة بايدن الانفتاحية على أوروبا والتعاون معها على المسرح الدولي، وخصوصاً في الشرق الأوسط، ودعم مبادرتها في لبنان، ويشدد المصدر على أن المسؤولين الفرنسيين أسمعوا بلينكن موقف باريس الذي يقول إن أي محاصرة لحزب الله وجره للمبارزة ستؤدي إلى تدمير لبنان وانهياره، وإن الحل يقضي بوقف الاشتباك مع الحزب والذهاب نحو ربط نزاع بشروط تتضمن تعهد الحزب بتفكيك منظومة الصواريخ الدقيقة أو إبعادها، وبحسب المصدر، فإن الفرنسيين شددوا لبلينكن على ضرورة أن تستمر واشنطن والمجتمع الدولي في دعم الجيش كقوة عسكرية تحظى بثقة اللبنانيين والدول، ووفق المصدر فإن بلينكن أكد استمرار إدارته بدعم الجيش، وأن هذا الدعم سيترجم قريباً بمساعدات عسكرية جديدة.
ولعل الرسالة الأهم لفريق ماكرون التي سمعها بلينكن كان عنوانها الرئيسي "حكومة لبنان المتنازع عليها وحولها"، والتي تراقبها واشنطن عن كثب، كما أكد وزير الخارجية الجديد، فيما أطلق ماكرون صافرة الاستعداد لزيارة لبنان المؤجلة وغير معلومة التوقيت، لكنها وبحسب متابعين، مرتبطة بسلسلة تطورات قد تشهدها الملفات اللبنانية المعقدة، هذا التعقيد قوامه الحقيقي تخمير الواقع الاقتصادي الاجتماعي، الذي ترجم فعلياً في الميدان عبر بوابة طرابلس اللبنانية كخاصرة رخوة يمكن من خلالها فتح جبهات وإرسال رسائل تعيد الجميع للاعتراف بأن كلمة السر باتت في الخارج.
ماكرون بين السعودية وحزب الله
تعود المبادرة الفرنسية إلى بيروت وفق رؤى جديدة وبدعم أممي أوسع، فماكرون الممتعض من تعنت عون وباسيل بات يدرك أن الحلول المحلية تتمركز في حارة حريك عند حزب الله؛ لذا وبحسب مصدر دبلوماسي، فإن الإدارة الفرنسية أعادت تشغيل محركاتها تجاه حزب الله عبر السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو، التي التقت مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله الحاج عمار الموسوي، لمناقشة التحديات الحكومية العالقة، ويؤكد المصدر أن تواصلاً فرنسياً جرى باتجاه طهران لإحداث خرق في المشهد اللبناني على مستوى تشكيل الحكومة، وأن هذا التواصل عزز الرغبة لدى باريس للتقدم والإقدام من جديد في ظل التواصل الأمريكي – الإيراني والذي بدأ في حديقة خلفية يقال إنها الدوحة، وعليه فإن باريس باتت تشعر أن مبادرتها قد تكون قابلة للحياة في ظل إيجابية إيرانية معطوفاً عليها ضوء أخضر أمريكي.
وبحسب المصدر، فإنه بالتوازي فإن الإدارة الماكرونية تعمل على خطوط أخرى أبرزها السعودية في ظل تعهد مصري بإقناع الرياض بدعم الحكومة القادمة إذا تعهدت باريس بوقف تمدد حزب الله في الدولة على حساب باقي المكونات، ويشدد المصدر على أن المصريين أنفسهم التقوا عبر وفد زار بيروت مؤخراً بقيادات من حزب الله بعيداً عن الأضواء، وعليه فإن الحركة الدبلوماسية الدولية والإقليمية باتجاه ملف الحكومة باتت على نار حامية، ووفق المصدر فإن ماكرون عدل رأيه باتجاه حكومة من 20 وزيراً بدل حكومة 18 وزيراً التي باتت مكمن الصراع بين باسيل والحريري، وذلك بناء على رغبة حزب الله وكثمرة لقاء بين الحزب، لكن ذلك بحسب المصدر لا يعني أبداً التعديل في منطلقات وأهداف مبادرة باريس، أي أنّ أي طرف سياسي لن ينال الثلث المعطّل، خصوصاً أنّ الوزراء يجب ألا يكونوا أداة في يد القوى السياسية، حتى ولو جاءت تسميتهم من خلال هذه القوى، وأن خلية لبنان في الإليزيه ستشرف على برنامج الإصلاحات المزمع تنفيذه في المؤسسات الحكومية.
اتصال باسيل -نصرالله: التيار يعاند الريح
بحسب ما تسرب عن اتصال أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يدور في فلك تشكيل الحكومة ومواقف الرئيس بري العالية السقف تجاه قصر بعبدا، وبعيداً عن شكل ومضمون الاتصال وتوقيته، لكن ما هو مؤكد أن الاتصالات واللقاءات المباشرة تحدث باستمرار بين التيار الوطني الحر وحزب الله، يشدد حزب الله لحليفه المسيحي على ضرورة الإقرار بأن بعض المواقف والخيارات لم تكن موفقة بما فيها محاولة استفزاز شريحة كبرى مازال الحريري يمثل حجرها الأساسي، يسعى التيار لاقناع الحزب بضرورة إعطاء الحريري دعماً مجانياً فيما الحريري يناور لاستعادة علاقاته الخارجية على حساب تعهداته الداخلية، فهو بحزب التيار الحر لم يعد يشكل ضمانة للحزب فما الذي سيؤكد صدق نياته في حال تشكلت حكومته في ملفات كالترسيم الحدودي وقانون الانتخاب وانتخابات رئاسة الجمهورية، وبحسب باسيل وتياره فإن الحريري خسر الاحتضان العربي السابق فيما يلعب فقط على خط القاهرة-أنقرة، فما الذي من الممكن أن يقدمه؟
هذه الشكوك يسعى حزب الله لتبديدها والإجابة عنها بجواب واحد أن الحريري لا يزال الأقوى سنياً والأقدر على التواصل مع الغرب وروسيا وتركيا وبعض العرب، فيما تجربة حسان دياب لم تكن ناجحة، ويشدد الحزب للتيار على ضرورة الاعتراف بقوة الحريري في لعب دور ضمن طائفته، فالحزب لا يريد فتح معركة مذهبية كالتي حدثت بين 2006 و2008 والتي تستنزف الحزب داخلياً وخارجياً.
وعليه، فإن وقف السجال والتراشق بين بيت الوسط وقصر بعبدا يعود لاتصالات الحزب بين الطرفين وعبر مبادرة بري التي أفشلها باسيل مؤخراً، والتي قد ينتج عنها فتح معركة جديدة عنوانها أن باسيل يضرب الميثاقية والشراكة، فيما حزب الله يحسم المعركة بالتأكيد على عدم رغبته بمنح ثلث معطل لأي طرف كان.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.