"الاكتئاب غضب لم يتم التعبير عنه" جورج سانتايانا.
جرت العادة أن نتحدث ونستعرض قصصاً ملهمة تأخذنا نحو نجاح أو نصر ما، ونسرد ما صادفنا خلالها من مصاعب حتى وصلنا لبر الأمان. في هذا المقال سوف أتحدث عن الحالة أو التجربة التي مررت بها وأنا على يقين أنكم تتقاسمون معي ذلك بشكل أو بآخر وقد مررتم بشيء مشابه خلال فترات حياتكم بعضكم تجاوزه والبعض الآخر ما زال ينتظر شيئاً ما عجيباً ينقذهُ منها, شئ يشبه العلاج النفسي. كما أود أن أنوه بأني لست مختصة فيما سوف أسردهُ هو محض علاج أتبعتهُ وتجربة نجحت معي شخصياً، ولكن اكتشفت أنه منذ فترة قد تم إدراجها ضمن إحدى طرق العلاج للصحة النفسية.
من خلال جلسات مع مُعالجٍ بالقراءة في (مدرسة الحياة) بالمقرِّ الرئيسي في لندن. والذي بدوره يقدّم دوراتٍ ابتكارية لمساعدة النَّاس في التعامل مع التحديات الوجودية اليومية على المستوى العاطفي. كما أن لديهم شبكة من المعالجين بالقراءة تم تدريبهم واختيارهم بواسطة (مدرسة الحياة) وهم منتشرون في العديد من المدن حول العالم، حيث كان الأدب القصصي أفضل أنواع العلاج المتبعة كما ذكروا كونه يعطي للقراء تجربة جوهرية. ما سأتطرق للحديث عنهُ تحديداً هو مشكلاتنا والوعكات الصحية التي نتعرض لها لكنها لا تبدو ظاهرة للعيان نستطيع أن نخبئها جيداً خلف ضحكاتنا وتصرفاتنا العادية جداً، وتعاملنا الطبيعي تماماً، لكنها موجودة تسكن في رؤوسنا وتسيطر على انفعالاتنا، وحتى إنها تؤثر على أشد القرارات أهمية بالنسبة لنا.
اكتئاب مزمن في خضم صراعات الحياة وتسارعها وبحسب إخصائيي الصحة النفسية فإن الاكتئاب مرض العصر، وهناك العديد من الناس على هذا الكوكب يعانون منهُ ولهُ أشكال عديدة وانفعالات لا حصر لها فيما يتعلق بسلوك الإنسان، كالقلق والعصبية والترقب والخوف من تجارب جديدة قد تتفاقم لتتحول إلى وسواس قهري، لكن هنالك فرق كبير ونقطة مهمة وفارقة فيمن يعالج ذلك ومن يتركهُ للزمن فيظهر كرد فعل عكسي تجاه الشخص ذاتهُ، والمقربين منه بسلوكيات قد تحدث كوارث ويتكبد الشخص خسائر بسببها! ببساطة الشخص ذاتهُ قد لا يعرف أساساً أنه بحاجة لعلاج وأن فترات حياته الصعبة لم تقطع وتنته عند حد النسيان. ذلك النسيان وَهم للهروب، لكن ما يتركهُ من أثر على تحركاتك بالكامل هو تحديداً ما يشكل معاناة قادمة سوف تعيشها بمفردك. يختلف الاكتئاب حدته وتأثيره ومؤثراته من شخص إلى آخر، لكنهُ في النهاية يبقى حالة تتطلب منا الانتباه.
مواجهة شجاعة
أن تتعرف على المشكلة التي لديك ذلك بحد ذاته شجاعة، قلة قليلة من الناس بإمكانها الاعتراف أنها تعاني أو تعيش مرحلة غير جيدة أو تتبع أسلوباً خطأ، ولابد من الوقوف عندهُ وكشف كل أوراقه لكي يتمكن الشخص بمساعدة نفسه أو من خلال مساعدة شخص آخر مختص من إيجاد سبيل وحل مناسب. ربما كوني أعيش في منطقة خالية من الصحة النفسية أو حتى الاعتراف بها على الأقل واحترامها كحالة موجودة لابد من معالجتها وإلا تحولت لكوارث اجتماعية وهذا ما حصل بالفعل، أنا أرى ذلك واضحاً في مجتمعي الذي أعيش فيه، لكن لا يوجد أحد يولي اهتماماً كافياً لذلك أساساً. أجيال الحروب وما قبلهم ومن بعدهم عاشوا دون وعي ومعرفة ما معنى الصحة النفسية حتى من الناحية الطبية كان التحدث عن الأمر ظاهرة منبوذة اجتماعياً ويتم إطلاق مسمى مجنون على أي شخص يفكر في مراجعة طبيب نفسي. لذا أصبحنا نرى اليوم أن العنف الأسري والانحراف الأخلاقي أحياناً يمتد ويتحول لاعتداء، حالات ومحاولات للانتحار بشكل مكرر، تفاصيل عديدة تستدعي كشفها ومعالجتها.
العلاج
بعد أن صارحت نفسي بالمشكلة بصورة واضحة تماماً استطعت أن أبحث عن علاج. الأمر بسيط فقط اعترف لنفسك بأنك لست بخير لأي سبب كان، تعددت الأسباب والنتيجة أنت تعاني من مرحلة حرجة سيئة على الصعيد الشخصي، روحك أفكارك وانفعالاتك ليست بخير، بعد أن تعترف بذلك ابحث عما تجد أنك من خلاله ستخرج بتجربة أو تتخطى المرحلة بخسائر أقل وربح أكثر. بالنسبة لي ونصيحة رغبت أن أسلط عليها الضوء في هذا المقال هي أننا بإمكاننا أن نتخذ طرق علاج مبتكرة وصحيحة، وحتى إن كنت لا توافق في كون قراءة الأدب القصصي تجعلنا نتعامل مع الآخرين بشكل أفضل، ولكن أيضاً هي طريقة لجعلنا نتعامل مع أنفسنا بشكل أفضل. القراءة أظهرت أنها تضع عقولنا في حالة أشبه بالغيبوبة الممتعة كالتأمل، وتجلب منافع الاسترخاء العميق والهدوء الداخلي. القراء المنتظمون ينامون بشكلٍ أفضل ويحظون بمستوياتٍ أقل من التوتر، وثقة عالية بالنفس، ومعدلاتٍ أقل من من الاكتئاب مقارنةً بغير القراء. المؤلفة جانيت ونترسون كتبت ذات مرة: "الخيال والشعر هما جرعات أدوية، وما يشفيانه هو تعويض الخيال لما يمزقه الواقع".
النتيجة
لجميع القُراء النهمين الذين عالجوا أنفسهم بالكتب طيلة حياتهم، ليس من المفاجئ أن قراءة الكتب جيدة لصحتك العقلية وعلاقاتك مع الآخرين، لكن بالضبط لماذا أو كيف ذلك، الإجابة عن هذا السؤال أصبحت أوضح من ذي قبل، مع زيادة الاهتمام بعلم الأعصاب الوجداني حيث أصبح أكثر وضوحاً والفضل يعود للبحث الذي يتحدث عن تأثير القراءة على العقل، المسمى بـ "العصبونات المعكوسة" وجد هذا الاكتشاف في منتصف التسعينات، وتعرف على أنها "العصبونات" التي تتحفز عندما نقوم بالفعل ونرى شخصاً آخر يقوم بالفعل. وتؤكد ذلك دراسة نشرت في عام 2011 في المراجعة السنوية لعلم النفس مستندة إلى تحليل صور الرنين المغناطيسي لدماغ المشتركين، أظهرت الدراسة، عندما يقرأ الناس عن تجربة، أن نفس المناطق العصبية لديهم تتحفز كما لو أنهم مروا بها بأنفسهم. يقول شكسبير في مسرحية (تيتوس أندرونيكوس): "تعالوا، وخذوا ما تشاؤون من مكتبتي، وتناسوا بها الآلام".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.