في تمام يوم الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني لعام 2011، بتوقيت الثورة، تعالت أصوات الآلاف من المصريين، تصرخ في وجه مبارك وحاشيته: "ارحل يعني امشي يا اللي ما بتفهمشي، لم يبق لك المزيد من الوقت، كفاية 30 سنة ظلم وقهر وجهل"، اجتمع رأي أغلب المصريين على ضرورة بناء دولة جديدة بدون عصابة الحزب الوطني، وعلى رأسهم محمد حسني السيد مبارك.
18 يوماً من الغضب والثورة في وجه دولة كاملة، فلول وثورة مضادة ودولة عميقة، ترتيبات إقليمية معقدة، انتصرت عليها الثورة المصرية في الحادي عشر من فبراير/شباط، وقبل أن يحتفل المصريون بذكراها الثالثة، انقلب العسكر على التجربة الديمقراطية الأولى وأطاحوا بالرئيس المنتخب محمد مرسي، وصارت مصر في الذكرى العاشرة أسوأ مما كانت عليه في عهد مبارك، وربما عبدالناصر أيضاً، بعد 10 سنوات من الثورة كيف وصلنا إلى هنا؟
حلم الحرية والتغيير.. هل كنا مستعدين؟
حيث يكون الاستعداد عظيماً لا يمكن أن تكون الصعوبات عظيمة، هكذا تحدث نيكولو مكيافيلي في كتابه الأمير، لكن الثورة المصرية تعرضت لكثير من العقبات منذ انطلاقها وحتى القضاء عليها بشكل كامل، أحزاب سياسية وجماعات إسلام سياسي، نشطاء ونخبة، فشلت جميعها في الاستعداد الحقيقي لتلك الثورة، ربما نجحت في الاستعداد لمرحلة الثورة، لكنها فشلت في الاستعداد لمرحلة ما بعد الثورة، خلافات على طول الخط، انتقادات واسعة فيما بينها، الجميع فقط بحث عن أكبر المكاسب، ولم يهتم أحد ما بالثورة نفسها كفكرة، وفرصة قد لا تتاح في المستقبل القريب، لم يعوا جميعاً أنهم نجحوا فقط عندما اجتمعوا، وصار كل منهم يعتقد نفسه الثورة وفقط، بينما البقية مجرد قطع ديكور، كما فشلت الأطراف المساهمة في الثورة في الاستعداد لمرحلة الحكم وقيادة دولة مثل مصر حضارة وجغرافيا وتاريخاً، وطبيعة خاصة، وليست دولة في مجاهل العالم، لتبقى الحقيقة الثابتة أن الفشل كان عنوان المرحلة، وأننا جميعاً فشلنا في الحفاظ على أروع ما حدث لمصر الحديثة.
أغان وحنين للماضي.. ماذا تبقى من يناير؟
"ساعات بخاف تبقى ذكرى، نبعد عنك تموت الفكرة".
بعد انقلاب الثالث من يوليو/تموز، خسر المصريون كل مكتسبات الثورة من حرية وكرامة وأشياء أخرى نسمعها الآن في الحكايات فقط، في كل ذكرى سنوية لثورة يناير، نكتشف مكاسبنا القليلة الباقية، المكسب الأعظم هو أن الفكرة باقية في نفوس الثوار لم تتغير، ولم يندموا عليها، الكثير من الذكريات والمواقف عن يناير تروى كل عام، لنكتشف أنه مهما حدث من عواقب وخسائر، ما زالت روح يناير حية لم ولن تموت، ذهبت الثورة وأضحت مهزومة، لكن فقط تلك الروح مكسب كبير، يحتاج لمن يهتم بها ويعمل على الاستفادة منها، أغاني الثورة تعود للواجهة في كل ذكرى، لتشعرنا أننا في وسط التحرير، في أجواء يناير الشتوية نغني جميعاً: "صوت الحرية بيجمعنا خلاص حياتنا بقى ليها معنى مفيش رجوع.. صوتنا مسموع والحلم خلاص مبقاش ممنوع".
احنا آسفين يا ريس
حضرت ذكرى ثورة يناير هذا العام، بينما غيب الموت مبارك، الذي شهد انتصارها عليه، وهزيمته، ومات في أعلى مراحل هزيمة الثورة، وكأنه أراد أن يطمئن على دولة الظلم والفساد قبل وفاته، وهذا أوان الصدق، بعد وفاة الرجل، لذلك إحنا آسفين يا ريس، آسفين على محاولة تطهير أم الدنيا من فسادك، آسفين على رغبتنا في دولة أجمل، آسفين لأننا بحثنا عن هواء نظيف وماء صحي، آسفين على إزعاجك بهتافنا بالقرب من قصرك الحصين، آسفين على سؤالنا لك عن ملياراتك المكدسة في بنوك العالم، آسفين على رفضنا الثوريت، كان علينا أن نعي أن نجلك الكريم أصلح من يتولى أمرنا، آسفين على وقوفنا أمام رصاص جنودك، آسفين سيادة الرئيس على المحاولة والمساءلة والمعارضة، لكن لا أستطيع أن أعدك بعدم تكرارها؛ لأنه حتى الآن خالد "مش" سعيد.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.