نحن في الأردن ربما تابعنا الانتخابات الأمريكية الأخيرة وفوز جو بايدن، والبلبلة التي أحدثها دونالد ترامب، ومناصروه المتطرفون، وسخرنا بشكل مفرط من فشل إدارة الأخير بالتصدي لملف فيروس كورونا، أكثر من أي إدارة أخرى، ربما سخرنا أكثر من الشعب الأمريكي نفسه.
في السابق كانت أجهزة في معظم بلادنا العربية تسعى جاهدة لتخدير الشعوب بقضايا وأحداث فارغة كي تلهيهم عن استبداد الأنظمة والدوائر الفاسدة التي تدور في فلكها، اليوم ربما تفرغت هذه الأجهزة لأمور أسوأ بكثير من مسألة التخدير تلك بعد أن أصبحت الشعوب تَشِت عن السعي لخلاصها من هذه الأنظمة ومن أتون الفقر والتخلف والتبعية وقلة القيمة التي زجتها بها تلك الأنظمة.
اليوم بعد قرن من الزمان تقريباً من حكم هذه الأنظمة لبلادنا بتنا نملك مثلاً إعلاماً رسمياً "فارغاً" لم يكن يوماً أبعد عن الواقع كما هو الآن.. عِندنا مثلاً تلفزيون، الميرمية، في بلدنا نسبة إلى نبتة الميرمية التي توضع على إبريق الشاي لتُضفي عليه نكهتها الفواحة. وأذكر أنه كانت أحداث الكرك الإرهابية في ديسمبر/كانون الأول 2016 مشتعلة والقلوب ملتاعة في حين كان يتحدث التلفزيون الرسمي عن فوائد نبتة الميرمية، لأن مديره لم يصله بعد تعليمات بشأن التعليق على الموضوع، فأطلق عليه الشعب وقتها "تلفزيون الميرمية"، ومن فرط تكرار تلك الحوادث المخجلة بات الإعلام الرسمي وغير الرسمي الموالي للنظام يُطلق عليه كذلك "إعلام الميرمية".
حتى في بلاد العرب نجد مثلاً في مصر أنه بات يُطلق على الإعلام الرسمي هناك، إعلام "السامسونغ"، لأن مذيعي القنوات التي تعمل داخل مصر كلها تأتمر بأمر تعليمات أحد الأجهزة السيادية والتي يرسل التعليمات والتوجيهات من جهاز "سامسونغ" وفي إحدى المرات أخطأت المذيعة في نهاية قراءتها لخبر أمني وقالت: تم الإرسال من جهاز سامسونغ.
ولذلك نجد أن كل القنوات والمذيعين وكأنهم قناة واحدة ومذيع واحد يتحدثون عن أمر معين في ذات اللحظة. فبدل أن يتحدثوا عن هموم المواطن المصري والمشاكل والمعضلات الهائلة التي تسبب بها نظام عبدالفتاح السيسي ودوائر الحكم الجديدة التي تسانده، نجدهم يتحدثون عن مفاتن الممثلة رانيا يوسف، وفساتينها.
لا مشكلة على كل حال، لكن بالعودة إلى الأردن نجد أنه حتى هذه اللحظة وعندما يأتي لأحدهم خبر أنه قد يكون ضمن فريق الحكومة الجديدة، أو ضمن التعديل الوزاري المرتقب، فإنني أؤكد لكم أنه لا يعلم ما هي الحقيبة الوزارية التي قد يتسلمها إلا حين يرن هاتفه النقال أخيراً فيخبره المتصل بالوزارة التي رست عليه.. تصوروا يا رعاكم الله؟ تَحدَّثَ أحد الذين كانوا يوماً ضمن فريق إحدى الحكومات السابقة مع المذياع قائلاً، إن بعض الوزراء يأتي لأداء القسم وهو يعلم أنه سيتسلم تلك الحقيبة وما إن يصل مقر رئاسة الوزراء حتى يتم إبلاغه أنه سيتسلم حقيبة أخرى، تصوروا يا رعاكم الله مرة أخرى؟
أحد شيوخ قبائل الشَّمَال يقول على إحدى الإذاعات في مقابلة إنه ورده يوماً مكالمة هاتفية من أحد رؤساء الوزراء المكلفين بتشكيل حكومة يسأله فيها السؤال التالي: ألو كيف أبو فلان؟ ما عندكم بالمفرق خريج دكتوراه تخصص زراعة من القبيلة الفلانية؟ يرد الشيخ: الآن لا يحضرني شخص بهذه المواصفات، لكن لماذا معاليك؟ يُجيب معاليه: "لا أبداً بس مش ضايل غير وزارة الزراعة وحابين نعطيها لحدا من الشمال من القبيلة الفلانية عشان نرضي جميع الأطراف وأنت خير العارفين وتعرف كيف الأمور ماشية"، تصوروا للمرة الثالثة يا رعاكم الله؟قد تكون وزارة الزراعة في أحد البلدان المتقدمة التي تحترم شعوبها من أهم الوزارات، لأنها أحد أعصاب الاقتصاد حتى لو كانت تلك الدولة صناعية. لكن عندنا في بلادنا العربية نجد أن وزارة مهمة كوزارة الزراعة "غير مطلوبة" ويتم منحها كترضية سياسية واجتماعية.
لماذا تتابعون الانتخابات الأمريكية وفوز جو بايدن و"تتمهزأون" على سياسات دونالد ترامب وفشله في إدارة ملف "كورونا".. لماذا؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.