ليست فورة عاطفية أو مجرد مظاهرات.. لماذا يجب أن تستمر الثورة السورية؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/01/21 الساعة 11:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/01/21 الساعة 11:13 بتوقيت غرينتش
فتى يرفع علم الثورة السورية في إدلب/رويترز

الثورة ليست فورة عاطفية – وإن بدأت بفورة عاطفية – وليست مجرد مظاهرات، تنادي بإسقاط النظام، وليست شعارات، يرددها عوام الناس في كل مكان، وليست أغنية أو أنشودة، يترنم بها المتظاهرون، أو المعارضون والمعترضون، وليست لافتات، يحملها الصغار والكبار، أو تعلق في الشوارع والطرقات!

مواصفات الثورة

الثورة فكرة، وعقيدة، ومبدأ، ورغبة جامحة، تعتلج في جوانح كيان الإنسان الحر، ومشاعر وأحاسيس تواقة، تخرج من أعماق القلب، تطالب بالتحرر من الاستبداد، والاستعباد، والجبروت، والطغيان! 

الثورة قيمة أخلاقية عالية، ومشاعر إنسانية سامية سامقة، تنبع من نفس ملتاعة من الاستبداد، مقهورة من الظلم، والقمع، وتكميم الأفواه، ومنع حرية الكلام، والانتقاد، وإبداء الرأي في سياسة الحكم والحاكم!

الثورة هدف نبيل، ومقصد شريف، يسري في حنايا جسم الإنسان الحر، كما يسري الدم الأحمر القاني في شرايينه وأوردته، وكما تسري النبضات العصبية في الأعصاب، حاملة الأوامر والنواهي والمحفزات، ما بين أطراف الجسم إلى الدماغ، وبالعكس من الدماغ إلى أطراف الجسم!

الثورة حينما تهيمن، وتسيطر على كيان الإنسان الحر، وتنتشر في خلايا جسمه كلها، ومفاصله وعضلاته وغدده، حتى تصل إلى نواة الخلية، وتتفاعل مع أحماضها النووية الريبية، ومنقوصة الأوكسجين، وتعشش فيها، لا يمكن بأي حال من الأحوال اقتلاعها من كيانه، ولو قُطِعَ جسمه إرباً إرباً! 

الثورة تضحية بالغالي والنفيس، وفداء بالممتلكات، وبذل مهج الأرواح والأنفس والدماء، وعطاء الأموال بسخاء، وتقديم الأرواح رخيصة، قرباناً على مذبح الحرية! كما قال أمير الشعراء:

ولا يبني الممالك كالضحايا    ******      ولا يدني  الحقوق  ولا يحق

ففي  القتلى  لأجيال  حياة      ******     وفي الأسرى فدى لهم  وعتق

وللحرية   الحمراء   باب      ******      بكل   يد    مضرجة    يدق

الثورة السورية 

وطالما أن الثوار في سوريا، قد انطلقوا بالثورة، وقدموا لها أثماناً غالية نفيسة، عشرات الآلاف من القتلى، ومثلهم أو أكثر من الجرحى والمعاقين، ومثلهم أو أنقص من المعتقلين والمعتقلات، والمسجونين والمسجونات في أقبية سجون الأسد، وملايين المهجرين والمشردين والنازحين على امتداد المعمورة، من أقصاها إلى أقصاها!

يجب الاستمرار في الثورة إلى النهاية 

فيجب على كل من يحمل في نفسه شعلة الثورة، وفي قلبه بذرة الإباء، والاستعلاء على الظلم والطغيان والاستبداد، أن يستمر في مسيرة الثورة مهما اكتنفها من صعوبات، واعترضها من عقبات؛ لأن الثورة! هي التي تضمن الحياة الكريمة العزيزة، لكل الناس، والخسارة في توقف الثورة في منتصف، أكبر بكثير من الاستمرار فيها! ولو عَظُمت التضحيات، وكَثُرت الدماء!

وإن توقفَ الثوارُ الأحرارُ عن الثورة، وملوا وتعبوا، وأرادوا أن يرتاحوا، فإن نظام الأسد وأعوانه من المحتلين للأراضي السورية، لن يتوقفوا؛ ولن يرتاحوا، ولن يهدأوا لحظة واحدة عن ملاحقة من ثاروا من أجل الحرية.

إذن، لا مفر ولا مهرب من الاستمرار في الثورة، ولا بد من تغيير وتبديل طريقة التكتيك كل فترة، حسب الظروف السياسية، والميدانية، والعسكرية الطارئة! 

طبيعة طريق الثورة

ويجب أن يعلم الثوار أن طريق الثورة ليس مفروشاً بالورود والرياحين، وليس ممهداً ومنبسطاً ومعبداً، ويسهل سلوكه بكل راحة وسهولة، وليس هو نزهة، أو رحلة استجمام!

بل هو طويل جداً، وشاق وشائك ومزروع بالأشواك، والصخور، والأحجار، ومتعرج تارة يصعد الجبال، وتارة يهبط إلى الوديان، ومحفوف بالمخاطر، ومملوء بالوحوش والسباع الضارية، والأفاعي والعقارب، ويدمي الأرجل والأيدي، ويتعرض السالكون إلى السقوط مرة، وإلى الانزلاق من على شفا جرف هار، وإلى التدحرج، والارتطام بالأشواك، والأحجار، وتفجر الدماء من كافة أنحاء الجسم، وإلى الصراخ والأنين من الألم! 

ومن يسلك طريق الثورة، سيكابد ويعاني من الآلام والأوجاع، وسيتعرض إلى ابتلاءات وامتحانات قاسية، ورهيبة!

الاقتداء بالرسل

وهكذا كان حال جميع الرسل، الذين كانوا هم أول الثائرين والخارجين والمعترضين والمعارضين لنظام أقوامهم، الذي كان مبنياً على عبادة الأصنام، والشرك بالله، وعلى الظلم، والاستبداد، والطغيان، وتحملوا في سبيل دعوتهم وثورتهم، كل أصناف العنت والعذاب، والاضطهاد، حتى بلغوا رسالة الله كاملة غير منقوصة، وما توقفوا لحظة واحدة، عن الدعوة إلى الله، والثورة على الشرك، حتى انتصروا في النهاية على قومهم، انتصاراً باهراً.

ولا أدل على ذلك، من أن نوحاً عليه السلام، بقي يدعو قومة ألف سنة إلا خمسين عاماً، وما أصابه الكلل، ولا التعب ولا السأم ولا الملل. فكيف إذاً بالثورة السورية، التي لم يمض عليها سوى عشر سنوات فقط !

إن الذين يتوقعون، أو يشيعون أن اقتلاع نظام الأسد سيكون قريباً، في خلال سنوات معدودات، وعن طريق التفاوض، أو تطبيق قرار جنيف، أو قرار مجلس الأمن، أو أن الرئيس الأمريكي الجديد بايدن، سيضغط على النظام، ويجبره على تغيير نهجه وسلوكه، أو يقلم أظافره! فهذا خيال وأحلام! 

فهذا التحليل غير مدرك لطبيعة نظام الأسد، وطبيعة النظام الدولي، الذي كان الداعم الرئيسي، لبقاء النظام واستمراره في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية! 

وهذا الأمر لن يتغير البتة بمجيء رئيس أمريكي جديد، لأنه مر ثلاثة رؤساء خلال هذه الثورة – أوباما وترامب والآن بايدن – ولم يفعلوا شيئاً، سوى التصريحات بمعسول الكلام، وهذا الأخير! لن يكون أفضل منهم، فالسياسة الأمريكية، تستند وتعتمد على نهج ثابت، لا يتغير بتغير الرئيس! 

والنهج الثابت هو المحافظة على أمن واستقرار وسلامة الكيان الصهيوني، والثورة السورية إذا نجحت، تشكل خطراً كبيراً عليه على الأقل بحلحلة الأوضاع القائمة وفتح احتمالات المستقبل على مصراعيها، فلذلك لا يمكن أن يساعد النظام الدولي أو النظام الأمريكي في إنجاحها مثل تلك الثورة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

موفق السباعي
جراح أسنان وكاتب سياسي
كاتب ومحلل سياسي مهتم بالشأن السوري
تحميل المزيد