تنبيه
يعتمد المقال على ثقافة جنسية قد يشمئز منها الحس الأخلاقي، لكن الثقافة الجنسية ضرورية ولازمة لتصحيح المغالطات المشوهة المتعلقة بمسألة التحرش الجنسي والتي تمررها وسائل الإعلام معظم الأوقات.
تعريف التحرش الجنسي
قبل أن نبدأ في تحليل ظاهرة التحرش الجنسي لا بد لنا من تعريفها بشكل عام. من المنظور الاجتماعي فإن التحرش الجنسي هو ممارسة ذات إيحاء جنسي، تكون إما شفوية أو فعلية، يقوم بها شخص ما (غالباً ما يكون ذكراً)، لإثارة شخص آخر (غالباً ما يكون أنثى) جنسياً، رغم عدم قبول الأخير لتلك الممارسة.
أظن أن هذا التعريف واضح، ولا التباس فيه. السؤال هو لماذا تكون هذه الممارسة من جانب الذكر غالباً؟ وهل هذا له علاقة بنفسيته أم بحالته الفكرية؟
الإطار الموضوعي للظاهرة
حتى نفهم الظاهرة يجب أن نضعها في إطارها الموضوعي، لكي لا نُصدر أحكاماً ساذجة تتداخل فيها العاطفة الجياشة، والخطاب الدوغمائي.
الطبيعة الذكورية
سنبدأ أولاً من الحقيقة الطبيعية للذكر، مهملين الجانب الاجتماعي والحضاري له، يعني وضع الذكر في المجال الطبيعي.
نلاحظ الذكر في الطبيعة، بكل أصنافه الحيوانية، على أنه هو الذي يدخل في صراع مع باقي الذكور من أجل الحصول على كل الإناث (كالثيران البرية مثلاً). وإن كانت أنثى واحدة فإنه يقوم باستعراض جمالي (كالطاووس وأغلب الطيور)، لهذا نرى أن الذكر هو الجنس الذي يقوم بنشاط قد يُعرض حياته للخطر من أجل تحقيق رغباته الجنسية، فالذكر في الطبيعة يحكمه سياق الحركة المتسارعة والنشاط الحيوي، من أجل الحصول على ما يرغب فيه جنسياً، في حين أن الأنثى لا تُصدر أي نشاط كبير فيما يخص رغباتها الجنسية.
حتى إن الطبيعة جعلت من البويضة عنصراً ثابتاً، في حين أن الحيوانات المنوية هي التي تقوم بالحركة من أجل الوصول إلى البويضة من أجل إخصابها.
إذن، الطبيعة تجعل من الذكر هو الجانب الجنسي النشيط الذي يسعى لتحقيق رغباته الجنسية بالاندماج مع الجانب الآخر الذي هو الأنثى.
تحدثت هنا على الإنسان باعتباره كياناً حيوانيّاً، بعيداً عن أية قيود اجتماعية أو ثقافية أو قانونية، لهذا وضعنا هنا الإنسان باعتباره حيواناً بعيداً كل البعد عن الجانب الحضاري. فما يجعل الإنسان أرقى من الحيوان في حياته الجنسية هي عملية الكبت التي يقوم بها، والتي اعتبرها فرويد السبب الأهم تاريخياً الذي جعل الإنسان ينتقل من حياة الطبيعة إلى حياة الحضارة (راجع كتبه التالية: "الأنا والهو" و"الطوطم والتابو").
ماذا يخبرنا العلم؟
يضعنا العلم في صورة واضحة من حيث الاختلاف بين الذكر والأنثى، فالعلم توصل إلى أن هناك هرموناً جنسياً يتواجد لدى الذكور أكثر من الإناث، ويسميه بعض العلماء بهرمون الذكور، أما مصطلحه العلمي فيسمى بـ"تستوستيرون".
هذا الهرمون يفرز عند الذكور بكمية كبيرة خلال المراهقة، ثم ينخفض بعد تجاوزه الثلاثينيات من عمره. وهذا الإفراز خلال المراهقة يجعل الذكر يندفع جنسياً، ويرغب في ممارسة الجنس. في حين أن الأنثى يُفرز عندها بكمية قليلة خلال المراهقة، وتزيد كميته بعد تجاوز الثلاثينيات من عمرها.
وهنا يظهر أن الذكر يرغب في ممارسة الجنس أكثر من الأنثى، وهذا دليل علمي على صحة هذه الأطروحة.
الملاحظة الاجتماعية
نلاحظ داخل المجتمع بعض الممارسات التي تصب جميعها في هذا السياق، الذي يجعل الذكر أكثر رغبة في الجنس من الأنثى. فتجارة الجنس أو "سوق الدعارة" قائمة على أكتاف الإناث، لأن الذكر هو من سيتحرك جنسياً ويدفع المال من أجل تحقيق رغبته الجنسية، في حين أن الأنثى تأخذ المال، وتستمتع باللحظة. والأدهى من هذا هو أن تلك السوق تطورت، فأصبحت تعمل بمعايير اقتصادية مُعينة، فهناك تجارة جنسية ذات دخل مالي مُنخفض ترتبط بالأحياء الشعبية الفقيرة، وهناك أخرى ذات دخل اقتصادي مرتفع على شكل شبكة تعمل بمنطق لكل سلعة، سعرها حسب المواصفات التي تطلبها، بل أكثر من هذا، فقد أصبحت تعتمد التكنولوجيا أسلوباً للتواصل مع الزبائن.
إن هذه الأدلة تضعنا أمام حقيقة مهمة، وهي أن الذكور يمتلكون دافعاً قوياً لممارسة الجنس أكثر من الأنثى، وهذا لا يُلغي اللذة عند الإناث، فلا يمكن أن نربط الدافع باللذة، فحتى ولو كان الدافع الجنسي عند الأنثى أقل من الذكر فإن اللذة يمكن أن تكون أكثر لديها، لهذا لا يجب خلط الأمور بطريقة عشوائية. ومع ذلك فإن هذا يؤكد لنا السبب الذي يجعل الذكر هو الجانب الممارس لظاهرة التحرش الجنسي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.