روبوتات وسائط تكنولوجية حديثة تستعين به منذ فترة صحف عالمية عريقة، مثل الغارديان ولوموند والرأي الفرنسية، لتحرير المقالات وتحليل البيانات ونشرها، على غرار واشنطن بوست التي اعتمدت على برنامج يسمى Heliograf، يقوم على تقنيات الذكاء الصناعي لتمكينها من تغطية قرابة 500 سباق انتخابي منذ عام 2014، كذلك جريدة أطلنطا التي تعتمد على تقنية "التعليم الآلة" لتحليل ودراسة البيانات، ناهيك عن جريدة الغارديان التي نشرت مقالاً خطّه رجل آلي تحت عنوان: "رجل آلي يقوم بكتابة هذا المقال! هل يزال الإنسان يخشى أمرنا؟".
مقال لم يمر مرور الكرام! بل زاد في حالات الهلع لدى العديد من الصحفيين الذين باتوا يخشون فقدان وظائفهم؛ لأن الآلات ستحلّ محل الصحفي والمراسل والمحلل ومحرر الأخبار أيضاً.
هل تهدد صحافة الآلة مستقبل الصحفيين؟
تُعرف صحافة الآلة باسم "الصحافة الخوارزميات أو الصحافة الروبوت، وهي تقوم على تحرير المقالات من قبل برامج الكمبيوتر، من خلال برنامج الذكاء الاصطناعي (AI)، حيث يتم إنتاج القصص تلقائياً بواسطة الآلات بدلاً من المراسلين البشريين، تتميز هذه البرامج بتقنيات التفسير والتنظيم وتحليل البيانات وتقديمها بطريقة يسهل على الإنسان قراءتها.
تحتوي الآلة الصحفية على خوارزمية تقوم بمسح كميات كبيرة من البيانات المقدمة، وتختار نموذجاً من هياكل المقالات المبرمجة مسبقاً وتقوم بعدها بترتيب النقاط الرئيسية وإدراج التفاصيل مثل: الأسماء والأماكن والكميات والتصنيفات والإحصائيات والأرقام الأخرى. كما يمكنها أيضاً تخصيص شكلٍ إخراجي آخر للمادة ليكون مناسباً لصوت أو نغمة أو نمط معين.
"إن للآلات الذكية القدرة على أن تتعلم من التجربة ويمكن لها أيضاً أداء مهام مثل البشر"، وفقاً لفرانشيسكو ماركوني، أستاذ الصحافة في جامعة كولومبيا الذي أصدر كتاباً مرجعياً عن صحافة الذكاء الصناعي بعنوان "الذكاء الاصطناعي ومستقبل الصحافة".
والذكاء الاصطناعي ليس هنا ليحل محل الصحفيين أو ليخفض من عدد الوظائف، إذ يقدر ماركوني أن 8-12% من المهام الحالية للصحفيين "سيتم تنفيذها من قبل الأجهزة، التي على عكس ما يروج له بأن الآلات من خلال تقنية توليد النصوص ستفرض نفسها عوض الإنسان إلا الأستاذ ماركوني يرى أنه مع الوقت سيتم إعادة تركيز عمل المحررين والصحفيين نحو إنتاج المحتويات ذات القيمة المضافة: تنسيقات الطويلة والمقابلات كبيرة، والتحليلات، صحافة البيانات والصحافة الاستقصائية.
يمكن للذكاء الاصطناعي أيضاً توفير الكثير من الوقت للصحفيين عن طريق نسخ المقابلات الصوتية والمرئية، كذلك يمكن لتقنية "كاميرا الدرون" الذكية أن تقوم بتصوير الحرائق والأحداث التي فيها خطر على حياة الصحفيين وتقديمها. الأمر نفسه ينطبق على التقارير الرئيسية عن التلوث أو العنف، التي تعتمد على قواعد بيانات كبيرة. يمكن آلات تحليل البيانات المعقدة في أي وقت من الأوقات.
من الناحية الأخرى، يرى العديد من الخبراء أن الآلة تهدد فعلاً بوظيفة المراسل الصحفي والصحفي بوجه عام وهذا نتاج للثورة الصناعية الرابعة والخامسة، إذ مع حلول 2050 هناك قرابة 5 ملايين وظيفة سيتم تعويضها بالآلة، وهذا التغيير الجذري الذي يشهده العالم سيؤثر بالضرورة في عالم الإعلام الذي بدأ يعرف تحولات منذ ظهور المنصات الرقمية التي عوضت الصحف الكلاسيكية بل وأضرت بسوق الصحافة الورقية في العالم. والقيام الآلات بدور الإنسان سيقلل من التكاليف وسيزيد في جودة العمل، لاسيما في مجال التسويق الرقمي الذي سيتم الاستغناء عنه مع الوقت وتعويضه بمصطلح "التسويق الصناعي" أو تسويق الذكاء الصناعي "لأن الآلات باتت قادرة على فهم مجريات السوق والقيام بمسح ذكي عن واقع الحال والاتصال بالمستخدمين والاستجابة لهم وتسويق المنتجات بسرعة أكبر مما يقوم بها مسؤولو التسويق الرقمي.
حين قام الكمبيوتر بالعمل الصحفي
نجحت مؤسسة Associated press بتطوير تقنيات توليد النصوص لكتابة 4000 قصة خبرية في وقت وجيز، كما قامت شبكة CNN بتطوير خدمة "هات بوت" وهو عبارة عن غرفة للشات تقوم بها آلة ذكية مهمتها الإجابة عن أسئلة المتابعين للموقع والتواصل معهم والإجابة عن استفساراتهم ومتابعة اهتماماتهم، فمثلاً لو المتابع مهتم بالرياضة ستقوم الآلة بإرسال مقالات وأخبار عن الرياضة. وهنا يتبين لنا أن صحافة الذكاء الصناعي لها العديد من التأثيرات على صناعة الإعلام والتسويق الإعلامي والاستجابة لميول المتابعين.
تبسيط سير العمل الإعلامي: يمكّن الذكاء الاصطناعي الصحفيين من التركيز على ما يفعلونه بشكل أفضل.
إعداد: كما يتضح في تجربة بي بي سي في استعمال تقنيات ذكية لأعداد التقارير، وإتمام المهام العادية.
تعقب الأخبار العاجلة: حتى لا يتم تقييد الصحفيين للقيام بأعمال تستغرق الكثير من الوقت.
معالجة المزيد من البيانات: يمكن إجراء البحث بشكل أسرع، كما هو موضح في تطبيق محرر مختبر نيويورك تايمز للأبحاث والتطوير.
استكشاف الرؤى الإعلامية: يمكن ربط المعلومات بسرعة وكفاءة، مثل خريطة المعرفة في واشنطن بوست.
إذ كانت مزيفة أم لا.
القضاء على الأخبار المزيفة: التحقق من الأخبار بطريقة سريعة والتثبت من مصادرها.
توليد النتائج أو المخرجات: يمكن للآلات أن تجمع التقارير والقصص من البيانات الأولية وتحولها إلى قصص وتنشرها على التطبيقات الذكية.
كل هذه التجارب تؤكد صحة المقال الذي نشرته مؤسسة الذكاء الصناعي والبحث الذي جاء فيه أنه بحدود سنة 2025 سيحول العمل في غرفة الأخبار أساساً بآلات ذكية، أو سيحول شركاء العمل إلى روبوتات مع مراسلين صحفيين. وبالنظر إلى واقع الحال في العديد من المؤسسات هو أن الذكاء الاصطناعي باتت له مكانة في غرفة الأخبار للمساعدة في توفير الوقت والمال وزيادة السرعة والجودة لمساعدة الصحفيين البشريين لإتمام مهامهم ومواكبة التطورات العالمية.
إن الثورة الصناعية الرابعة، التي غيّرت العالم وغيرت نظرتنا للإنسان والآلة جعلت العديد منا يسلم بأن كل شيء قادر على أن يتحول إلى آلة ذكية وقادر على أن يكون تحت إشراف الذكاء الصناعي، فالفن الذي كان مصدره الإلهام أصبحت خوارزميات جوجل تقدمه في لوحات تشكيلية تباع في أرقى المتاحف كذلك الحال مع الموسيقى والتصوير الفوتوغرافي، لذلك لا ريب أن تتحول الخوارزميات إلى عمود فقري للعمل الصحفي بدلاً من الصحفي والمحرر والكاتب.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.