على النقيض مما تعيشه الولايات المتحدة الأمريكية من أزمات سياسية واجتماعية في الأشهر القليلة الماضية، تمر بلاد العم سام بأزهى فتراتها كروياً. بعدما كان دورها في فضاء الكرة العالمية لا يتعدى كونها محطة نهائية لنجوم الكرة الأوروبية الراغبين في تمديد عمرهم الرياضي وكسب المزيد من الجماهيرية والأموال، أضحت أمريكا اليوم دولة مصدِّرة للمواهب الكروية الصاعدة في اتجاه الأندية والدوريات الأوروبية الكبرى. بذلك تنافس الولايات المتحدة، إلى حد ما، الدول الكبرى في تكوين اللاعبين كإنجلترا وألمانيا وفرنسا والبرازيل وغيرها. وذلك على الرغم من أن الدوري الأمريكي المحلي لم ينطلق إلا في عام 1966 أي بعد حوالي ثمانين عاماً من انطلاقه في معظم الدول الرائدة كروياً، وهذا ما يعكس التطور السريع الذي تعرفه اللعبة الشعبية الأولى بالعالم داخل الولايات المتحدة.
المواهب الأمريكية تغزو الدوريات الأوروبية
خلال العقد الماضي، اتسم التواجد الأمريكي في الدوريات الأوروبية بالندرة ولعب الأدوار الثانوية غالباً، إذ كان محصوراً بين الثلاثي كلينت ديمبسي الذي ارتدى قميصي أندية فولهام وتوتنهام في الدوري الإنجليزي، ولاندون دونوفان مع أندية بايرن ميونخ وإيفرتون، وحارس المرمى تيم هاورد أيقونة حراسة المرمى في نادي إيفرتون.
أما خلال الموسمين الأخيرين فلقد طالت قائمة التواجد الأمريكي إلى أكثر من عشرين لاعباً أغلبهم ينشطون في فرق لها وزنها وقيمتها في أوروبا. لعل أبرزهم الجناح الهجومي، كريستيان بوليسيتش، الذي خاض ما مجموعه 175 مباراة مع ناديه السابق بوروسيا دورتموند والحالي تشيلسي استطاع خلالها تسجيل 32 هدفاً وصناعة 36 آخر. إضافة إلى وسط ميدان نادي يوفنتوس ويستون ماكيني صاحب الاثنين والعشرين ربيعاً الذي يقدم مستويات عالية سواء في الدوري الإيطالي أو دوري أبطال أوروبا. ثم لدينا سيرجينيو ديست الظهير الأيمن الذي يعتبر أول أمريكي يحمل قميص النادي الكتالوني برشلونة، وأيضاً تايلر آدامز وسط دفاع نادي لايبزيغ الألماني القادم من نيويورك ريد بولز.
سر الغزو الأمريكي
هذا العدد من اللاعبين الأمريكيين المتألقين بالقارة العجوز هو نتاج لعمل مراكز تكوين اللاعبين ومدارس الموهوبين الكروية في الفئات السنية المختلفة، والسير على خطى أكبر المدارس الكروية العالمية التي تهتم بالجودة وصقل المهارة قبل العدد والكم، حيث تم إنشاء العديد من الأكاديميات ومراكز التكوين وصقل المواهب مثل أكاديمية فريق نيويورك وأكاديمية دالاس وبنسلفانيا كلاسيكس، كما تم إدراج كرة القدم ضمن الرياضات المدرسية والجامعية بقصد حث المواطن الأمريكي على ممارسة كرة القدم في بلد تطغى عليه كرة القدم الأمريكية وكرة السلة والبيسبول. وبالفعل هذا ما كان، فبحلول سنة 2015 أصبح 24 مليوناً أمريكياً يمارسون كرة القدم من بينهم أربعة ملايين محترف داخل خمسين ولاية. كما عرف الدوري الأمريكي موسم 2019/2018 إجمالي حضور يقارب التسعة ملايين متجاوزاً الدوري الفرنسي بقليل دون إهمال تزايد الاهتمام الشعبي بمتابعة مباريات كرة القدم، حيث بلغ إجمالي المشاهدات سنة 2020 سبعة وعشرين مليوناً عبر التلفاز كأكثر رابع رياضة متابعة بالولايات المتحدة.
الجدير بالذكر أن أمريكا تعتبر مثالاً كذلك في كرة القدم النسوية، إذ يعد المنتخب الأمريكي النسوي صاحب الرقم القياسي في التتويج بكأس العالم بأربع مرات سنوات 1991، 1999، 2015 و2019 كما حملت نساء أمريكا كأس الكونكاكاف القارية خلال ثماني مناسبات، علاوة على الظفر بالذهب الأولمبي أربع مرات. وحصدت الأمريكية ميغان رابينوي معظم الجوائز الفردية سنة 2019 حيث فازت بالكرة الذهبية وجائزة الأفضل للفيفا وأفضل لاعبة في كأس العالم وتحصلت على الحذاء الذهبي كهدافة كأس العالم. من الواضح أن أمريكا لا تشق طريقها بثبات للتقدم بصناعتها الكروية فحسب واحتلال مراكز متقدمة كما هو الحال بالنسبة لها في جل الرياضات الأخرى، إنما استطاعت اختزال المسافة والزمن مع العديد من البلدان التي سبقتها في ممارسة وحب الساحرة المستديرة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.