فرض عقوبات على الحزب وحلفائه وتعزيز الرقابة على المعابر والمطارات وتنفيذ إصلاحات في قطاعات ينهكها الهدر والسير بمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ودون ذلك، فإن الدول المعنية لن تساعد لبنان بدولار واحد.
فتحت المصالحة الخليجية بين أقطاب النزاع العربي -قطر ودول الحصار الأربع- الباب على تأسيس سياسة تعاطٍ جديدة في المنطقة بعد التلاشي العربي في اللعبة الإقليمية المحتدمة والتي باتت قوامها تركيا وإيران والكيان الإسرائيلي، فيما كان الغياب العربي اللافت يتجلى لبنانياً بشكل خاص منذ عقد التسوية الرئاسية بين الرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري وحزب الله، وأصبح لبنان وحيداً كشرطي يخدم المشروع الإيراني وملحقاته وأدواته.
وحيداً يواجه لبنان وشعبه قدرهم المحتوم مع حزب الله فيما العرب يتشاطرون مع الولايات المتحدة حزمة عقوباتها وحصارها لكن على طريقتهم والتي تتجلى بوقف المال والمساعدات وغياب الدعم وتأمين الغطاء السياسي للبنان الغارق في وحول الأزمات المتتالية في المال والاقتصاد والسياسة والأمن.
لبنان الغائب عن "المعركة" والمنشغل بذاته
منذ لحظة إعلان الموقف الرباعي في حصار قطر لم يكن لبنان ساحة صراع فعلية بين القوى المتنافسة، فحليف الخليج الأول الرئيس سعد الحريري تجنب وتياره الدخول في معارك العرب، لأنه بحسب مطلعين كان يدرك أن الأمور ستعود لنصابها، ولا داعي لإشراك فريق من اللبنانيين في صراع الأشقاء، لا سيما أن آلاف اللبنانيين أيضاً يعملون في السعودية وقطر منذ سنوات، وأن لبنان تكفيه الصراعات التي خلقها حزب الله له مع السعودية ودول المنطقة، وامتد هذا الموقف إلى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وبقيت العلاقات قائمة بين تلك الأطراف مع الجانب القطري، بكون قطر صديقاً دائماً للبنان لا تغيب في أي فرصة إنسانية لمساعدة لبنان وتقديم يد العون له، وقد سجلت مواقف متفرقة لحلفاء أبوظبي في لبنان، أبرزها لوزير الداخلية السابق نهاد المشنوق وتغريدته الشهيرة "دولة صغيرة تثير مشاكل كبيرة"، وعليه فإن لبنان نأى بنفسه عن الدخول في لعبة الصراع الذي امتد لسنوات بين عواصم عربية في مواجهة تركيا وقطر، لأنه منشغل بتلك المعضلات التي تكفيه لسنوات طويلة.
عروبة في وجه طهران
غابت تركيا وجماعة الإخوان المسلمين عن بيان قمة العلا في السعودية، وحضرت إيران بخطرها الداهم وعسكرها المتأهب في الشرق والبحر والبر وصواريخها العابرة للدول على طاولة. المباحثات العربية المستجدة، ولعل الترحيب الذي لقيه أمير دولة قطر في الرياض عنوانه الأساسي الاستفادة من صداقة قطر مع الإدارة الديمقراطية مع جو بايدن، أضف إليها تشكيل جبهة عربية للحد من خطر محور طهران بيروت صنعاء ودمشق، وعلى الرغم من النفي القطري بأن سياستها تجاه طهران لن تتغير فإن الحديث في أروقة الصالونات الخليجية يقول إن شيئاً ما قد يتغير.
هذا ما يبدو حتى اللحظة في ظل المواجهة المفتوحة التي تخوضها السعودية في اليمن ضد جماعة الحوثي منذ عام 2015، لكن ما هو مؤكد أن الموقف العربي السلبي من لبنان سيمتد ليشمل كل دول المنطقة الممتعضة من أداء إيران وجماعاتها وتحديداً حزب الله والذي لم يخلُ بيان القمة وكلام المتحدثين فيه من ضرورة التعاطي معه كحزب إرهابي يهدد أمن الخليج والعرب ويساهم في تخريب السلم الأهلي اللبناني.
فيما يشتكي معارضو الحزب في لبنان على ضفة أخرى من سياسة تخلّ عربي عنهم وتركهم لمواجهة مصيرهم مع حزب يمتلك السلاح والمال والنفوذ وقرار الحرب والسلم ومفاتيح الإدارات العامة وشبكة حلفاء تجمعهم معه المصالح الآنية والاستراتيجية، ما أدى لسقوط الدولة وانهيارها، وينظر خصوم محور الممانعة في بيروت للمصالحة الخليجية على أنها فرصة يجب تلقفها لإعادة إقناع الدول العربية بضرورة الحضور في لبنان كقاعدة عربية مهمة لتخفيف نفوذ الحزب، ما قد ينسحب على إيران في عواصم أخرى، يخشى هؤلاء من أن اتفاقاً أمريكياً مع إيران نهاية العام الحالي سيجعل من لبنان مكرساً كمحافظة إيرانية يديرها حزب الله بعقليته الأمنية والاقتصادية، والتي آتت أكلها كنموذج إفقار وتجويع، الأمر الذي يحتاج لموقف عربي حازم لمنع أخذ لبنان لخطوة كهذه غير محمودة العواقب.
مصالحات مستمرة وعقوبات جاهزة
يكشف مصدر دبلوماسي أن المصالحة العربية التي جرت برعاية الكويت والولايات المتحدة سيعقبها خلال الأسابيع القادمة مصالحة تاريخية بين تركيا والسعودية، قد تتوج بزيارة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى أنقرة، ويؤكد المصدر أن التقارب الأخير بين السعودية وتركيا جرى بعيداً عن الإعلام لإعادة ترتيب الملفات بين الطرفين، ومن ضمن الملفات التي نوقشت الملف اللبناني وآفاق معالجة الأزمة اللبنانية وكيفية التعامل معها، ووفق المصدر فإن نقاشاً آخر يجري في قاعات مغلقة بين القاهرة وأنقرة، وأن هذا النقاش قد يؤدي لربط نزاع بين الطرفين، وعن حضور الملف اللبناني على طاولة المشاورات المشتركة بين الأطراف المتصالحة يرى المصدر أن لبنان يحضر فقط في إطار استكمال سياسة الضغط على المنظومة السياسية المسؤولة عن انهيار الاقتصاد والمؤسسات والدولة، لذا فإن كل المواقف ستصب في خانة واحدة، هي تكثيف الضغط على إيران وحزب الله وليس أي شيء آخر.
ويتوقع المصدر أن يتلازم الموقف الإقليمي العربي والتركي مع الأمريكي في لبنان في ظل الحديث عن استمرار السياسة الأمريكية نفسها تجاه الملفات الإقليمية المعقدة، وأن هناك رغبة أمريكية باستمرار العقوبات على المسؤولين اللبنانيين وتفكيك الميليشيات التابعة لإيران في العراق وسوريا ولبنان من خلال بدء النقاش عن حل الحشد الشعبي ومصادرة صلاحياته، فيما الحديث عن تفكيك منظومة الصواريخ الدقيقة لحزب الله هو حديث جدي وغير قابل للنقاش، وقد أبلغ مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر المسؤولين اللبنانيين سابقاً بأن الموضوع مصيري لواشنطن.
ويشدد المصدر على أن دول الخليج سترفع مطالبها حول لبنان إلى الإدارة الأمريكية الجديدة وهي تتمحور حول ضرورة فرض عقوبات على الحزب وحلفائه وتعزيز الرقابة على المعابر والمطارات وتنفيذ إصلاحات في قطاعات ينهكها الهدر والسير بمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ودون ذلك، فإن الدول المعنية لن تساعد لبنان بدولار واحد.
الوصاية أو التقسيم؟
يؤكد قطب سياسي من الصف الأول أن موقفاً عربياً بات ملازماً في كل المناسبات ويردد في كل المحافل، وهو أن لبنان السابق انتهى، وأن لحظة انفجار النظام بدأت مع تحركات 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019 حينما اقتنع اللبنانيون أن نظامهم بات يخدم عصابة سياسية تعيث فيه فساداً، يشدد القطب السياسي على أن المنطق العربي تجاه لبنان محق، فالخليج العربي أغدق على لبنان عشرات المليارات في الدولة وغيرها لكن أين هي اليوم؟ ربما سرقت أو استخدمت ضد المصلحة العربية، لا يخشى الرجل من وضع لبنان تحت وصاية دولية، لأنه بحسب قوله متأكد أن إيران لن تسمح بذلك خوفاً من دخول عربي أو تركي تحت سقف الوصاية الدولية، لكن الرجل يخشى من مشروع التقسيم الذي بات حديث الساعة في لبنان والدول المجاورة والتي تعاني مشاكل لبنان.
يؤكد السياسي البارز أن قيادات من أحزاب لبنانية زارت بعض الدول العربية منذ فترة وحاولت طرح مشروع التقسيم أو الفيدراليات في ظل الكباش الحاصل على حساب المسيحيين في لبنان، لكن المسؤولين العرب أبدوا خشيتهم من أن طرح هكذا مشروع سيخدم إيران بشكل أوسع، يختم الرجل بالحديث عن توقعه أن إدارة بايدن الجديدة تتبنى مشروع التقسيم الجديد للشرق الأوسط، وتحديداً لبنان والعراق وسوريا مقسمة بين أقاليم سنية تديرها تركيا، وأخرى شيعية مع إيران، فيما تتولى واشنطن وإسرائيل حماية أقاليم ما يطلق عليها الأقليات المسيحية والمسلمة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.