أخيراً أثمرت الجهود والمساعي الكويتية في رأب الصدع الخليجي، وإتمام المصالحة بين السعودية وخلفها الإمارات والبحرين ومصر وبين دولة قطر، فانعقدت القمّة الخليجية يوم الخامس من يناير/كانون الثاني 2021، في مدينة العُلا السعودية، بحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي لقي اسقبالاً وحفاوة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وكأنّ تميم هو الضيف الوحيد في هذه القمّة.
والحقيقة أنّه ما من عربي حرّ شريف إلّا وشعر بالسعادة لإنجاز هذه المصالحة، وشكر للكويت دورَها وجهدها ومسعاها، بل في جوهر الموضوع ما من عربي كان يريد لهذه المقاطعة والحصار أن يتمّا، لما لذلك من تأثير على تعميق الخلافات وصنْع الخصومات والعداوات.
ربما وصلت الدول الأربعة إلى قناعة مفادها أنّ الحصار الذي فرضته على قطر في منتصف العام 2017 لم يفضِ إلى نتيجة كانت منتظرة بالنسبة لهم، ولم يغيّر من سلوك الدوحة، بل على العكس من ذلك تمكّنت الدوحة من الصمود، ومن إيجاد البدائل، ومن فتح مسارات تفاوض وحوارات وعلاقات جديدة سواء في الإقليم أو في العالم، ولذلك لم تغيّر من موقفها، ولم تتخلّ عن توجهاتها التي أعلنت عنها قبل الأزمة وأثناءها وبعدها.
وربما وصلت الدول الأربع إلى حائط مسدود، وبدأت تشعر بالخطر مع قرب انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الداعم الأساسي الذي شكّل غطاءً لخطوة الحصار والمقاطعة، ولذلك وجدت أنّه ليس لها من بدّ من إعادة النظر في الموقف، في ضوء التطوّرات في المشهد الأمريكي الجديد، الذي سيتولّى إدارته الرئيس المنتخب جو بايدن.
على كل حال، أَمَا وقد أُنْجزت المصالحة، وتمّ الإعلان من العواصم المعنيّة أنّ المياه ستعود إلى مجاريها الطبيعية، وأنّ صفحة الخلاف قد طُويت، فإنّ ذلك يضع الدول الخليجية؛ بل والعربية، أمام جملة تحدّيات إقليمية جديدة لا بدّ من التوقّف أمامها ومعالجتها.
التحدّي الأول يتمثّل في ضرورة إجراء مراجعة داخلية للموقف على مستوى كل دولة في ضوء التحدّيات الجديدة، وفي ضوء السياسات التي اتُّبعت خلال السنوات الماضية، بل خلال العقد الأخير. وهذه المراجعة لا بدّ أن تشمل إعادة النظر في العلاقة مع دول الجوار والعالم من ناحية، وإعادة الثقة إلى المجتمعات العربية الداخلية على مستوى كل دولة، وهذا يعني تحديداً فتح حوارات جدّية وحقيقية مع قوى المعارضة والقوى الشعبية التي عبّرت عن نفسها، ونالت في بعض الدول ثقة عارمة من الشعب.
بمعنى آخر نحن بحاجة إلى مصالحات داخلية في كل قطر من الأقطار، يعيد رتق العلاقة بين السلطة والشعب، أو بين السلطة والمعارضة والقوى الشعبية. من غير الجائز في ظل التحدّيات الخارجية التي تمثّل مدّاً "تسونامياً" يريد اقتلاع العرب ورميهم في أي مكان، أن تبقى بعض الأنظمة متمسّكة بنهجها في ملاحقة القوى الحيّة فيها وأبنائها من المعارضين.
التحدّي الثاني يتمثّل في سياسات قديمة جديدة قد تُقْـدم عليها الإدارة الأمريكية الجديدة، وتتمثّل في إعادة "إحياء" فكرة تقسيم المنطقة، وخاصة الدول الكبرى والمركزية فيها، ودعم تحالفات الأقليات من أجل تفتيت المنطقة وتجزئتها إلى كيانات صغيرة متناحرة يمكن السيطرة عليها وسرقة ثرواتها بسهولة.
وهنا تجدر الإشارة والتذكير بأنّ الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، هو صاحب نظرية تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم، وهو صاحب نظرية دعم الأقليات وتفتيت المنطقة. وهذا بالطبع يحتاج إلى جهود متكاملة ومنسّقة من أجل إجهاض مشروع كهذا.
التحدّي الثالث أنّ العديد من الدول، سواء العظمى أو الكبرى، العالمية أو الإقليمية، لها مشاريع باتت تعبّر عنها بشكل شبه واضح للمنطقة، وهي مشاريع ستكون على حساب العرب بشكل أساسي، وعلى حساب أوطانهم وثرواتهم ودورهم. ولا يخفى على سبيل المثال الطموح الإسرائيلي في السيطرة على المنطقة كلّها، كما لا يخفى طموح دول أخرى في الإقليم أو من خارجه في العمل من أجل مشاريعها للسيطرة أو ملء الفراغات التي يمكن أن تنشأ في أية لحظة. وقد تكون هناك تحدّيات إضافية وأخرى يمكن سردها أو الإتيان على ذكرها.
لكل ذلك، المصالحة الخليجية كانت مهمّة، والمصالحة الداخلية باتت حاجة مُلحة، وتنسيق الجهود مع دول في الإقليم تحمل الهمّ ذاته كـ"تركيا"، يتيح فرصة كبيرة لإسقاط كل المشاريع التي تستهدف المنطقة العربية، وتحوّل كل تلك التحدّيات إلى فرص حقيقية للنهوض بأمتنا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.