ترويت قليلاً قبل الكتابة حول هذا الموضوع لا لشيء سوى لمقتضيات الأمانة العلمية من أجل التأكد من دقة الموضوع المتناول. ولعل الموضوع المتناول يعكس الحالة التي وصلت ببعض الطلبة العرب من الدارسين والدارسات في بعض الجامعات الغربية من حيث قيامهم بكتابة أطروحات الدكتوراه الخاصة بهم باللغة العربية وترجمتها إلى اللغة المحلية في الدولة محل الدراسة.
وذلك يعكس قصر النظر لدى هؤلاء من جانب، وضعف المتابعة من قبل بعض المشرفين على تلك الأطروحات في الجامعات الغربية، خصوصاً تلك التي تقع خارج العواصم وخارج المدن الرئيسية، من جانب آخر. وهذه ظاهرة أصبحت معروفة وما نقوم به هو الكشف عنها مراعاة لمقتضيات الأمانة العلمية، خصوصاً في حالة الجامعات المغمورة غير المعروفة على المستوى الدولي.
وملخص الموضوع أن بعض الدارسين والدارسات العرب في الجامعات الغربية يقومون بالتحايل على أساتذتهم وجامعاتهم من خلال كتابة أطروحات الدكتوراه الخاصة بهم باللغة العربية وترجمتها لاحقاً إلى اللغة المحلية المعتمدة في بلد الدراسة بواسطة مترجمين متخصصين غالباً ما يكونون من العرب المقيمين في تلك الدول منذ فترة طويلة.
وأبلغني أحد الزملاء العرب الأفاضل من العاملين في إحدى الجامعات العربية المعروفة عن وجود بعض من زملائه ممن درسوا في بعض الجامعات الفرنسية وقدموا أطروحات الدكتوراه الخاصة بهم باللغة الفرنسية دون وجود أي إلمام لديهم بتلك اللغة. وأبلغني بأنهم قاموا بكتابة أطروحاتهم باللغة العربية وترجمتها من خلال بعض العرب ممن يقيمون في فرنسا لفترة طويلة.
وزادني من الشعر بيتاً أن هذا توجه لدى كثير من الطلبة العرب الدارسين في فرنسا خصوصاً في ظل عدم متابعتهم بشكل مكثف من قبل مشرفيهم، كون أن المشرف في فرنسا يقوم بالإشراف على مجموعة كبيرة من طلبة الدكتوراه وليس لديه الوقت الكافي لمتابعة كل واحد منهم.
غير أن ذلك لا ينطبق بالطبع على كل الحالات أو على كل الجامعات الفرنسية كون أن هناك جامعات عريقة ومتقدمة على المستوى الدولي وقدمت لعالمنا العربي كفاءات علمية يشار لها بالبنان في مختلف الحقول، ما يشمل الحقل القانوني، والأمثلة على ذلك كثيرة وعديدة.
كذلك، أذكر أثناء دراستي للدكتوراه في جامعة أثينا في اليونان أنني سمعت من شخص موثوق عن زميل فلسطيني في مرحلة الدكتوراه كان يقيم في مدينة سالونيك بسبب وجود مترجم عربي يعكف على ترجمة الرسائل الجامعية إلى اليونانية، وأنه قام بكتابة أطروحة الدكتوراه بالعربية وترجمتها من خلال المترجم المذكور إلى اليونانية. وأفادني كذلك بأن مشرفه على الأطروحة كان كبيراً في السن وكان يوشك على التقاعد وأراد أن ينتهي من موضوع المناقشة قبل تقاعده.
إن كل ما سبق يثبت للأسف ضحالة المستوى العلمي لبعض الدارسين العرب في الغرب، وعدم رغبتهم ببذل أي جهد ممكن في سبيل تعلم اللغة المحلية.
ولا أود طرح التساؤل حول عدم قيامهم بالبقاء في العالم العربي وكتابة أطروحاتهم بالعربية عوضاً عن الذهاب إلى دول غربية وكتابتها بالعربية وترجمتها إلى اللغة المحلية المعتمدة لاحقاً كما أسلفنا. وذلك مرده إلى أن تخرجهم من جامعة غربية يضمن لهم العمل في جامعات عربية بسهولة لاحقاً مقارنة مع حالة تخرجهم في جامعات عربية، خصوصاً في ظل عدم متابعة الجامعات العربية لذلك الأمر من جانب، وفي ظل جهل بعض المجتمعات العربية وسطحيتها، مع الاحترام، بخصوص ذلك الموضوع والصورة النمطية حول من يتخرجون من جامعات غربية (أوروبية وأمريكية) مقارنة مع الجامعات العربية دون وجود أية دراية لدى تلك المجتمعات أو الجامعات بأسماء الجامعات الغربية أو مستوياتها الأكاديمية والتصنيفات الخاصة بها.
والشيء بالشيء يذكر، لاحظت أثناء عملي في بعض الجامعات العربية ضعف مستوى بعض خريجي الجامعات الأمريكية من حملة درجة الماجستير، خصوصاً غير المعروفة على المستوى الدولي، في اللغة القانونية الإنجليزية وفي اللغة الإنجليزية بالعموم، ما أثار لديّ التساؤل حول آلية قبولهم للدراسة في تلك الجامعات ابتداءً. إضافة إلى حالة الضعف التي تعتريهم في البحث العلمي كون أن معظم الجامعات الأمريكية لا تشترط قيام الدارس/ة بكتابة أطروحة بعد انتهاء متطلبات الماجستير، وإنما يتعين على الدارس/ة كتابة بحث صغير الحجم عند نهاية مدة الدراسة.
إن كل ما سبق يعد مدعاة لمراجعة أسس تعيين العاملين والعاملات في الحقل الأكاديمي في العالم العربي، مع ضرورة التركيز على الإلمام الكامل باللغات الأجنبية، خصوصاً لغة بلد الدراسة الأجنبي، والتركيز كذلك على البحث العلمي والنشر في مجلات دولية ومع دور نشر عالمية من قبل المتقدمين لشغل الوظائف الأكاديمية في العالم العربي، ما يساهم في رفعة المستوى الأكاديمي تمهيداً للبدء في نهضة علمية تشمل القطاعات كافة داخل الدول العربية، ما يساعد في استعادة العرب لدورهم الطليعي بين الأمم، وهم، أي العرب، قدموا كثيراً من المساهمات للإنسانية على مستوى العلوم قبل عصر النهضة "التنوير" في أوروبا، ولا ينكرون في الغرب تلك المساهمات المهمة والفاعلة، لا بل إنهم يعقدون المؤتمرات التي تُعنى بدراسة تأثير الحضارة العربية الإسلامية على العلوم في الغرب. تلك الحضارة التي كان الغرب يقتات عليها قبل عصر النهضة سالف الذكر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.