ها نحن قد ودّعنا عام 2020 وبات جزءاً من الماضي. لقد كان عاماً مقيّداً إلى حدّ كبير تحت حكم فيروس كورونا "كوفيد-19″، الذي حبَسنا في المنازل منذ مارس/آذار، إلا أنه في الوقت ذاته كان عاماً مليئاً بالدروس المستخلصة بالنسبة لمن يجيد استخلاص الدروس.
على سبيل المثال، لقد رأينا جيداً كيف تغلّب فيروس صغير للغاية على عالمنا وعوالمنا الضخمة التي بنيناها.
عولمة الرعب
لقد رأينا عالمنا القائم على العولمة في مظاهر حياته الكبيرة والصغيرة، والذي لا يتنازل من خلال سرعته القصوى وكفاءاته وعقلانيته عن الإنتاج الرأسمالي والاستهلاك الذي لا ينقطع؛ رأينا كيف توقف هذا العالم فجأة وأظهر لنا جميعاً وجهاً آخر للعولمة. فكما تنتشر البضائع والأفكار بسرعة فائقة تحت تأثير العولمة، انتشر الرعب والخوف في كافة أرجاء الأرض. وكما انتشر نمط الحياة الاستهلاكي في كل مكان، توقف تحت ضربات الفيروس.
ما ميَّز فيروس كورونا أنه مثَّل تهديداً لا يعرف الهوادة. وعلى الرغم من وجود من استخفّ بالأمر تحت تأثير نظرية المؤامرة، لكن سرعان ما بدأت الدائرة تضيق تدريجيّاً حول الجميع. وسرعان ما أصاب الفيروس أقارب أو محيط المستخفين به، بل حتى أصابهم أنفسهم. وظل هذا الفيروس آخذاً في الانتشار حتى وصل لدرجة لم يعد هناك من لم يُصب به في المحيط القريب والبعيد. وبات الجميع يدرك جدية الأمر وخطورته، بعد أن رأى كيف فتك ذلك الفيروس بأقاربه ومحيطه.
كم من حالات موت قد عايشنا وقعها في خضم ذلك. حتى تجد في مدينة صغيرة عجلة الموت لا تتوقف من الصباح حتى المساء. لا شك أنّ وقعه كان أكثر من أي وقت مضى. ولطالما بات حالنا حينما نسأل كل حين: من خطف الموتُ منّا هذه المرة؟ شبيهاً بحال الروملي في غنائه الشعبي حينما يقول "أيها الموت مهلاً، أيها الموت الظالم، خذ استراحة برهة من الوقت".
إلا أن الغريب والكارثي في الأمر هو أن مشاعر التيقظ والفضول التي كانت في البداية، بدأت تتآكل على حساب تطوير شعور غير مكترث وعابئ. حتى بات التعوّد على فقدان أقاربنا شيئاً سهلاً وطبيعياً، أوليست تلك طبيعة الإنسان أصلاً؟ بيد أن الإنسان هو ذاك الكائن الذي يخلق الأُنس ويواكبه ويعتاد عليه ويتكيف معه.
لا شك أنّ جزءاً من هذا الأنس هو الذي يساعد الإنسان على تحمل المصاعب والظروف الصعبة، إلا أنّ جزأه الآخر يقوّي من مشاعر الغفلة واللا اكتراث تجاه السوء الذي يصدر عن الإنسان.
وإن هذا بحد ذاته يشير إلى أننا لسنا بحاجة لكثير من الوقت حتى ننسى هذه الحادثة التي أثّرت على حياتنا بعمق، وجعلتنا نتخلى عن أكثر عاداتنا التي لا غنى لنا عنها، واستبدلناها بعادات جديدة أيضاً. في الوقت الذي نعتقد فيه أننا لن ننسى هذه الحادثة ونحن نعيشها بهذا الشكل الكبير. كما نعتقد أيضاً من خلال تأثير هذه الحادثة على حياتنا، أنه "لن يكون شيء من الآن فصاعداً كما كان عليه في الماضي". إلا أننا في الوقت ذاته لا نسأل أنفسنا "ما الذي نتذكره؟" من العديد من جملة الأحداث التي دفعتنا أصلاً لقول واعتقاد ذلك.
حينما سنحت الفرصة لعودتنا بعض الشيء إلى عاداتنا القديمة وروتيننا القديم، في خضم هذه الكارثة الوبائية، ظهر لنا بشكل كافٍ ماذا يمكن أن يخلّف هذا الحدث من آثار على حياتنا.
الإنسان محكوم عليه بالنسيان بالطبع. لا سيما أنه ليس من السهل إطلاقاً الحفاظ على حس اليقظة حية لدى الناس إزاء بعض الأحداث أو الحقائق من التاريخ، وهي لم تُعش أو تُختبر بشكل مباشر.
إنجازات تركيا 2020
ما نتذكره من العام 2020 اليوم، هو بالطبع آثار هذا الوباء. لا شك أنه سيتم نسيانه. وسينتهي بإذن الله. على مر التاريخ نجد أن الأوبئة على الرغم من أنها تفتك بالبشر أكثر من الحروب حتى، إلا أن الحروب تظل أكثر حضوراً في الذاكرة من الأوبئة. على سبيل المثال، نجد أنّ الإنفلونزا الإسبانية التي كانت من الخطورة بمكان سبباً معقولاً لإنهاء الحرب العالمية الأولى، وعلى الرغم من أنها خطفت أرواح عدد كبير من الناس أكثر بكثير مما فعلته الحرب ذاتها، إلا أنها لا تكاد تُذكر اليوم بنسبة واحد من ألف مقارنة مع الحرب العالمية الأولى.
ما سيبقى عالقاً في الذهن من العام 2020 في الحقيقة، هو تلك الأحداث العظيمة التي لا تُنسى والتي حدثت خلال ذلك العام. وعلى رأس تلك الأحداث هو نزول تركيا إلى الميدان في ليبيا، مما ساهم في تغيير موازين شرق المتوسط برمتها، فضلاً عن المكاسب الكبيرة التي قدّمها للشعبين الليبي والتركي. ولا شك أن الحدث بحد ذاته سيبقى عالقاً في الأذهان من عام 2020 نحو المستقبل.
وعلى فرض أن عام 2020 لم يحدث فيه شيء، فيكفي أن حدثاً مثل افتتاح آيا صوفيا مسجداً كفيل بأن يتوج هذا العام. ليس آيا صوفيا فحسب من تم تحريره من خلال كسر القيود عن هذا المسجد المغلق منذ 89 عاماً، بل تم تحرير هذه الأمة برمتها. نعم لا شك أن هذه الخطوة ستجعل البعض يتذكر هذا الحدث على أنه كارثة من كوارث 2020، إلا أنه في الواقع لا شك كان الحدث الأكثر خيرية وبركة في العام 2020.
الشيء ذاته ينطبق على تحرير قره باغ. لا شك أن تحرير هذه المنطقة بدعم من تركيا، بعد 30 عاماً من الاحتلال، سيكون الحدث الذي لن يُنسى في العام 2020. كما أنه بلا شك قد تجلى هذا الحدث العظيم في وجدان وعقيدة الشعب الأذربيجاني والتركي على حدّ سواء، بمثابة تضميد جراح سبّبها هذا الوباء لنا في هذا العام. فضلاً عما أظهره هذا الحدث من نجاح سياسي وحكمة صائبة.
بينما كان هذا العام 2020 مؤشراً على تعثّر هذا العالم في ظل هذه الكارثة، إلا أنه كان فرصة لتركيا حيث أظهرت قوتها الخاصة وقدرتها على الإدارة. لقد أوصلت مساعداتها الطبية إلى 125 دولة حول العالم في ظل هذه الأزمة، فضلاً عن اغتنامها المزيد من الفرص نحو تطوير معرفتها وتكنولوجيتها الخاصة.
أتمنى أن يكون عامنا الجديد أفضل من الماضي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.