مغالطات واضحة ومقامرة بشعبيته.. كيف أخطأ حمزة نمرة في إظهار تودده لنظام السيسي؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/12/31 الساعة 12:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/31 الساعة 22:38 بتوقيت غرينتش
حمزة نمرة

منذ ما يربو على أسبوع تقريباً، ظهر الفنان الغنائي المعروف حمزة نمرة، في لقاء صحفي (أونلاين) مع منصة تابعةٍ للنظام المصري، تُدعى تلفزيون اليوم السابع.

دون إطالة في بسط كل محتوى اللقاء، لن يكون "المفاجئ"، هنا فقط، محض قبول نمرة بالظهور على هذه المنصة التي تعد مجرد ثوب جديد لمؤسسة اليوم السابع المعروفة توجهاتها وإلى أي مدى تلتزم بالمهنية، ولكن ما صرح به حمزة نفسه كان صاعقاً لكثير من الناس، ومن ضمنهم أنا.

فبعدَ المقدمة الحوارية التي تناولت كواليس إنتاج ونشر الألبوم الجديد لنمرة (مولود سنة تمانين)، تطرق حمزة في حديثه مع المحاوِر، إلى أمور تقع في منتصف الطريق بين الشخصي والسياسي.

نفى نمرة تعرُّضه للتضييق أو المنع من دخول البلاد، مُعللاً قلة زياراته لمصر بانهماكه في أحد المشاريع الفنية التي تتطلب استقراراً في لندن. وأبدى نمرة تحفُّظه الشديد على عرض مواده الفنية على قنوات المعارضة المصرية المقربة من جماعة الإخوان المسلمين في الخارج، مشيراً إلى أنه يرفض "تأويل" هذه الأعمال وصبغها صبغةً سياسية، هي أبعد ما تكون عنها، لأن مبدعيها، وهو على رأسهم، أبعد ما يكونون عن السياسة، ومتمنياً لو أن بإمكانه فعل ما ينجح في فعله على الإنترنت، تجاه القنوات التي تعرض أعماله في ثوب سياسي: الإبلاغ والحذف، فما يمنعه عن ذلك، هو صعوبة المسار القضائي في الخارج.

وفي الوقت نفسه، فإنه على أتمِّ الاستعداد لتقديم أعمال غنائية تُبرز إنجازات الدولة، كما يفعل زملاء آخرون له في الوسط الفني، معبراً عن رغبته في تسجيل تتر الجزء الثاني من مسلسل "الاختيار"، تقديراً لتضحيات أبطال القوات المسلحة، مثل الضابط أحمد المنسي، في مواجهة الإرهاب الذي لا يعرف ديناً ولا ملة، ومُلمِّحاً إلى التنسيق مع الجهات المعنية، لإنتاج عمل في هذا الاتجاه، دون الإفصاح عن هُوية هذا المشروع.

حقيقة موقف حمزة نمرة 

وفقاً لمضمون نص كلام حمزة في الجزء الثاني من اللقاء المثير، فإن علاقته مستقرة مع السلطات المصرية، لأنه أولاً لم يرتكب أي مخالفة للقانون والدستور، ومن خلال التجربة، وعلى الرغم من قضائه أوقاتاً طويلة في الخارج، فإنه يدخل إلى البلاد بأريحية ويخرج منها بلا أي مشكلة، ولأنه، تاريخياً، هو وعائلته، بعيدون كل البعد عن السياسة. 

أما علاقته بالطرف الآخر، الإسلام السياسي في الخارج وجمهوره، فهي علاقة قائمة على استغلال المحتوى؛ مما قد يؤدي إلى تورطه في أزمة غير حقيقية مع النظام، لم تحدث حتى الآن، ولكنه -فيما يبدو- يخشى حدوثها، وعلاقة توهم من الجماهير، التي تخيلت أن حمزة يتحدث، أو يتقاطع مع مشاعرها، فيما كان حمزة، في الواقع، يُغني للإنسان، بلا سياق، لأن علاقته بالسياسة، وإمكان التأويل، انقطعا بعد أحداث يناير، على حد قوله.. ما أطرحه هنا، أن ما يقوله نمرة، غير دقيق، وفقاً لأبسط مساءلة يمكن تقديمها لتاريخ حمزة.


كان حمزة جزءاً من الثورة، جزءاً منها بجسده، كما روى بنفسه في اللقاء، وبفنه، الذي رآه الجمهور، إن لم يكن يحمل مضموناً سياسياً، فإنه يحمل مضامين أخلاقية، وقيمية، لإنسان يعيش في سياق. غنى حمزة أغنية يقرع فيها "الفلول" ويذم تلوُّنهم ويكشف فيها سأم الجماهير من هذه التحولات، فذاع صيتها إبان الثورة. فعلُ الثورة نفسه حدث سياسيٌّ، بكل أبعاده الإنسانية الممكنة، وعلى حد سواء، تلقَّف أطياف "الثائرين"، من اليمين واليسار والوسط، فن نمرة بالقَبول، أو بالإسقاط والتأويل، كأي متلقٍّ يتفاعل مع وسيط إبداعي، وضمن ذلك جمهور الإخوان المسلمين بالطبع.

فضلاً عما غناه قبل الثورة، ففي عام 2012، خلال سباق الانتخابات الرئاسية، كان نمرة قد حسم قراره، مع بعض الأصدقاء من المجال العام الذي تجمعه بهم أمور مشتركة كالعمر المتقارب والوعي النقدي وتوسُّم تغليب الضمير على المصلحة، بدعم المرشح الرئاسي حينها، عبدالمُنعم أبو الفتوح. أبو الفتوح، كما نعرفه، إخواني سابقاً، وإسلامي يتبنى رؤى وسطية فيما بعد، ومعتقل سياسي حالياً. في هذا التوقيت أيضاً كان نمرة يكاتف رموزاً إسلامية أخرى قريبة من هذه الحملة، تقبع في السجن الآن بسبب مواقفها السياسية، مثل عصام سلطان.

خلال هذه الفترة الممتدة مما قبل 2011 إلى ما قبل يوليو/تموز 2013، كان أهم ما يميز فن المطرب حمزة نمرة، على مستوى المضمون، بُعده عن الابتذال، واقترابه من الإنسان، الإنسان الكائن في سياق محدد، لا الإنسان الدرويش الذي يهيم بلا سياق، وتركيزه على المعاني النبيلة الكبرى التي تُجمِّع ولا تُفرِّق، فأعجبَ اليساريون القوميون بحسه النضالي، وذوقه الرفيع، في أغنيته الموجهة للمستعمر "الصهيوني" (يا إسرائيل)، ورأى بعض الإسلاميين المنفتحين، مثل الإخوان، في ما يُغنيه ما يتلاءم مع الإطار الفقهي المعاصر للتفاعل مع الفن والمُكثَّف في العبارة الشهيرة "حلاله حلال وحرامه حرام".

بحسب متابعين لسلوك حمزة في الأيام الأخيرة، فقد شرع في حذف تغريداته، ومنشوراته، التي يعبّر فيها عن تضامنه مع اعتصام جماعة الإخوان المسلمين والدوائر المحافظة المقربة منها في ميدان رابعة العدوية، عقب الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013. بغض النظر عما إذا كان ذلك صحيحاً أم لا، فإن ذاكرة "اليوتيوب" تخبرنا بأن حمزة وقف على أحد المسارح العامة، بعد المجزرة، يشدو بإحدى أغنياته ذات المضامين المتمردة "لسه العدل غياب"، فتفاعل معه بعض الحضور ممن يغلب عليهم السمت المحافظ، وهم شريحة عريضة من جمهوره، بالهتاف لـ"رابعة"، كمظهر احتجاجي شائع حينها داخل مصر، ولم يعترض نمرة عليهم. وبعد عام من هذه الواقعة، أصدر "ألبومه" الشهير المليء بالمضامين الثورية والأخلاقية، إذا لم نقل السياسية التي لا تخطئها عين (اسمعني)، وصوَّر أغنية (وأقولك إيه) التي رغم تركيزها على عواقب الاقتتال الأهلي، لم تخفِ دورَ محتكر السلاح والسلطة في إشعال فتيل هذا الاقتتال وتعميقه.

بالتزامن مع إطلاق هذا الألبوم المشار إليه، بدأت مشكلات حمزة مع أشكال مختلفة من البيروقراطية العسكرية داخل مصر، فأصدرت الإذاعة الرسمية قراراً بمنع بث أغانيه عبر المحطات المصرية، وحاول وقتها الإعلامي المقرب من حمزة، والذي يحب الظهور معه دائماً، عمرو الليثي، التوسط لحل المشكلة. وفي عام 2015، لوحظ تضمُّنُ إحدى جلسات قضية "التخابر مع قطر" أحرازاً لإدانة بعض المتهمين، هي أغنيات لنمرة! وفي العام التالي، نشب صراع بين نقابة الموسيقيين ونمرة، بث خلاله النقيب مصطفى كامل، مقطعاً مسرباً يكيل فيه السباب والإهانات لحمزة، ويتوعده بالشطب من النقابة، بعد قرار لم يمتثل له حمزة، من أحد قيادات النقابة باستدعاء حمزة للتحقيق، على خلفية مناصرته لجماعة الإخوان الإرهابية.

ومع تجنُّب التفصيل في شأن جذور وتوجهات شركات الإنتاج الفني التي يتعامل معها حمزة، إسلامياً من ناحية الأعمال السمعية (أواكينج ريكوردس)، أو المعارِض بشكل عام، من ناحية دعْم أحدث مشاريعه البصرية (التلفزيون العربي)؛ فإنه يمكن القول، بوضوح، إن حمزة ليس دقيقاً في شأن حديثه عن تجنِّي قنوات الإسلاميين عليه، وتوهُّم الجماهير للحمولة النفسية لأعماله، واستقرار علاقته بالنظام السياسي المصري. يريد حمزة أن يتراجع عن جملة مواقفه السابقة، والتخندق في "موقع" جديد لم يسبق له الاصطفاف فيه، دون أن يذكر الأسباب "الحقيقية" لهذا التراجع، وهو ما يندرج تحت بند الخداع والتضليل.

السيناريو البديل

حسناً، أراد حمزة أن "يتراجع" عن مواقفه السابقة بهذا الشكل غير الملائم، قصداً، لسبب ما، أو لأسباب، لا نعرفها، حتى الآن، ولحمزة كامل الحق في ذلك، شريطة أن يخفف جرعة تزييف الحقائق. ومن هذا الخيط، نسأل سؤالاً: هل كان من الممكن، إذا كان هذا التراجع حقيقياً، بمعنى أنه نابع حقاً من إعادة تقييم موضوعية لتجربة حمزة الشخصية وللموقف العام في مصر، أن يخرج الأمر بطريقة "أشيك" من ذلك؟ والإجابة المبدئية، في تصوري: نعم.

أراد حمزة إخراجَ المشهد بهذا السوء، فكان الوسيط ملائماً للحدث: تلفزيون اليوم السابع، وبالمناسبة لم يستطع مقدم اللقاء إخفاء دهشته من حجم التنازلات القيمية، والتباسط المبدئي، الذي أبداه حمزة معه في كل الأسئلة الخلافية، وكأن لسان حال هذا الشاب مع تقديمه التحية والشكر للضيف باستمرار على هذه التوضيحات والتبرؤات وإعادة تعريف الذات: أن هذا ليس حمزة نمرة الذي نعرفه.

الآن، لنتخيل سيناريو بديلاً: بدأ حمزة على حسابه بموقع تويتر خيط تغريدات، بالتزامن مع إطلاق الألبوم، وبداية العام الجديد، يقول فيه إنه في حاجة إلى النقاش مع جمهوره، وعرض ما توصل إليه مؤخراً من مراجعة لمسيرته الفنية وللوضع العام في مصر، الذي كان جزءاً منه حتى سنوات قليلة مضت. ومن هنا بدأ حمزة يرصد، مثلاً، أن هناك تزايداً واضحاً في توظيف أعماله الفنية على شاشات المعارضة المصرية في الخارج. وبدلاً من أن يخبرهم، عبر اليوم السابع، أن ما يمنعه عن وقف هذا الأمر هو صعوبة سلوك المسار القضائي في الخارج، وبدلاً من أن يتنكر من الحمولات القيمية لأعماله السابقة، قال إن المشهد السياسي، من وجهة نظره، بات مختلفاً عما قدم من أجله هذه المواد، وأنه، بمرور الوقت، غابت المفردات الجامعة التي غنى من أجلها، الثورة والشهداء والعدالة، وحلت محلها مفردات أخرى أكثر حزبية لا تتناسب مع مضامين رسالته الفنية.

وفيما يخص إعجابه، وتعاطفه، مع حالة مسلسل "الاختيار"، والذي سبق وعبَّر عنه إبان إذاعة المسلسل رمضان الماضي بالمناسبة، لنتخيل أنه قال إن هذا المسلسل التعبوي قدم حالة تستحق النظر من قِبل خصوم النظام الحالي، لأن أبناء المؤسسة العسكرية في سيناء يقفون حائلاً فعلياً لحماية أبناء المجتمع من خطر فكر وممارسات رجعية، لا تمثل الدين أبداً، مع إقراره في نفس الوقت أن شطراً معتبراً من سياسات النظام العسكري أسهم في تفاقم هذه الحالة، زمنياً ما بعد الثالث من يوليو/تموز 2013، وجغرافياً في سيناء التي تعد بيئة مثالية للتمرد، ومع تحفظه على توظيف تضحيات أبناء الجيش من أجل ابتزاز المصريين بسيناريوهات مشابهة في دول أخرى ضمن معادلة: الحرية والأمن، واعترافه بإمكان وجود مقاربات أكثر رشداً في التعامل مع الملف السينائي، والمشهد المصري برمته، بعيداً عن ثنائية: المنسي وعشماوي التي أراد النظام حصرنا فيها، على غرار نموذج الضابط أحمد قنصوة والسياسي أحمد الطنطاوي.. أين المشكلة في ذلك؟ هل كان عسيراً على حمزة التفكير في ذلك وصياغته بالطريقة التي يحب؟

المشكلة أن حمزة أراد بالفعل شيئاً آخر، تراجعاً غير نبيل، أن يتبنى سردية النظام بالكامل: الإخوان جماعة إرهابية، والشهداء شهداء الجيش حصراً، والأعمال السابقة أسيء فَهمُها. في سياق زمني سابق، لو أن حمزة كان ضيفاً في مقابلة يقول فيها المقدم ما قاله مذيع اليوم السابع لقاطعه حمزة بكل حسم، ودخل معه في "أرجيومنت" مهذب، عن ضرورة عدم احتكار مفاهيم الوطنية والشهادة، واختزال الانتماء في الغناء من أجل مشروعات الرئيس، ولكن حمزة تغير لأسباب لم يقُلها.

المُستقبَل

وفقاً لما حكاه حمزة في لقائه المشار إليه، فإنه من غير المُستبعَد أن نجد أعمالاً فنية "سياسية" بالمعنى الحرفي للكلمة منه لتجميل النظام في المستقبل القريب يقول حمزة عن هذه الأعمال إنها أعمال وطنية، يعبر بها عن انتمائه للوطن، ولكن هذا التقييم، في مدى مطابقته للواقع، يشبه رأيه في أعماله السابقة، التي بات يراها خالية من أي حمولة قيمية، كلا رأييه غير دقيقيْن، فالأعمال التي يخطط لتنفيذها لصالح النظام أعمال سياسية بحتة، حتى لو ركزت على مساحة "المظلومية" العسكرية التي يريد الغناء فيها، ولم تكن أعمالا دعائية مباشرة كتلك التي يقدمها بعض الفنانين المعروفين في حضرة السيسي خلال المناسبات القومية (السياسية)، وأعماله السابقة أيضاً لم تكن خالية من المضامين الأخلاقية ذات الأبعاد السياسية.

إذا حدث ذلك فعلاً، وهو الأقرب وفق كل المعطيات، فإن حمزة سيستفيد مؤقتاً من النظام، في سهولة حركته داخل المساحات الفنية التي لم يكن بمقدوره الخوض فيها سابقاً، وسيصبح أكثر أمناً بطبيعة الحال على نفسه وأسرته، كما سيشبع رغبته في الوجود وسط أهله، وحمزة شخص عاطفي في الأساس. في المقابل سيَفيد النظام من حمزة في عدة زوايا: أولها أنه نجم حقيقي، معظم جمهوره من الشّباب، وهي الفئة التي يكابد النظام من أجل الوصول إليها عادة. ثانياً أنه ومن خلال إمكانات حمزة الفنية سيتمكن النظام من صبغ أعماله الناعمة بلون أخلاقي، طالما فشل في تقديم نفسه فيه، لأن حمزة متفرد في هذه المساحة، ولأن سلوكيات النظام لا تصب عادةً في هذا الاتجاه الأخلاقي ولا تعبأ به. وثالثاً لأن هذه الاستعانة بحمزة ستمثل "ضربة" معنوية للمعسكر الآخر، الذي بات حمزة يتنكر له، وستعمِّق جراح شبابه المهزوم، ممن كان حمزة صوتاً لهم في وقت ما.. تخيل معي أن حمزة نمرة يغني في حفل مهيب لافتتاح أحد المشروعات القومية في حضور السيسي، كيف الحال؟

بالمقارنة مع سرديات المعارضة المصرية في الخارج فقد نجح النظام المصري في تثبيت أقدامه بشكل أفضل من خصومه، بعد سبع سنوات من الصِّراع. لا يعني هذا الحكمُ بالتأكيد أن النظام المصري بلا نقاط ضعف واضحة، أو أن المعارضة لم تنجح في توجيه ضربات قاصمة للنظام من قبل، ولكن المراد أن هذه الفترة تشهد ركوداً، وربما تراجعاً سياسياً، في خطاب المعارضة، وبالأساس، وبحكم موقعه في السلطة، وخلفيته الأمنية، وإدراكه لموقعه من الجغرافيا والتاريخ يمتلك السيسي مشروعاً واضحاً لإعادة هندسة المجتمع والحياة في مصر، بشكل يخدم مصالحه الشخصية، ويوطئ لإعادة تعريف الدور المصري إيجابياً في المنطقة، قياساً على تجارب فاشلة لدول أخرى مجاورة. يقابل هذا الوضوح والجدية عدمُ إدراك من المعارضة للمساحات التي يمكن لها من الخارج العمل فيها باحترافية، كالإعلام والتوثيق والملاحقات القانونية لقادة النظام والخروج من عباءة الدول المستضيفة، يساعد هذا الوضع، القاتم أحياناً، في حدوث هزات في صفوف البنيان البشري للمعارضة، وتحولات غير مألوفة ناحية المعسكر الآخر.

لنَفس الأسباب التي سيستفيد بها النظام من فنان بحجم حمزة، من المتوقع أن يخفت بريق نمرة مع الوقت، إذا ما أصرَّ على أداء هذا الدور، لن يسمح الوقوفُ مع النظام لحمزة بتقديم مواد إشكالية، تحمل مضامين قابلة للتأويل مجدداً، كما أن شعبيته ستكون مهددة بالتراجع، في المقابل، وإن كان غير مهتم أو غير مدرك لعواقب الأخيرة، تلك المتعلقة باحتمال تراجع شعبيته، بل وتعرضه لانتقادات واسعة من طوائف كبيرة من محبيه الذين خذلهم، فإن حمزة يبدو واعياً بالمقتضيات الفنية للمرحلة القادمة، عبر الاهتمام بموضوعات جماعية ظاهراً، فردية في الحقيقة، يمكن إسقاطها على أي إنسان، وأي جيل، خاصة الأجيال الأخيرة، بلا سياق محدد، أو مضامين قيمية ونضالية، وهو ما ظهر في الشريط الأخير: "مولود سنة تمانين".

في النهاية، من حق حمزة أن يتراجع، ومن حقنا أن ننتقده، في حمزة نبلٌ يمكن للإنسان العادي أن يتلمسه، لا يشبه حمزة بالتأكيد رامي جان، ذلك الشاب المسيحي الذي تاجر بمسيحيته سياسياً مدة طويلة بعد الانقلاب العسكري، منوهاً عن كيان وهمي في الخارج يسمى "مسيحيون ضد الانقلاب"، وبعد غلق محبس الارتزاق هاتف صديقه الإعلامي المقرب من النظام وائل الإبراشي، ليساعده في العودة للبلاد، والمتاجرة هذه المرة بعكس ما كان يتاجر به في الخارج: "فضح رواتب مذيعي الإخوان" على حد قوله. ولكن حمزة يشبه بشكل ما وائل غنيم، يشبهه في العمر، وفي الصداقة، حيث كانت تربطهما علاقة صداقة بمصر، وفي السمات الشخصية والوجدانية إلى حد ما، وغلبة الانتماء للوطن مع إساءة الاختيارات، التي قد تكون في بعض الأسباب نابعة من الهزيمة والمرارة، والشعور المتضخم بالمسؤولية، والتوقعات الكبيرة من الجمهور نحوهم.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد سلطان
كاتب مصري مقيم بأستراليا
كاتب مصري مقيم بأستراليا
تحميل المزيد