ارتبطت فكرة حظر الأذان باللغة العربية بنظام الوصاية للحزب الواحد في تركيا وتركت أثراً لا يمحى في الثقافة الاستراتيجية للشعب التركي. وكانت فكرة تغيير لغة الأذان من العربية إلى التركية قد عرضت على حكومة أتاتورك في عام 1918 ولكن قرار التطبيق دخل حيز التنفيذ في عام 1932، حيث تم تحويل الأذان إلى التركية وتم حظر رفع الأذان باللغة العربية. لكن بحلول عام 1950 كان قد تغير الكثير في المجتمع التركي، حيث رفع رئيس الوزراء آنذاك عدنان مندريس الحظر عن رفع الأذان باللغة العربية وسمح للأتراك بتأدية فريضة الحج بالإضافة إلى عدة قرارات ثقافية منها السماح بدراسة اللغة العربية. وقد تعرضت حكومة مندريس لانقلاب عسكري وتم إعدامه مع أن مندريس لم يكن إسلامياً!
ومع دخول تركيا حالة من الانفتاح السياسي والثقافي، وبوصول بعض الأحزاب الإسلامية إلى قاعات البرلمان واحتلال أغلبية المقاعد وشغل موقع رئاسة الوزراء، الأمر الذي توسع وتجذر بعد قدوم حزب العدالة والتنمية إلى السلطة صارت اللغة العربية متعارفاً عليها سواء في الجامعات أو المساجد والمراكز الإسلامية. ولكن استمر بعض المتشددين من السياسيين بالدعوة إلى عودة رفع الأذان بالتركية فيما يمكن اعتباره تصرفاً أهوج تنقصه الحكمة والحنكة السياسية حيث يتعارض هذا التوجه مع التوجه الثقافي السائد عند معظم الشعب التركي والذي يعبر عنه عن طريق صناديق الاقتراع.
في تركيا.. القرآن باللغة التركية أم العربية؟
في ليلة انقلاب 15 يوليو/تموز 2016 عاد الأذان ليحضر للسياسة التركية حيث رفع أكثر من 80 مسجداً في تركيا الأذان في غير موعده لدعوة الناس للخروج والتصدي للانقلابيين، وقد تعرض أحد المؤذنين في مدينة إزمير للضرب من بعض العلمانيين بسبب رفعه للأذان ليلة الانقلاب.
وفي عام 2018، طالب النائب في حزب الشعب الجمهوري أوزتورك يلماز بقراءة القرآن ورفع الأذان باللغة التركية، لكي تكون مفهومة لدى الناس، معتبراً أن قراءته باللغة العربية يعد احتقاراً للغة التركية.
ومؤخراً أثارت فعالية الذكرى الـ 747 لوفاة جلال الدين الرومي التي نظمتها بلدية إسطنبول الكبرى بالاشتراك مع مؤسسة عشاق مولانا العالمية، مساء 17 ديسمبر/كانون الأول 2020 جدلاً كبيراً في تركيا بسبب رفع الأذان وقراءة القرآن والأدعية باللغة التركية. وذلك على خلاف السنوات السابقة التي أجريت فيها الفعالية حيث تقوم بلدية إسطنبول الكبرى وبلديات أخرى في تركيا بتنظيم فعالية سنوية في ذكرى وفاة جلال الدين الرومي.
كما شهدت الفعالية أيضاً مشاركة من الرجال والنساء في فقرة الدراويش بشكل مختلط بين الجنسين على عكس المتبع في الطريقة المولوية مما استدعى بعض ردود الفعل الساخطة من المجتمع والسلطة. وقد زاد من حدة الأمر قيام رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو ببث الحدث مباشرة على حسابه الرسمي على تويتر وأثنى عليه.
وقد تلقت البلدية ورئيسها الكثير من الانتقادات حيث جاء أبرز الردود من الرئيس أردوغان، حيث قال: "إنهم يستدعون فاشية الحزب الواحد كلما سنحت لهم الفرصة. إذا كنت تؤمن بالقرآن فعليك أن تحترمه الاحترام الواجب"، ثم وجه كلامه لإمام أوغلو: "آه لو أنك قرأت القرآن بالتركية قبل الانتخابات. لقد ذهبت قبل الانتخابات إلى جامع أيوب وقرأت بالعربية. لماذا لم تقرأ بالتركية أيضا؟"
وأضاف أردوغان: "سوف نحاسب على ذلك ولن نسمح لأي شخص بمد يده ولغته إلى معتقداتنا وثقافتنا وإرثنا. سيحاسبون على كل إساءة. إن كل خدمة تدفع ببلدنا إلى الأمام لها مكان على رؤوسنا. لكننا لا نتسامح مع أي اعتداء على قيم أمتنا وتاريخها وثقافتها. لن نسمح لأولئك الذين أهدروا طاقة بلدنا في مثل هذه القضايا لفترة طويلة في الماضي أن يلعبوا نفس الألعاب".
"رغم أن الشعب ليس لديه مثل هذا الطلب، فإننا نجد أنه من الخبيث التنمر على رموزنا الدينية بالحسابات الأيديولوجية والسياحية والتجارية. هناك أدب وإذا لم تنتبه لهذا، فسوف تشعر بالعار".
"وإذا اتبعت خطى الرومي، فعليك أن تحترم أيضاً تقاليده. لا يمكننا تبرير أي هجوم على تاريخ أمتنا وتقاليدها. سنواصل الرد عليهم كما يستحقون".
كما علق وقف الديانة التركي على الحدث بالقول إن ترجمات القرآن للغات أخرى ليست في حكم القرآن وإنه لا يجوز قراءة القرآن إلا باللغة العربية.
تراجع إمام أوغلو
أمام ردود الأفعال على هذه الحادثة حاول رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو التخفيف من الأضرار، حيث قال إنه كرئيس بلدية لا يخطط لكل تفاصيل أي فعالية وعلى أهمية اللغة التركية وعدم نسيانها فإنه يعتقد أنه كان يجب قراءة القرآن باللغة العربية داعياً إلى عدم استغلال هذا الحدث سياسياً.
لعل المنطقي أن هذه الخطوة لم تكن مدبرة من قبل البلدية أو الحزب وذلك لأنهم يعلمون آثار ذلك السلبية في كل انتخابات عليهم بل كانوا في آخر سنوات قد طوروا خطاباً يحترم القيم الدينية وعلى الأغلب كانت هذه هفوة غير متعمدة، لكنها فتحت جرحاً قديماً في الماضي عندما حظر حزب الشعب الجمهوري قبل 80 عاماً حيث فتح هذا تفاعلات خلال الأيام الماضية على مواقع التواصل ووسائل الإعلام مع دخول أطراف دينية وسياسية على الخط ويعتقد بعض المراقبين أن حزب العدالة سيستفيد من هذه السقطة وسيوظفها كما فعل الرئيس أردوغان في خطابه وأن هذا الحدث سيلحق ضرراً بالحزب في الانتخابات.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.