سنة 1907 عمد جماعة من المهاجرين السويسريين في إيطاليا إلى دمج ناديي "بيرغامو" و"برغامكا"، ليؤسسوا على أنقاضهما نادياً لكرة القدم تحت مسمى "أتالانتا"، دخل النادي تحت لواء الاتحاد الإيطالي لكرة القدم سنة 1929، ثم أبصر نادي أتالانتا بريق الدرجة الأولى سنة 1937.
إلى حد هذه الأسطر لا جديد يذكر سوى تاريخ يمكن أن تقتنص من وقتك 5 دقائق وتتصفحه على الإنترنت، ولسائل بهت أمام سؤال، ما دخل الميثولوجيا أو "علم الأساطير" بنادي أتالانتا أو مدينة بيرغامو؟
الأسطورة
"أتالانتا" هي شخصية أسطورية إغريقية، في أغلب الروايات هي ابنة ملك "أركاديا" التي أنجبتها أمها دون رغبة من والدها الذي اغتاظ وهاج، فألقاها من على سفح جبل آملاً في موتها، لكن الآلهة "آرتيميس" كان لها رأي آخر، إذ أنقذت الطفلة ثم أرسلت لها دبة أرضعتها، لتصبح "أتالانتا" صيادة ماهرة بعد أن ارتمت في أحضان الصيادين في الغابة.
لكن "أتالانتا" الإيطالي فريق كرة قدم اختار له مؤسسوه هذه التسمية تيمناً بـ"أتالانتا" الإغريقية. وعلى مدة 108 سنوات هي عمر النادي، لم يحق لأحد في إيطاليا أو متابع لكرة القدم أن يستحضر المثل القائل "اسم على المسمى"، كيف ذلك وهو الفريق الذي هبط لدوري الدرجة الثانية في أول موسم لعبه في الدرجة الأولى، ثم نزل بعد ذلك 5 مرات أخرى حتى أنه لامس الدرجة الثالثة وقضى فيها موسماً واحداً. وفي المحصلة فقد تأرجح الفريق بين الدرجتين الأولى والثانية طوال عمره، وربما لم يشفع له في كل ذلك إلا بضع فلتات أو طفرات في تاريخه توج فيها بكأس إيطاليا، ووصل إلى نصف نهائي كأس الأندية الأوروبية الفائزة بالكؤوس، أو عندما وصل إلى ربع نهائي كأس الاتحاد الأوروبي.
انقلاب أتالانتا
منذ 5 سنوات تقريباً حصل "الانقلاب الصيفي"، وهي ظاهرة يصبح من خلالها النهار أقصر من الليل وقتاً، وتتميز بشمس ساطعة تشرق مبكراً، هي ظاهرة تتم بالتناوب مع الانقلاب الشتوي، لكن انقلاب فريق "أتالانتا" كان صيفياً منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا، شمسه لم تنطفئ في سماء الكرة الإيطالية ولا الأوروبية. حضور أوروبي باستمرار منذ 2016 إما في بطولة الدوري الأوروبي أو دوري أبطال أوروبا، حيث وصل للدور الربع النهائي في الموسم الماضي ووصل هذا الموسم إلى الدور 16 والمسابقة ما زالت مستمرة. أما عن حضوره محلياً فحدِّث ولا حرج، إذ يكفي التذكير أن أسوأ مرتبة احتلها النادي كانت السابعة، وفي ما خلا ذلك إما يكون ثالثاً أو رابعاً حتى إنه وصل مراهناً جدياً على لقب السكوديتو. ومثلما أطاحت "أتالانتا" الصيادة بـ"خنزير كاليدونيا" الذي أكل الأخضر واليابس في تعبير عن غضب الآلهة "آرتميس"، فإن فريق "أتالانتا" قد أطاح بالكبير والصغير محلياً وأوروبياً، كيف لا وهو من ضرب فالنسيا بالأربعة وقهر الأياكس في معقله وأطاح بليفربول في الأنفيلد، ليوقف سلسلة تاريخية للفريق استمرت لسنتين دون هزيمة في الوقت الأصلي على أرضه، أما محلياً فقد صعق الميلان بالخمسة، وإنتر ميلان بالثلاث ويوفنتوس بالثلاث أيضاً ولاتسيو بالأربعة وآخر الفصول أن قلب الطاولة على روما وهزمه بالأربعة إلى حد كتابة هذه الكلمات.
لما أطاحت "أتالانتا" بـ"خنزير كاليدونا" رفض القوم ساعتها أن تعطى المكافأة لامرأة واعتبروها مهانة، أما عن فريق "أتالانتا" فقد كان من عدل السماء أن يتوج بكأس إيطاليا موسم 2019/2020 أقلها مكافأة له على 5 سنوات من العطاء لكن لاتسيو تمنع وفاز في النهائي ليسير على خُطى "قوم كاليدون".
أتالانتا إلى حد كتابة هذه الكلمات هو سابع الدوري الإيطالي بفارق 5 نقاط عن الرابع و10 نقاط عن الصدارة، كما وضعته القرعة في الدور 16 من دوري أبطال أوروبا في مواجهة الملكي والذي سيكون أكبر تحد للفريق منذ تأسيسه إن لم نبالغ في القول، فهل ننتظر أن يكافأ "أتالانتا" على مجهوداته؟
إلى ذلك الحين "أتالانتا" ستكون أسطورة كرة القدم الحديثة مثلما كانت أسطورة الإغريق في الماضي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.