بمناسبة الاعتراف الأمريكي بسيادتها على الصحراء الغربية.. كيف تطورت عملية “الإنزال الدبلوماسي” المغربية في الآونة الأخيرة؟

تم النشر: 2020/12/23 الساعة 13:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/26 الساعة 09:39 بتوقيت غرينتش
ملك المغرب محمد السادس/رويترز

على الرغم من الدور الذي لعبه صانع القرار الأمريكي في ما يتعلق بقبول المغرب تبادل فتح اتصال دبلوماسي مع إسرائيل، في أفق إقرار لعلاقات دبلوماسية كاملة في ما بينهما، فإن القرار الرسمي المغربي لم يكن مستبعداً، بالنظر إلى عديد من المؤشرات التي يمكن رصدها في الفترة الأخيرة، خاصةً انخراط حلفائه بالخليج في مسلسل "التطبيع"، والاتصالات التي دشنها مستشار الرئيس الأمريكي كوشنر مع المسؤولين المغاربة في أكثر مناسبة، إلى جانب الخطوة التي أقدمت عليها الإمارات بافتتاح قنصليتها بمدينة العيون، والمواقف الخليجية الداعمة للمغرب إزاء التصعيد العسكري الذي يشهده إقليم الصحراء الغربية مؤخراً.

لكن الخبر المفاجئ الذي غطى على تبادل التمثيل الدبلوماسي نفسه، هو الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على إقليم الصحراء الغربية، واعتزام واشنطن افتتاح قنصلية لها بمدينة الداخلة، في تطور لافت، من شأنه أن يؤثر على مسار تعاطي المجتمع الدولي مع الملف، خاصة في أروقة هيئات الأمم المتحدة، التي تعد المتدخِّل الرئيسي في مساعي تحقيق السلام بالإقليم.

قرار يكتسي أهمية بالغة ليس بالنظر إلى وزن الولايات المتحدة الأمريكية بالساحة الدولية ودورها في صياغة قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالنزاع الصحراوي فحسب، كونها المبادِرة بتحرير مسودات القرارات الصادرة عن مجلس الأمن بخصوص الملف، ولكن أيضاً باعتبار حساسية التوقيت الذي جاء فيه، والمتميز بتصاعد وتيرة التصعيد العسكري والسياسي بالإقليم، منذ اندلاع أزمة الكركرات الأخيرة، والتدخل الأمني المغربي في المنطقة الحدودية، قبل إعلان البوليساريو انسحابها من اتفاق وقف إطلاق النار، ثم إصدارها عديداً من البيانات العسكرية حول ما تصفه بعمليات قصف على طول الجدار العازل.

تطورات تأتي بالتزامن مع عدد من الخطوات المهمة التي أقْدم عليها المغرب، في إطار التحضير لتغيُّر جوهري في تعاطي القوى الدولية مع ملف نزاع الصحراء الغربية، من ضمنها تحييده مواقف كل من القوتين الدوليتين اللتين كانتا تناوئان طروحاته في مجلس الأمن، أي روسيا والصين باعتبارهما تتمتعان بحق النقض.

فقد تمكن المغرب من انتزاع ما يمكن وصفه بالاعتراف الضمني من روسيا بسيادته على إقليم الصحراء الغربية، من خلال اتفاقية الصيد البحري في شهر نوفمبر/تشرين الثاني نوفمبر الماضي، والتي تعد الاتفاقيةَ الثامنة بينهما في هذا الصدد، لتعويض الاتفاقية الموقعة سنة 2016، والمنتهية في مارس/آذار الماضي، حيث تشمل السواحل التابعة للإقليم.

أما بخصوص الصين فقد دخل المغرب معها في شراكات استراتيجية، تهم التعاون بخصوص تدبير جائحة كورونا، خاصة ما يتعلق بإنتاج شركات مغربية وتسويقها للقاحات الصينية بإفريقيا، في خطوة اعتبرها البعض مؤشراً على التحرر من الارتباط بداعمه السياسي الأهم في مجلس الأمن وشريكه الاقتصادي القوي، فرنسا.

فإلى جانب تمكُّنه من إبرام صفقة شراء لطائرات مسيَّرة متطورة، تعد بمثابة سلاح استراتيجي، حيث اقتنى أربع وحدات متطورة من نوع MQ-9B، والتي تملكها دول قليلة من بين حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، فقد تم في البيان الصادر عن البيت الأبيض بخصوص الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، تأكيد دخول البلدين في شراكات اقتصادية مهمة تهم المنطقة.

خطوات تضاف إلى مشروع الربط القاري الاستراتيجي في ما بين أوروبا والمغرب، والذي يجمع الأخير بإسبانيا، إحدى أهم المتدخلين في ملف نزاع الصحراء الغربية؛ لكونها المستعمر السابق للإقليم، حيث لا تزال تتحمل تبعات قانونية وسياسية على أثر خروجها دون العمل على حل النزاع بشكل نهائي، فيما تشير عديد من التقارير الإعلامية إلى اتجاه صناع القرار في البلدين إلى تسريع وتيرة التحضير لمشروع النفق البحري الذي سيمكِّن من زيادة التبادل التجاري بين المغرب وأوروبا، وهو ما يفسر تعاطي إسبانيا الإيجابي مع تدخُّل المغرب في الكركرات، النقطة الحدودية التي ستساهم في إنجاح مشروع الربط القاري بجبل طارق.

مشاريع تعزز عديداً من الشراكات التي تجمع المغرب بعديد من القوى الدولية الغربية، وعلى رأسها الجار الإسباني، من أهمها انخراطه في تحالفات أمنية تتعلق بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، الى جوانب أخرى خاصة بالتصدي للهجرة السرية، فضلاً عن مجموعة من الشراكات الاقتصادية تتعلق باستثمارات أوروبية وغربية في إقليم الصحراء الغربية، بمجالات الطاقات المتجددة، والفلاحة، والصيد البحري.

وفي ما يتعلق بالجارة موريتانيا التي تعد طرفاً ملاحظاً في ملف النزاع الصحراوي، فقد تمكن المغرب من انتزاع اعتراف ضمني من قِبلها بالوضع الجديد في الكركرات، فقد تجاوبت السلطات الموريتانية مباشرة بعد تدخُّل الجيش المغربي في المنطقة الحدودية، ليعاد افتتاح البوابتين الحدوديتين في وجه الراغبين في اجتياز المعبر عشية يوم انسحاب البوليساريو منه، ما يوضح تغيراً كبيراً في الموقف الموريتاني الرسمي، الذي جاء بعدما تسبب غلق المعبر من طرف البوليساريو في أزمة اختفاء عديد من المواد الغذائية بالأسواق الموريتانية، بسبب اعتماد الأخيرة على الواردات المغربية لتأمين جزء مهم من حاجياتها الغذائية، ما فتح المجال لنقاش واسع في أوساط الرأي العام الموريتاني حول مراجعة موقف "الحياد الإيجابي" الذي لطالما عبَّرت عنه موريتانيا بخصوص النزاع الصحراوي.

وكان المغرب قد نظم عملية إنزال دبلوماسي واقتصادي واسعة في عديد من الدول الإفريقية، بالتزامن مع سعيه للعودة إلى حضن منظمة الاتحاد الإفريقي، حيث عمِل على تحييد مجموعة من الدول الوازنة التي كانت معروفة بمساندتها للبوليساريو بالمحافل الدولية، في ما يتعلق بموقفها من النزاع الصحراوي، وفي مقدمتها نيجيريا، البلد الإفريقي المهم، على أثر توقيعه مجموعة من التفاهمات والشراكات الاقتصادية، في مقدمتها مشروع استراتيجي مهم يتعلق بمد أنبوب لتصدير النفط والغاز النيجيريين عبر مجموعة من دول غرب إفريقيا، ليمر بالمغرب في اتجاه أوروبا، وهو المشروع الذي لم يكن ليتحقق إنجازه على أرض الواقع من دون تأمين المغرب لمنطقة الكركرات.

وأما الأمم المتحدة، فقد عبرت مراراً، من خلال تصريحات وتقارير أمينها العام، عن رفضها لأي محاولات لغلق معبر الكركرات، مؤكدةً طبيعته المدنية، وضرورة ضمان الأطراف جميعاً حرية تنقُّل الأشخاص والبضائع من خلاله. وهي مواقف تبناها مجلس الأمن أيضاً في بعض قراراته، منذ اندلاع أزمة الكركرات الأولى سنة 2016، رافضاً أي إجراء من شأنه التضييق وعرقلة التنقل في المعبر الحدودي.

ملفات تهم جميع المتدخلين في نزاع الصحراء الغربية، لكنها تضاف أيضاً إلى ملفات أخرى تكرِّس الدور المغربي بحكم الوجود الميداني وإدارته للإقليم منذ اندلاع النزاع قبل قرابة 45 سنة، والذي تعزز حالياً بتدخُّله الأمني في الكركرات، ومن ثم تأمينه لكامل الطريق الرابط بين طنجة والحدود الموريتانية، إضافة الى تأمينه لساحل الإقليم بالكامل.

وضع جيوسياسي من شأنه أن يضيّق على البوليساريو التي باتت محرجة أمام أتباعها بعد أن اضطرت الى الانسحاب من المعبر؛ وهو ما قد يدفعها إلى الاستمرار في التصعيد العسكري؛ تفادياً لمواجهة سخط وامتعاض شعبي لا يزال يزداد احتقاناً بمعسكراتها الداخلية، نتيجة فشلها في التعاطي مع مجمل المستجدات والتغيرات الجوهرية التي تشهدها المنطقة والعالم.

رغم المكاسب العديدة التي حققها المغرب، يبقى العمل على إنهاء النزاع هو الملف الأهم الذي يتطلب إعطاء فسحة من الزمن للبوليساريو حتى تستوعب التطورات المتسارعة بخصوص الملف، ولتبلور تصورات كفيلة بالتعاطي معها، بدل خطابها الشعبوي المتجاوز الذي عجز عن مواكبة مختلف التحديات التي تواجهها. إلى جانب ضرورة البحث عن شركاء آخرين يمثلون أطيافاً واسعة من سكان الإقليم ممن يحملون قناعات خارج دائرة البوليساريو، والذين قد يساهمون في استحضار جميع هموم وتطلعات الصحراويين الذين يُفترض أن يكونوا هم المعنيِّين بالدرجة الأولى بمستقبل الإقليم وبإقرار أي وضع سياسي فيه.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد سالم عبد الفتاح
ناشط حقوقي
باحث سياسي وكاتب رأي
تحميل المزيد