خطة 3-5-2 لها مزاياها وعيوبها مثل باقي الخطط والهياكل التكتيكية، مثل الهيكل الطرفي في خطة 4-2-3-1 الذي اعتمده مدرب فريق برشلونة رونالد كومان منذ بداية الموسم. ولكن برشلونة عانى الأمرّين على أرضية الميدان بتلك الخطة، ليس لأنها خطة هزيلة ولكن لأن نجاح أي خطة يعتمد على مدى ملاءمة اللاعبين للخطط والهياكل وأفكار المدرب. وهو اللغز والسر المفضوح الذي عجز كومان عن حله طوال الفترة الماضية، رافضاً التنازل عن القليل من عِناده مع بعض اللاعبين والأفكار التي انتهت منذ قديم الأزل.
خطة 3-5-2 التي ظهر بها فريق برشلونة ليلة أمس في مواجهته لنادي بلد الوليد، ليست جيدة لأنها نجحت ضد فريق ضعيف لا يُجيد سوى التكتل في الخلف أمام كثافة هجومية مفروضة عليه. ولكنها جيدة لأنها خلقت بوادر نجاح لم تظهر في السابق مع برشلونة، وحلول ضد حالات الفشل التي مر بها برشلونة أيضاً.
هل وجد كومان الحل؟
تلك الخطة لها جانبان: الجانب الأشهر هو الدفاعي لفرق التحولات التي تتميز بالقوة البدنية والتي تُجيد تضييق المساحات وتطبيق أسلوب Compactness أمام حارس المرمى، بوضع اللاعبين بجانب بعضهم البعض، بتمركز كل لاعب بلاعب خلفه ولاعب على يمينه وعلى يساره، الفكرة كلها تكمن في عدم ظهور مساحة أمام الحارس، والكثافة العددية حين قطع الكرة وحين الخروج بالهجمة مرتدة.
ولكن، لها جانب آخر يمثل الشكل الهجومي، مثلما لعب فريق برشلونة بالأمس أمام بلد الوليد، بوضع مدافعين في قلب الدفاع للرقابة، خلفهم ليبرو للتغطية، وجناحي وسط أو Full-Backs، أحديهما متوازن والآخر هجومي للترحيل، وثنائي ارتكاز مع صانع لعب يجيد الاستلام والتحرك بدون كرة بين الخطوط، ولاعبان في المقدمة، أحدهما يستلم التمريرة العمودية في المنطقة، وآخر هو المتحكم الأول في كل شيء يخص الفريق في الهجوم.
القوة الأكبر في كرة القدم.. التوظيف!
قرر رونالد كومان الدخول ليلة أمس بأنسب توليفة في خط الوسط، بوضع ثنائي محاور أمامهم العبقري الصغير بيدري بين الخطوط، وهما فرينكي دي يونغ وميراليم بيانيتش. بيانيتش وظيفته هي أن يكون اللاعب الذي يتحكم في النسق، و دي يونغ في أنسب توظيف له وقت بناء الهجمة، محور ارتكاز على اليسار يقوم بتغطية الظهير الهجومي الذي يفتح الخط وهو جوردي ألبا، وحين يتقهقر الخصم للخلف، يتحرك دي يونغ بدون كرة على اليسار للضغط السريع إذا فقد ألبا الكرة وكعنصر إضافي للمهاجمين خلف المنطقة.
يُعرَف اللعب التموضعي أو Positional Play بأنه فلسفة لا ترتبط بخطة أو بهيكل محدد، فلسفة لديها العديد من المبادئ والأغراض، ولكن المبدأ والهدف الأساسي منها هو خلق التفوق سواء كان عددياً أو تمركزياً أو نوعياً، للسيطرة على المساحة بالكرة والمساحة بدون الكرة، والأهم، التحكم في حركية الخصم وأماكن رقابته للكرة.
قال بيب غوارديولا سابقاً: "حرك الخصم، لا الكرة، ادعوه للضغط في الجانب الأيمن أو الأيسر، لتحول اللعب على الجانب الآخر وتُنهي الهجمة منها".
يبحث بيب غوارديولا عما يسمى التفوق النوعي؛ أي خلق موقف 1 ضد 1 أو 2 ضد 2 وخلافه، من خلال تمرير الكرة من قِبَل أربعة أو خمسة لاعبين من فريقه في الجانب الأيمن مثلاً ودعوة الخصم للضغط، ومن ثم تشتيت الرقابة وتحويل اللعب إلى الجانب الأيسر من خلال تمريرة أفقية أو قطرية لخلق تفوق نوعي في المساحة.
ظهر ذلك التفوق النوعي والعددي بشكل جيد وكفكرة مبدئية قابلة للتطور من قبل فريق برشلونة ليلة الأمس. جوردي ألبا يفتح الملعب بتواجده على الخط ويدخل للمنطقة في كثير الأوقات، وليونيل ميسي أمام المدافعين على اليسار مع ألبا، بيدري خلف بريثويت بين الخطوط، والأمريكي ديست على اليمين مع بيدري الذي يتحرك معه بدون كرة حينما يتقدم دي يونغ خلف بريثويت.
كل ذلك واجهه مدافعوا بلد الوليد بغلق منطقة الجزاء بالكثافة العددية، ولكن ما حاول كومان فعله هو تمديد عرض الملعب. حين يغلق بلد الوليد منطقة جزائهم، يتوسع عرضي الملعب للأظهرة الهجومية، وهو ما شتت قلبي دفاع الخصم لمراقبة الظهيرين، وحينها سيتم فتح المساحة في العمق إجبارًا على الخصم بعد فقد التمركز، وهي لعبة ميسي المفضلة.
تلك اللعبة استفاد منها برشلونة في عدة جوانب أخرى قد تفيد الفريق أمام خصوم أكبر اسما وأفضل تكتيكياً، أهمها سرعة العمل كمنظومة واحدة. في السابق، كومان لم يعتمد على الفريق ككتلة واحدة في صورة من أبشع صور كرة القدم التكتيكية، باعتماده خطة 4-2-3-1 بوضع ارتكاز أمام قلبي الدفاع حينما يخرج الظهيرين مع محور وحيد في الوسط، بالتالي حتماً تم فصل الدفاع عن الهجوم.
ولكن على النقيض، خطة 3-5-2 تعطي لك الأفضلية في الضغط العكسي ككتلة واحدة حين فقد الكرة، وعدم سهولة ضرب الدفاع بوضع مدافع آخر مع ثنائي الظهيرين الذين لهم دور كبير في الارتداد السريع والتغطية العكسية. كل ذلك حدث بدلاً من وضع لاعب هجومي بلا جدوى وقيمة في خطة 4-2-3-1 التي شهدت كثير من تداخل الأدوار في المقدمة، ووضعه في الخلف والحفاظ على عدم تداخل المراكز.
ثنائية بيدري وميسي
بيدري، لاعب أنيق، لا يحتاج لوقت كبير للتفكير وأخذ القرار، يأخذ القرار سريعاً قبل استلام الكرة، ويتحرك بحرية بين الخطوط لخلق زاوية تمرير إضافية للاعبين حينما ينكمش الخصم، علاوةً على إنه يقوم بتغطية ألبا أحياناً.
ميسي تحرك كثيراً بدون كرة، لكنه بطبيعة الحال، تم فرض رقابة حركية عليه، لذا يحتاج للاعب إضافي يكون الحل معه في مواقف الرقابة، وهو ما صنعه بيدري. حسب SofaScore للإحصائيات، ميسي أعطى الكرة لبيدري، في العمق، 48 مرة، نجح بيدري في تمرير 41 منهم، من بينهم 32 لميسي!
ريكي بويج يلعب نفس الدور بالظبط، بل إنه أكثر سرعة من بيدري، لكن ما يميز بيدري أنه يلتقط التمريرات بين القنوات الدفاعية للخصم على الأطراف، كمشاركة مع سيرجينيو ديست أو جوردي ألبا في عمل الـOverlap، لكن بويج يتحرك دائماً في العمق بكرة وبدونها، لذا سيكون مفيداً أكثر من بيدري إذا كان وسط الخصم يتحرك ويمرر كثيراً، الأهم أن الاثنين ورقتان من ذهب في فريق برشلونة.
كوتينيو لا يجيد أياً من المذكور، لذا لن يكون مفيد في أي دور من هؤلاء، خصوصاً أنه أيضاً يميل لعمق الملعب مع ميسي، وهو ما يُحدِث تداخل الأدوار الكبير بين الإثنين، خصوصاً في وجود غريزمان أيضاً الذي يميل لصناعة اللعب أكثر من التطرف والبُعد عن المساهمة في اللعب عندما لعب كجناح أيمن في أسوأ توظيف له، لذا وجود ثلاث لاعبين بنفس الشكل لن يُحدِث سوى فقد التنظيم والنسق.
غريزمان قد يُشكِل ثنائية مميزة مع ميسي عندما يكونان في الأمام، لكن برشلونة في حاجة ماسة لمهاجم صريح في أسرع وقت، أكثر حتى من حاجتها لقلب دفاع أو لاعب وسط أو جناح، ولكن خيارات كبريثويت وغريزمان جيدة كزيادة نوعية للفريق.
حتى عودة أنسو فاتي على الأقل، فتلك الخطة تثمر بأشياء عديدة؛ تنظيم، عدم تداخل أدوار، دفاع كمنظومة واحدة، تحضير جيد، أفضلية وحرية لميسي، سرعة انتشار دفاعية وهجومية، كلها أشياء قد يجد فيها برشلونة ضالته!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.