يتصدر اللاعب الدولي المغربي يوسف العربي حالياً ترتيب هدافي الدوري اليوناني لكرة القدم، برصيد 9 أهداف في 9 مباريات، ليسير بذلك بخطى ثابتة نحو تكرار نفس إنجاز الموسم الماضي، لما تُوّج بجائزة هداف الدوري بمجموع 20 هدفاً، ساهم بها في نيل فريقه أولمبياكوس لقب الدوري المحلي.
المهاجم المغربي الذي يقترب من بلوغ الـ34 من عمره، أثار الجدل خلال عدة محطات من مشواره الاحترافي بسبب اختياراته التي كانت تبدو "غريبة" بالنسبة للمراقبين والنقاد الرياضيين، والتي كان يبررها فوق الميدان وخارجه.
ولقد فضلت التعريف بالمسار الرياضي لهذا اللاعب المميز قبل أن يحط الرحال في بلاد الإغريق ويصبح ملكاً عليها.
العربي صغيراً
ولد يوسف العربي يوم 3 فبراير/شباط 1987 بمدينة "كاين" بشمال غرب فرنسا، من والدين مغربيين، وبدأ ممارسة رياضة كرة القدم في حي "غراند بارك" الذي نشأ به والتابع لبلدية "هيروفيل سان كلير"، بالضاحية الشمالية لنفس المدينة.
وعلى الرغم من قدراته الفنية المميزة التي كان يتمتع بها منذ الصغر إلّا أنّ مسؤولي مدرسة نادي كاين تخلوا عنه بعد موسمٍ واحدٍ فقط (2001-2002)، ما جعله يواصل تكوينه ضمن أندية صغيرة على غرار "هيروفيل" من 2002 إلى 2004، و"مونفيل" من 2004 إلى 2007، قبل أن يستعيده نادي كاين في صيف 2007، ليضمه لصفوف فريق الرديف ثم للفريق الأول بداية من موسم 2008- 2009.
وشارك يوسف العربي في أول مباراة له كلاعب محترف يوم 20 ديسمبر/كانون الأول 2008 حيث دخل كبديل لزميله الأرجنتيني بابلو باربوزا في الدقيقة الـ77 من مواجهة نادي ليون لحساب دوري الدرجة الأولى الفرنسي.
واكتفى العربي بخوض 3 مباريات في موسم 2008 – 2009 الذي انتهى بسقوط نادي كاين إلى دوري الدرجة الثانية، لكن المهاجم العربي انفجر في الموسم الموالي (2009 -2010) حيث فرض نفسه ضمن التشكيلة الأساسية لفريقه، مسجلاً 13 هدفاً وصانعاً 8 أهداف أخرى في 37 مباراة رسمية، ومساهماً بذلك في عودة نادي كاين إلى دوري الدرجة الأولى.
وواصل العربي تألقه في موسم 2010- 2011، حيث سجل 17 هدفاً وقدم 4 تمريرات حاسمة، ما جعله أحد نجوم الدوري الفرنسي، فجلب انتباه بعض الأندية الأوروبية الكبيرة، التي سعت لانتدابه على غرار فالنسيا الإسباني وجنوى الإيطالي ومارسيليا الفرنسي، لكن اللاعب المغربي فاجأ المتتبعين بالرحيل نحو نادي الهلال السعودي في أكبر صفقة في تاريخ انتقالات اللاعبين لنادي كاين، قدرت قيمتها بـ7.5 مليون يورو، وبراتب ضخم يقدر بنحو 3 ملايين يورو سنوياً.
اختار منتخب المغرب دون تردد
أفضل أن أتوقف هنّا وسأعود إلى المسار الاحترافي ليوسف العربي مع الأندية، بعد التطرق باختصار لمشواره الدولي.
وبخلاف معظم اللاعبين الدوليين المغاربة المولودين بفرنسا فإنّه لم يسبق ليوسف العربي حمل قميص المنتخبات الفرنسية للفئات الصغرى، وقد يكون السبب في ذلك اكتفاء الفتى في صغره باللعب ضمن أندية صغيرة، مثلما أشرنا إليه في بداية المقال.
ولكن ورغم هذا السبب الموضوعي فإنّ قلب اللاعب العربي كان يميل دائماً نحو بلده الأصلي، مثلما أكده في بداية موسم 2010 -2011، حين سألته الصحافة الفرنسية عن المنتخب الذي يفضل حمل ألوانه، فأجاب دون تردد "منذ صغري وأنا أحلم باللعب مع المغرب".
وقد تزامن ذلك التصريح مع تألق اللاعب في الدوري الفرنسي، بتسجيله لهدفين متتاليين في مرمى ناديي مارسيليا وليون، ولذلك لم يتأخر الاتحاد المغربي لكرة القدم في توجيه الدعوة ليوسف العربي، في عهد المدرب البلجيكي إيريك غيريتس، في شهر سبتمبر/أيلول 2010، حيث دشن مشاركته الأولى مع منتخب "أسود الأطلس" يوم 4 من نفس الشهر بدخوله بديلاً لزميله منير الحمداوي في الدقيقة الـ65ـ لمباراة جمهورية إفريقيا الوسطى لحساب تصفيات كأس أمم إفريقيا 2012.
لكن يوسف العربي انتظر قرابة عام كامل ليسجل هدفه الأول مع منتخب المغرب، وكان ذلك في لقاء ودي أمام منتخب السنغال يوم 10 أغسطس/آب 2011، ثم سجل 14 هدفاً آخر إلى غاية شهر يناير/كانون الثاني 2017، تاريخ آخر مشاركة له مع منتخب بلده، حيث استغنى المدرب الفرنسي هيرفي رونار عن خدماته ولم يمنحه فرصة خوض مونديال روسيا 2018.
وبعد أكثر من سنتين ونصف من الغياب عاد يوسف العربي لصفوف المنتخب المغربي، حيث استدعاه المدرب البوسني وحيد خاليلوزيتش، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2019 لخوض مباراة ودية أمام منتخب موريتانيا ثم عاد لتوقيع الأهداف مع منتخب بلده يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في لقاء ودي أمام السنغال.
وقد قرر المدرب خاليلوزيتش منح فرصة جديدة للعربي مع منتخب المغرب بعدما لاحظ تألقه مع نادي أولمبياكوس اليوناني.
نادي أولمبياكوس هو النادي الحالي ليوسف العربي، وقبل أن نستعرض مساره مع بطل اليونان سنعود إلى المحطة التي كنّا قد توقفنا فيها عند الحديث عن المشوار الاحترافي للنجم المغربي، ونعني بها نادي الهلال السعودي.
كان قريباً من جنوى الإيطالي قبل الرحيل نحو السعودية
وكما قلت، من قبل، فإنّ رحيل يوسف العربي نحو الدوري السعودي قد فاجأ المتتبعين والنقاد الرياضيين، وقد اتهمه البعض بتفضيل الجانب المادي على حساب مستقبله الرياضي، وهو الأمر الذي نفاه اللاعب شخصياً موضحاً في تصريح لجريدة "ليكيب" الفرنسية، يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 2011، سبب هذا الاختيار المفاجئ.
وقال اللاعب المغربي في تصريحه للصحيفة الرياضية الفرنسية: "بكل صراحة لقد شعرت بخيبة أمل، سجلت 17 هدفاً وأنهيت الموسم كثالث أفضل هداف في الدوري الفرنسي ولكن دون أن أتلقى أي عرض جدي، فبعض الأندية كانت تريد انتظار الأسبوع الأخير للميركاتو للتحرك بحيث كانت تأمل في تخفيض نادي كاين لقيمة انتقالي".
وتابع مبرزاً قصة فشل صفقة انتقاله لنادي جنوى الإيطالي: "لقد كانوا ينتظرون بيع بعض اللاعبين لكي يتمكنوا من ضمي لصفوف النادي، وكانوا يريدون أن أوقع على عقد مبدئي لكني رفضت، فباشرت التحضيرات للموسم الجديد رفقة فريق كاين في انتظار المستجدات، لكن لم يكن هنالك أي جديد، ولذلك لما اتصل بي نادي الهلال استمعت للمشروع وقلت نعم".
وعلى الرغم من تعاقده لمدة 4 سنوات مع الهلال، إلّا أنّ يوسف العربي اكتفى بخوض موسم واحد فقط رفقة النادي السعودي ( 2011-2012) توج خلاله بلقب كأس ولي العهد، دون أن يسجل أي هدف في 5 مباريات، في حين وقع على 12 هدفاً في الدوري السعودي و4 أهداف في دوري أبطال آسيا.
الهداف التاريخي لنادي غرناطة الإسباني
وعاد العربي إلى أوروبا في يوليو/تموز 2012، من بوابة نادي غرناطة الإسباني الذي تعاقد معه لمدة 4 أعوام، مقابل 5 ملايين يورو، في أغلى صفقة في تاريخ النادي الأندلسي.
وترك يوسف بصمته في الدوري الإسباني لكرة القدم، بتسجيله 44 هدفاً في 4 مواسم، وتنصيب نفسه كهداف تاريخي لنادي غرناطة في مسابقة "الليغا"، مُحطماً بذلك رقم أسطورة الفريق، إنريكي بورتا، الذي سجل 34 هدفاً ما بين سنتي 1968 و1975.
ألقاب جماعية وفردية مع الدحيل القطري
وعاد يوسف العربي ليصنع الحدث مجدداً في سوق انتقالات اللاعبين، بمغادرته نادي غرناطة في صيف 2016، نحو نادي لخويا القطري في صفقة انتقال حر، بعد نهاية عقده مع الفريق الإسباني.
وبرّر النجم المغربي تفضيله عرض النادي القطري بدل البقاء في أوروبا لرغبته في نيل الألقاب المحلية والتتويج بجائزة هداف دوري نجوم قطر والفوز بلقب دوري أبطال آسيا.
وفعلاً لم يتأخر المهاجم المغربي كثيراً في تحقيق أول طموحاته مع لخويا من خلال نيل السوبر القطري (كأس الشيخ جاسم) في شهر سبتمبر/ أيلول 2016، بعد تسجيله أحد هدفي الفوز على نادي الريان (2-0)، كما تُوج في موسمه الأول ( 2016-2017) بلقب دوري نجوم قطر، ثم بنفس اللقب في موسمه الثاني (2017-2018)، وبكأس قطر في عام 2018، إضافة لجائزة أفضل هداف في الدوري القطري عامي 2017 برصيد 24 هدفاً، و2018 بمجموع 26 هدفاً.
ويبقى الطموح الوحيد الذي لم يحققه يوسف العربي مع نادي لخويا (الذي تحول اسمه في عام 2017 إلى نادي الدحيل) هو عدم التتويج بلقب دوري أبطال آسيا لكرة القدم، على الرغم من مشاركته في 3 نسخ متتالية من المسابقة، في مواسم (2016- 2017 ) و(2017-2018) و(2018- 2019)، والتي سجل خلالها 16 هدفاً في 19 مباراة.
ويبدو أن يوسف العربي اعتاد على الترحال بين أوروبا والخليج العربي، حيث قرر مرة أخرى العودة إلى أوروبا بعد نهاية عقده مع نادي الدحيل في صيف 2019 ليحط الرحال بنادي أولمبياكوس اليوناني الذي تعاقد معه لمدة سنتين مع بند إمكانية التجديد لسنة أخرى.
والآن وبعدما أكد العربي على علو كعبه في الدوري اليوناني وبعدما أصبح "ملكاً" في بلاد الإغريق، فإنه من المنطقي جداً أن يباشر نادي أولمبياكوس المفاوضات مع نجمه المغربي لتفعيل بند تجديد العقد لموسم آخر مع الرفع من راتبه السنوي.. ليستمر بذلك مشوار اللاعب الاحترافي في أوروبا في انتظار، ربما، العودة مستقبلاً إلى الخليج العربي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.