يمتلك الأطفال دقة ملاحظة عجيبة، وعقلاً صغيراً يريد أن يتعرف على كل شيء من حولة بسرعة رهيبة، وخلال تربيتهم يواجه الآباء الكثير من الأسئلة التي يقفون عاجزين عن الإجابة عنها في أحيان كثيرة: ماما، ما هو الله؟ أين هو؟ لماذا لا أراه؟ كيف يرانا هو؟ جدتي تقول إن الله يسمع ويرى كل الخلائق، فكم أذن له ليسمعها جميعها؟ وكيف يرى كل المخلوقات في كل مكان على الأرض في البر والبحر والسماء؟ من خلق الله يا أبي؟ هل الله يشبهنا؟.. إلخ.
سلسلة من الأسئلة لا تنتهي، وما إن يجيب الوالدان عن سؤال حتى يتوالد غيره على لسان الطفل. فكيف نجيب عن أسئلة الطفل؟ وهل ترانا نعلم الإجابات عن كل سؤال يسأله؟ فماذا نفعل إن كنا لا نعرف؟ وإذا كنا نعتقد أن في معرفة الطفل للجواب خطراً عليه، كيف نتصرف؟
هل نقمع الطفل؟ هل نصرخ به؟ هل نأمره ألا يعاود السؤال لأن ما يسأل عنه حرام أو لا داعي لأن يعرفه الآن في هذا العمر المبكر؟ هل نكذب عليه ونجيبه بأي شيء يسكته الآن بحجة أنه سيكبر ويدرك بنفسه كل شيء؟ هل نتهرب من سؤاله ونشتت انتباهه لأي شيء آخر، ونعلمه بالتالي الخشية من طرح أية أسئلة مستقبلية؟
التعلم غريزة، والسؤال عن الإله فطرة، فلا بد أن يكون الآباء الملجأ الآمن لصغارهم حتى يتعلموا ويدركوا ويتطوروا ليوفر لهم ذلك حماية فكرية من الضلال والأفكار الهدامة.
فإذا لم يُجب الآباء الآن تحت أي حجج كانت، سيفقد الطفل مصدراً مهماً للثقة والمعرفة وهو الأهل، وعندما يكبر سيلجأ إلى مصادر شتى بعضها سمين وكثير منها غثٌّ ليستقي المعرفة التي يتوق لها بعيداً عن الأهل، وحينها لا نعلم أين سيصل به الحال أو ما هي الاعتقادات التي سيتبنَّاها إذا لم يؤسس الأهل لهذه الاعتقادات منذ الطفولة عبر الإجابات المقنعة عن أسئلة الطفل.
هناك استراتيجية لا بد من أن نأخذها بعين الاعتبار ونحن نجيب عن أسئلة الطفل، وهي:
1- الصدق، فلا تعطيه معلومات خاطئة أبداً، حتى وإن كنت لا تعرف.. قل له بوضوح إنك تجهل الجواب، ولكنك ستقرأ عنه وتجيبه لاحقاً.
2- المناقشة، وذلك بتبسيط الأمر وضرب الأمثلة وتوجيه أسئلة أخرى للطفل حول موضوع السؤال.
3- سؤاله عن رأيه الشخصي في الموضوع الذي يستفسر عنه. زوده ببعض المعلومات وحاول أن تقوده لتفكير منظم.
4- دفعه للبحث والتعلم بنفسه، عبر القراءة والاستكشاف وإجراء بعض التجارب البسيطة.
فإذا أصر الطفل مثلاً على عبارة "أين هو الله؟ لماذا لا أراه؟" نستطيع أن نقول له: دعنا أولاً نتفق على شيء، هل الله موجود؟ نأخذ رأي الطفل ونناقشه في رأيه، وبغض النظر عن جوابه، نبدأ باستحضار الأدلة التي تثبت وجود الله وتؤكد على عظيم صنعه. فنقول له مثلاً: هل ترى البحر الكبير جداً، هل يستطيع أن يتواجد من تلقاء ذاته؟ هل يمكن لبشر أن يصنع مثل هذا البحر دون أن يهيج فيُغرق من يسكن بالقرب منه؟ كيف نجد مخلوقات تعيش داخله فلا تغرق وأخرى إن عاشت داخله غرقت وماتت؟ من الذي خلق لكل صنف من تلك المخلوقات ما يهيئها للعيش في المكان الذي تعيش فيه؟ من الذي هيأ الطيور كي تطير؟ هل رأيت سرب الطيور كيف تحلق وتدور في السماء معاً وقريبة جداً من بعضها دون أن تتصادم ؟ هل يستطيع بشر أن يخلق شيئاً بمثل هذه الدِّقة؟
ونستطيع أن نطلب منه أن يفعل شيئاً يتقنه، فإذا أخطأ واضطر لأن يعيد الكرَّة أو يمحو أو هكذا ندلل له على أن البشر يخطئون وبالتالي يكون صنيعهم غير كامل، بينما صنع الله كامل لا يشوبه نقص. وهكذا نستطيع أن نسوق له الكثير من الأمثلة الحية التي تؤكد وجود الله وعظمته.
وإذا أصر على قضية رؤية الله نخبره أن الله لا يراه إلا المؤمنون فقط وذلك جائزة لهم على حسن إيمانهم به وعبادتهم له وتقربهم منه في الدنيا، وأن الله لا يمكن للبشر رؤيته في الحياة الدنيا.. إنما يكون ذلك في الآخرة بعد الموت، ونطلب منه أن يتقرب من الله ويحسن إيمانه به حتى يكرمه الله برؤيته في الآخرة.
أود إضافة ملاحظة مهمة جداً للآباء: عندما تتحدثون عن الله لأطفالكم، لا تهددوهم بعذاب الله والحرق بالنار إن ارتكبوا خطأً، فترتبط صورة الله في أذهانهم بالعذاب والنار.. بل حببوهم به وفعل ما يرضيه والسكينة التي تدخل القلب من التقرب له، وذكروهم بجنته ونعمه التي لا تُحصى إن هم اختاروا فعل الشيء الصحيح الذي يُرضي الله.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.