أتتني صديقتي شاكية: طفلي عمره الآن ست سنوات يُلح عليَّ بأن ينام معي في غرفة نومي، لأنه يخاف أن ينام مع أخيه في غرفتهما وحيدين، ويختلق الأعذار للبقاء معي. وأخرى جاءت تندب حظها: طفلتي عمرها ثماني سنوات تخاف جداً من الحشرات الطائرة، وتصاب بالهلع إن رأت صرصوراً أو ذبابة كبيرة الحجم أو عنكبوتاً يتأرجح في خيوطه في سقف الغرفة. وتلك روت لي أن طفلها عمره عشر سنوات يخاف أن يخرج من البيت ليلاً وحده، فإن لم يكن والده معه لا يذهب لصلاة العشاء في المسجد.
وأخرى قالت: طفلتي عمرها أربع سنوات، تخاف أن تغلق باب الحمام على نفسها بل تبقيه موارباً، طفلي عمره خمس سنوات يخاف من أشباح الليل ويرفض إلا أن ينام بوجود ضوء قوي في الغرفة، طفلتي عمرها سبع سنوات تخاف من صوت الريح والمطر في الشتاء لأنها تتخيل وجود لصوص ووحوش في الخارج… إلخ من الشكاوي التي لا تنتهي والتي يعبر الآباء من خلالها عن خوف أطفالهم من أشياء بسيطة، أو غير موجودة أصلاً أو لا تحمل خطراً في وجودها.
فقلت لها الخوف سمة غريزية أودعها الله في مخلوقاته لحمايتها من المخاطر المحتملة، ففي المواقف الخطرة تتغير تصرفات المخلوق بشكل سريع، فيعدو هارباً من المكان وتزداد سرعة ضربات قلبه ويزداد تعرقه وتنساب طاقة هائلة داخل جسمه تساعده في الدفاع عن نفسه بسبب انسياب الأدرينالين في دمه والذي يسمى بهرمون الخوف أو الخطر. وهذه التغيرات تساعد المخلوق في الهرب من الخطر والابتعاد عنه.
يبدأ الأطفال عادةً بالتعبير عن خوفهم في نهاية الشهر الرابع من العمر، فنرى الطفل يضطرب لدى رؤيته للغرباء ويلجأ لحضن والدته ويتمسك بها عند وجود أناس لم يعتد رؤيتهم. تتميز مرحلة الطفولة بخيال خصب، لهذا نلاحظ أن الخوف لدى معظم الأطفال يتولد من أشياء متخيلة غير موجودة أصلاً كالأشباح والوحوش وغيرها، أو نتيجة تضخيمه لأشياء بسيطة موجودة كأن يتصور حزام ثوبه الملقى على الأرض بأنه أفعى، وفي الغالب لا يكون هناك أساس لخوفه، ما يدفعه إلى البحث عن الأمان في حضن والديه.
ولأسلوب التربية أهمية كبيرة في تنشئة طفل يثق بنفسه ويعرف كيف يتعامل مع المواقف الصعبة بشجاعة بدلاً من الخوف والهروب، وفي تعليمه الجرأة وتقليل ارتباطه بوالديه. وفي الوقت ذاته فإن أسلوب التربية الخاطئ هو ما يغرس الخوف والرعب والتردد في نفسه. حيث تتبِّع بعض الأسر أساليب متعددة من التخويف بهدف تطويع الطفل، ولا ينظرون لأبعاد خطورة ما يقومون به إلا عندما يشب الطفل وهو مهزوز الشخصية لا يثق بنفسه.
أسباب الخوف
• الحماية الزائدة من قبل الوالدين: ويتجلى في عدم سماح الوالدين للطفل بالتعامل مع الحياة وصعوباتها، ومحاولتهما المستمرة لحمايته من كل شيء، بدلاً من إعطائه الفرصة لخوض التجارب الحياتية التي يتعلم منها.
• إصابة الطفل بمرض قد يزرع لديه الخوف من المرض أو الدواء، أو المستشفى… إلخ، والذي يرافقه في أحيان كثيرة التدليل الزائد وتوفير الحماية الزائدة ما يعزز من ظهور الخوف، كما قد يغير من أسلوب الطفل في التعامل مع الآخرين وظهور سلوكيات غير سوية.
• مشاهدة المشاهد المرعبة في الأفلام أو الأخبار أو رؤيته لتعرض غيره من الأطفال للأذى والعقاب: وقد لا ينتبه الوالدان لذلك، وفي الغالب لا يظهر الطفل الخوف في الحال، ولكن ينعكس الخوف من خلال سلوكياته التي تظهر لاحقاً كالخوف من النوم وحيداً، أو حدوث كوابيس ليلية يستيقظ الطفل منها فزعاً، أو تضخيم الأشياء وتخيل الأشياء المرعبة.
• سرد القصص المرعبة على مسمع الطفل والتي تزرع في نفسه الخوف مثل قصص الغول، وأبو رجل مسلوخة، وشيخ المطر وغيرها من الشخصيات المخيفة التي تظهر في القصص الشعبية.
• الخوف من الحشرات والحيوانات والزواحف: يظهر الخوف منها معتمداً أسلوب الوالدين في التعامل مع هذه الأشياء أمامه، حيث يحاكي الطفل دائماً ردة فعل الآخرين في استجابتهم للمواقف المختلفة، فإذا كان الوالدان يتعاملان مع هذه الأشياء بشكل طبيعي ولا يعطيانها اهتماماً كبيراً فالغالب أن الطفل سيتعامل معها بالصورة نفسها، والعكس صحيح أيضاً.
• الأذى الجسمي واللفظي للطفل: وهو يتجلى في عقاب الطفل المبالغ فيه بالضرب والتوبيخ والشتم والاستهزاء والحبس وحيداً في مكان منزوٍ أو معتم، وهذه الممارسات تُفقد الطفل ثقته بنفسه، وتعزز ظهور الخوف لديه واستمراره معه.
• رؤية الطفل لحدث مخيف ومؤلم في طفولته يبقى أحياناً كثيرة عالقاً في ذهنه حتى يكبر كأن يشاهد حادث سير سيئاً، أو سقوط طفل من سطح عمارة، أو حادث غرق أو قتل… إلخ.
• الخلافات الأسرية أمام الطفل، عادة ما تنعكس على سلوكياته ومنها الخوف الدائم.
• ولادة طفل للعائلة: من أخطر المشاكل التي لا يعيرها الآباء اهتماماً هي الانعكاسات النفسية لولادة طفل جديد على الطفل الأكبر، فالطفل حساس بطبيعته، فهو يعتقد أن الطفل القادم سيسلبه اهتمام والديه، ما يؤدي إلى ظهور الخوف الشديد عليه والرغبة الزائدة في الارتباط بالوالدين، وقد تنعكس بأشكال سلوكية أخرى مثل التبول الليلي وغيره.
• مرض أحد الوالدين قد ينعكس على الطفل من خلال الخوف من موته.
وللتعامل مع خوف الطفل خطوات مهمة لا بد من الانتباه لها ومراعاتها:
- تقبَّل الطفل وتفهم خوفه بشكل منطقي وطمئنه وادعمه وأشعره بالحب والحنان عندما يشعر بالخوف، فسلوكك هذا يساعده في التخلص من خوفه.
- شجع الطفل ليحكي بكلمات واضحة ومن دون بكاء عما يخيفه واسأله عن السبب.
- فسِّر لطفلك أنه لا داعي للخوف أو القلق فالمكان آمن، وأنه إذا كان هناك خطر حقيقي فإنك إلى جانبه وستساعده.
- لا تتفاعل مع خوف الطفل، أو أن تتظاهر بأنك تحاول حمايته منه، فذلك يعزز من الخوف لديه ويزيد من إيمانه بوجود مبرر له.
- أظهر تعاطفك معه وتحدث إليه كشخص يستطيع الفهم وناقشه فيما يخاف منه وأكد على عدم وجود مبرر للخوف.
- ابتعد عن التوبيخ والضرب أو وصفه بأوصاف سيئة كالنذالة مثلاً. وانتبه ألا تستخف بمخاوفه ولا تسخر منها، وإلا فإنك ستفقد ثقته بك.
- أبعده عن الأفلام العنيفة أو الألعاب والحكايات المرعبة.
- تأكد من أن خوف الطفل فعلاً غير مبرر وأن الطفل لا يتعرض حقيقة لأي أذى داخل المنزل أو في أي مكان يذهب إليه بعيداً عن البيت دون أن يكون لك علم به.
ملحوظة هامة: الأطفال الذين يتعرضون لاعتداء جنسي عادة ما يظهر عليهم آثاره على شكل خوف زائد من أشياء غير مبررة وكوابيس ليلية. لهذا تحقق من الموضوع بهدوء وروية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.