أكدت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية، السبت الماضي، حصول المرشح الديمقراطي جو بايدن على غالبية أصوات المجمع الانتخابي بعد إعلان نتائج انتخابات ولاية كاليفورنيا بشكل رسمي، وهو التأكيد الذي كانت له أصداء على بعد نحو 9 آلاف كيلومتر تحديداً داخل أروقة وزارة الدفاع المصرية في القاهرة، فبايدن الذي استهل ترشيحه على قوائم الحزب بتوجيه انتقادات لاذعة لملف حقوق الإنسان في مصر في 16 يناير الماضي على خلفية وفاة مصطفى قاسم، الأمريكي – المصري المحتجز منذ أحداث 2013، كان قد عاد وهاجم مصر في يوليو على خلفية حادثة مماثلة. وحقيقة فقد أولى بايدن اهتماماً خاصاً بملفات حقوق الإنسان بشكل عام، وهو ما دفعه لاختيار الدبلوماسي الحقوقي أنتوني بلينكن لشغل منصب وزير خارجيته.
بلينكن -الذي وصفه موقع ميدل إيست آي البريطاني بالحقوقي- انتقد بشدة تعامل القاهرة مع مسؤولي المبادرة المصرية، وتعهّد بأن تمارس الإدارة القادمة مزيداً من الضغوط على القاهرة. وبالنظر لتاريخ العلاقات بين البلدين يمكننا تحديد تلك الضغوط الأمريكية والتي عادة ما تتمحور حول الجوانب العسكرية. وهو ما دعى البعض للحديث عن مستقبل المعونة الأمريكية لمصر، فمنذ معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في عام 1979 استقبل الجيش المصري تدفقات كبيرة من المعونات العسكرية الثابتة سنوياً عند رقم 1.3 مليار دولار، والتي تُشكل أكثر من خُمس الميزانية العسكرية المصرية المقدرة في عام 2004 بـ5.2 مليار دولار تقريباً.
لكن المعنيين بالشأن العسكري المصري كانت لهم تخوفات أخرى، حيث إنه رغم رفع موازنة الدفاع المصرية لنحو 11.2 مليار دولار للعام الجاري والمحاولات المصرية لتنويع مصادر السلاح، فإن الجيش لا يزال يعتمد بشكل كبير على قطع غيار السلاح الأمريكية التي تصل له عبر المعونة؛ لأن نصف أسلحة الجيش أمريكية الصنع، وعادةً ما تلجأ الولايات المتحدة الأمريكية للضغط على المؤسسة العسكرية المصرية باعتبارها القوة الوحيدة القادرة على تنفيذ تطلعاتها وتعديل اتجاهات الساسة عبر تعطيل تسليم قطع الغيار أو الذخيرة أو عمليات الصيانة. كما حدث قبل نهاية عام 2013 حين مارس الكونغرس الأمريكي ضغطاً على البيت الأبيض لتعطيل تسليم قطع غيار دبابات M1A1 Abrams وصواريخ هاربون.
ولا يزال العقل الجمعي للعسكرية المصرية يذكر جيداً حادث مارس 2014 حين أقدمت إدارة أوباما – بايدن على رفض رد عدد 10 مروحيات أباتشي كانت قد أرسلتها مصر للصيانة، وبررت الرفض بوجود انتهاكات متزايدة من قبل السلطات في القاهرة لحقوق المعارضين والحريات السياسية. ومن العجيب أن يعود بايدن للبيت الأبيض بعد أكثر من ست سنوات من الواقعة، وقد أرسلت القاهرة جميع مروحيات الأباتشي الـ43 للولايات المتحدة لتخضع لعملية صيانة وتحديث وترقيتها جميعاً للمعيار الأحدث AH64-E .
حقيقة إن وقف بيع أو تحديث الأباتشي أو حتى تعليق تسليمها ليس أشد ما يثير قلق الجيش المصري، إذ إن الأمر تلك المرة قد يكون أشد خطورة بخاصة عند الحديث عن القوات البرية والجوية لكونهما الأكثر انكشافاً داخل الجيش المصري على الأسلحة الأمريكية. فطبقاً لموقع جلوبل فاير باور يملك الجيش المصري نحو ما يزيد على 4000 دبابة قتال رئيسية يحتل بها المركز الرابع عددياً بين جيوش العالم.
وبنظرة شاملة يمكننا القول إن دبابات الجيش المصري تنقسم لشقين رئيسيين: أولاً دبابات سوفييتية متقادمة تنتمي أغلبها للجيل الأول والثاني ولم تعد تصلح للعمل في ميادين قتال حقيقية ويستعد الجيش لإخراجها من الخدمة نظراً لضعف تدريعها وقوتها النيرانية وتخلف إلكترونياتها، وهي بواقع 800 دبابة T55 و425 دبابة رمسيس 2 وهو التطوير المصري للدبابة السوفييتية تي 54، وكلاهما تنتميان للجيل الأول، وقد خرجت من الخدمة في أغلب جيوش العالم. بالإضافة لـ600 دبابة T62 اشتركت في حرب أكتوبر وهي تنتمي للجيل الثاني. كما تمتلك مصر 34 دبابة من طراز T80 الروسية تستخدم كمركبات قيادة للدبابات السوفييتية القديمة التي تم تطويرها.
ودبابات أمريكية بواقع 1700 دبابة إم 60 باتون تنتمي للجيل الثاني تعد مصر أكبر مشغل لها في العالم وتوصف هذه الدبابة بالانتحارية، لأن طاقمها يلقى مصرعه بمجرد إصابتها بصاروخ مضاد للدروع. وكانت شركة Raytheon الأمريكية للأنظمة الدفاعية قد قدمت عام 2017 برنامجاً لصالح تحديث الدبابة العاملة بالجيش المصري، كما قدمت شركة جنرال دايناميكس عرضاً مماثلاً، إلا أن الكونغرس الأمريكي لم يقر الصفقة. أخيراً تبرز دبابة الابرامز باعتبارها الدبابة الوحيدة بحوزة الجيش المصري التي تنتمي للجيل الثالث، حيث يتم تصنيعها محلياً برخصة من شركة جنرال دايناميكس داخل مصنع 200 الحربي منذ عام 1992 ووصل نسبة المكون المحلي فيها لـ90%.
وتجدر الإشارة إلى أن ما تنتجه مصر هو الإصدار الأول من تلك الدبابة والتي خضعت للعديد من التحديثات لتلافي عيوبها المتمثلة في الاستهلاك العالي للوقود واحتمالية العالية للأعطال نتيجة الرمال والغبار والحرارة العالية الصادرة منها ما يجعلها واضحة ليلا، وهو ما دفع مصر منذ عام 2000 لتقديم طلب لترقية أسطولها للمعيار M1A2 لتلاشي تلك العيوب، وهو ما قوبل برفض من الإدارات الأمريكية المتعاقبة. حيث لا يزال يعتمد المصنع على استيراد الأبراج والمحرك من الولايات المتحدة وهو ما أدي لتوقع إنتاج المصنع لثلاث سنوات نتيجة لمنع الولايات المتحدة المكوّنات عن مصر بعد أحداث 30 يونيو وتم استئناف الإنتاج في أكتوبر 2015.
إن كان ذلك الحال في سلاح المدرعات فهو بلا شك أفضل حال من القوات الجوية. حيث تعد القوات الجوية المصرية الأكبر حجماً إقليمياً وقارياً بأكثر من 1000 طائرة، بواقع 293 مروحية و388 طائرة تدريب و59 طائرة شحن جوي و490 مقاتلة. من بين مقاتلات الجيش المصري نجد 33 طائرة ميج 21 من مقاتلات الجيل الثالث، 82 طائرة ميراج 5 وهي أيضاً تنتمي للجيل الثالث، و60 مقاتلة من طراز شنغدو جيه-7 وهي النسخة الصينية من ميج 21، وجميعها مقاتلات يستعد سلاح الجو المصري لإخراجها من الخدمة قريباً.
كذلك نجد في سلاح الجو المصري 220 مقاتلة F-16 تمثل العمود الفقري للقوات الجوية المصرية وهي تتكون من 42 طائرة F-16 بلوك 15، 40 مقاتلة بلوك 32، جميعها من الجيل الرابع وهي وإن تم تزويدهما بإلكترونيات من بلوك 40 إلا أن البنتاغون أصر على أن تحتفظ براداراتها ومحركاتها القديمة، كذلك 138 مقاتلة F-16 بلوك 40 من مقاتلات الجيل الرابع وجميعها مقاتلات متقادمة يعود تاريخ دخول بعضها في الخدمة لدى سلاح الجو المصري لمارس 1982 وهي تفتقر للتحديثات المطلوبة، وهو ما أدي لسقوط نحو 23 طائرة منهم، وأخيراً 20 طائرة F-16 بلوك 52 تنتمي للجيل الرابع+.
لم يقتصر التعنت الأمريكي عند هذا الحد، بل إن الإدارات الأمريكية المتعاقبة أصرت جميعها على حرمان F-16 المصرية من حيازة أسلحة نوعية قد تجعلها نداً بشكل ما لنظيرتها الإسرائيلية.
فقد تم حظر تزويد المقاتلات المصرية بعدد كبير من الصواريخ والقنابل الحديثة مثل صواريخ AIM-120 AMRAAM وهي صواريخ جوجو خارج مدى الرؤية تصل سرعتها لـ4 ماخ ومداها لـ180كم، كذلك عائلة قنابل جدام JDAM وهي ذخائر الهجوم المباشر المشترك من GBU-31/32/38/54 والتي يصل مداها الى 28 كم، أيضاً صواريخ HARM جو-أرض تكتيكي عالي السرعة المضادة للرادار وحواضن التشويش الإلكتروني. بالإضافة إلى قنابل القطر الصغيرGBU-39 SDB زنة 129 كغم الخارقة التحصينات ويصل مداها على 110 كم.
أما ما يمكن تسميته بالمقاتلات فعلياً في سلاح الجو المصري فهي 20 مقاتلة Mirage-2000-5 وهي طائرة متعددة المهام تنتمي للجيل 4+، وهي نفس الطائرة التي تسعى حالياً دولة الإمارات لإخراجها من الخدمة بغية تحديث أسطولها. كذلك يضم سلاح الجو46 مقاتلة MiG-29M/M2 وهي مقاتلة متعددة المهام من الجيل 4++ وهي النظير الروسي لمقاتلات الفالكون الأمريكية. وقد نجحت الطائرة في إدخال ذخائر جديدة للخدمة في الجيش المصري تناهز تلك الأسلحة العاملة على طائرات F-16 الإسرائيلية وإن كانت أقل منها تقنياً، لكن لم تتضمن المقاتلة رادار مصفوفة المسح الإلكتروني النشط Zhuk-AE، بل رادار دوبلر نبضي طراز Zhuk-ME حيث أعلن الروس رسميا أن الرادار الجديد غير جاهز حتى الآن وهو ما يحد من قدرات الطائرة كثيراً، بالإضافة لعيوب في المحرك أدت لسقوط طائرتين خلال فترة خدمتها القصيرة في مصر والتي لم تتجاوز أربع سنوات.
كذلك نجد 24 طائرة Rafale "DM-EM" والتي تعد حالياً درة تاج سلاح الجو المصري وهي مقاتلة متعددة المهام 4++ أضافت للقوات الجوية المصرية قدرات كبيرة في مجال التشويش الإلكتروني بفعل منظومة سبكترا العاملة عليها والتي تعد ثاني أفضل منظومات للحرب الإلكترونية على المقاتلات في العالم بعد تلك العاملة على F-35 الأمريكية.
إلا أن الجيش المصري فوجئ بتعنت فرنسي في تسليح الطائرة حيث رفضت فرنسا بيع مصر أكثر من 50 صاروخ جوال من طراز سكالب وكذلك امتنعت عن بيع أي صاروخ جوجو ميتيور، وهو النظير الأوروبي لصاروخ AIM-120 AMRAAM بحجة وجود مكون أمريكي في الصاروخ، وهو ما حرم مصر من المزايا الحقيقية للمقاتلة.
أيضاً نجد 5 مقاتلات Su-35S وهي مقاتلات هيمنة جوية 4++ وهي الأولى من نوعها التي تنضم لسلاح الجو المصري الذي لم يكن يملك أي مقاتلة هيمنة جوية، وتعد مقاتلات Su-35S المنافس الروسي للمقاتلة الأمريكية F-15، وقد تعاقدت القاهرة 2018 على 30 طائرة منها يُنتظر وصولها فعلياً لمصر بحلول نهاية 2021.
إلا أنه بمجرد تسريب خبر التعاقد خرج وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ووزير الدفاع آنذاك مايك بنس ليدعوان وزير الدفاع المصري للتراجع عن الصفقة وإلا ستكون القاهرة تحت طائلة قانون "كاتسا" والذي أقرته إدارة ترامب في 2017 ويهدف لفرض عقوبات على الدول التي تقوم بشراء السلاح الروسي عالي التقنية، وهو ما ينطبق أيضاً على مفاوضات القاهرة مع موسكو لحيازة 400 – 500 دبابة روسية حديثة من طراز T90-SM عبر إقامة مصنع لتجميعها محلياً، وهو المشروع الذي توقف ربما نتيجة للضغوط الأمريكية أو لاكتشاف القاهرة ضعف تدريع الدبابة الروسية وتفضيلهم انتظار تطوير دبابة الجيل الرابع أرماتا T14.
وبغض النظر عن التهديد الأمريكي فإن حيازة القاهرة لتلك الدبابات أو المقاتلات الروسية لا يجعلها أبداً نداً لجيوش المنطقة المتخمة بطرازات من الدبابات هي الأحدث في الجيل الثالث وطائرات الجيل الخامس وطائرات الهيمنة الجوية.
وختاماً فإن المؤسسة العسكرية المصرية تدرك أن السياسة الخارجية الأمريكية لا يضعها الرئيس؛ إنما تضعها المؤسسات السيادية، وتدرك أيضاً مدى انكشافها على الأسلحة الأمريكية إذ إن الهيكل العسكري والتسليحي للجيش منذ 1979 قد تم تأسيسه على المنهاج الأمريكي، كما تدرك مدى فداحة استبدال ذلك الهيكل اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً.
فأمريكا لا تزال تمسك بأغلب الأوراق الفاعلة في المنطقة كما أنها تتحكم في جميع المؤسسات التمويلية الدولية والتي باتت القاهرة تلجأ إليها كثيراً مؤخراً لتوفير احتياجاتها من العملات الصعبة. لذلك فقد يطالب الجيش القيادة السياسية بشيء من الانفتاح في ملف الحريات تجنباً لضغوط إدارة بايدن خاصة في ظل وجود العديد من النقاط الشائكة بين الجانبين مثل الضربة العسكرية المحتملة لسد النهضة والتدخل المصري المباشر أو غير المباشر في ليبيا وملف التسلح المصري من روسيا وهي الورقة التي قد تناور بها القاهرة إدارة بايدن والتي ستكون حريصة على الحيلولة دون تكرار السيناريو التركي مرة أخرى عندما لجأت تركيا للسلاح الروسي كبديل عن الأمريكي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.