استيقظ أولئك الذين يأملون فيما يشبه الهدوء في الشرق الأوسط في الأيام الأخيرة من رئاسة دونالد ترامب من آمالهم على الاغتيال الوقِح لأكبر عالمٍ نووي إيراني. وعلى الفور ألقى القادة الإيرانيون المسؤولية على إسرائيل في اغتيال محسن فخري زادة الأسبوع الماضي. عادةً لا تنكر إسرائيل أو تؤكِّد هذه الضربات، وتفضِّل الغموض على المساءلة، بينما تعزِّز من غموض أجهزتها السرية، لكن من الصعب تخيُّل أي دولة أخرى تقوم بمثل هذا الهجوم الجريء، والزعيمان المستفيدان أكثر من غيرهما من هذا الاغتيال هما ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو صقرٌ آخر يتحيَّن الفرصة للهجوم على إيران.
أدَّى الاغتيال إلى تصعيد التوتُّرات في الشرق الأوسط بعد شهورٍ من الهدوء النسبي، ويخاطر بتصعيب الأمر أكثر على جو بايدن، للوفاء بتعهُّده بفتح مفاوضات مع إيران، وإعادة العمل بالاتفاق النووي لعام 2015 إذا وافقت طهران على العودة إلى الامتثال الكامل للاتفاق، ويبدو أن ترامب ونتنياهو عازمان على بذل قصارى جهدهما لإفشال فرص الرئيس الأمريكي المُنتَخَب قبل أن يستقر في البيت الأبيض.
ومنذ هزيمته في الانتخابات، كان الخوف في المنطقة هو أن ترامب قد يهاجم إيران أو حلفاءها في ضربةٍ فاصلة من شأنها أن تبدِّد الآمال في إعادة طهران إلى طاولة المفاوضات. وفي الشهر الماضي، نوفمبر/تشرين الثاني، وَرَدَ أن ترامب طَلَبَ من كبار مستشاريه خياراتٍ لضرب المنشآت النووية الإيرانية، قبل إثنائه عن القيام بعملٍ عسكري، لكن إذا أراد نتنياهو ضربةً ضد النظام الإسلامي، فهل من الأفضل القيام بذلك حين لا يزال أحد أكثر الرؤساء الأمريكيين المعادين لإيران والموالين لإسرائيل في السلطة؟
لقد بَذَلَ ترامب بالفعل قصارى جهده لتدمير الاتفاق النووي الذي وقَّعَته طهران مع القوى العالمية، وعَزَلَ إيران بعد الانسحاب الأمريكي أحادي الجانب من الاتفاقية، وفَرَضَ أشد أنظمة العقوبات صرامةً عليها، ومع ذلك فشلت استراتيجية "الضغط الأقصى" الخاصة به.
صحيحٌ أن إجراءات واشنطن دَفَعَت الاقتصاد الإيراني إلى ركودٍ عميق، لكنها أشعلت النار في منطقةٍ متقلِّبة، أدَّت هذه الإجراءات إلى تمكين المُتشدِّدين الإيرانيين ووكلائهم في المنطقة، بينما كشفت نقاط الضعف لدى شركاء الولايات المتحدة في الخليج- السعودية والإمارات.
وفي حين قلَّصَت إيران بشكلٍ كبيرٍ من نشاطها النووي بموجب الاتفاقية، أدَّت تصرُّفات ترامب إلى أن وسَّعَت إيران برنامجها النووي. واليوم صار مخزونها من اليورانيوم المُخصَّب 12 ضعف ما كان عليه قبل أن يتخلَّى ترامب عن الصفقة.
ومع ذلك، ظلَّت إيران في الاتفاقية بدعمٍ من المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا، وهي الأطراف الأخرى المُوقِّعة على الاتفاقية. ومع الاعتراف بالعيوب في الاتفاقية النووية وتبادل الانتقادات حول تصرُّفات إيران، اعتبرت القوى الأوروبية الاتفاقية أفضل أداة لمنع سباق التسلُّح الإقليمي واستخدمت الاتفاقية كمنصةٍ لبناء أيِّ مفاوضات مستقبلية.
أدان الاتحاد الأوروبي اغتيال فخري زادة، ووصفه بـ"العمل الإجرامي"، ويتعيَّن على المُوقِّعين الأوروبيين الآن تكثيف جهودهم الدبلوماسية لخلق بيئةٍ مواتية لتعزيز فرص الحوار بين طهران وواشنطن بمجرد تولي إدارة بايدن السلطة. ولقد تعهَّد النظام الإيراني بالانتقام لمقتل فخري زادة، لكنه يجب أن يتجنَّب الاندفاع نحو الانتقام.
لقد فشلت الاتفاقية النووية في معالجة الكثير من المخاوف الغربية والإقليمية بشأن أفعال إيران الملتوية، من استخدامها الميليشيات إلى الصواريخ، لكنها تقدِّم نقطة انطلاقٍ أفضل بكثير من سنوات ترامب العاصفة، حيث كانت المنطقة تخشى دائماً الدَّفع بها إلى شفا الحرب، أصبحت مهمة بايدن مُعقَّدة للغاية بالفعل. إن هذا الاغتيال الطائش والخطير يعزِّز فقط الحاجة إلى الحوار بين جميع الأطراف.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Financial Times البريطانية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.