تُحسَم المباريات الكبيرة دائماً بأدق وأصغر التفاصيل، تسديدة لاعب أو مهارة من لاعب آخر أو ثبات خط دفاع طوال 90 دقيقة، وغيرها من الأمور التي قد تفوق التكتيك والفنيات والتحضير في مباريات كتلك، ولكن مباراة الأهلي والزمالك مساء اليوم الجمعة لن تتوقف فقط على تلك الأشياء العابرة، بل ستعتمد على نقاط قوة وضعف الفريقين بشكل أساسي.
معادلة رياضية
كشكل مبدئي، نجح الأهلي في التأهل إلى المباراة النهائية على حساب الوداد البيضاوي المغربي بالفوز عليه ذهاباً خارج ملعبه بهدفين دون رد، ثم عاد وحقق عليه الفوز في مباراة العودة بثلاثة أهداف مقابل هدف، بشكل يغلب عليه الاستحواذ على اللعب وصناعة الفرص واللعب بين الخطوط من جانب أفشة والشحات، وبفتح الخط الأيسر من علي معلول الذي يضع الجناح الأيسر مع مروان محسن أو بادجي في منطقة الخصم، كمحاولة دائمة لإدراج الخصم تحت عِبء الشكل الدفاعي.
أما الزمالك فكرر نفس ما فعله الأهلي، حيث حقق الفوز ذهاباً ضد الرجاء المغربي خارج ملعبه بهدف دون رد، ثم عاد وحقق الانتصار في مباراة العودة بثلاثة أهداف مقابل هدف، ولكن بشكل يطبع عليه الجانب الدفاعي المغلق والاعتماد على سرعات بن شرقي على اليسار وزيزو على اليمين في التحولات، ومصطفى محمد عادةً ما يتحرك قبل أوباما بخطوة ليكون الأخير قريباً منه لسهولة التمرير له، كثغرة استغلها الزمالك كثيراً هذا الموسم إذا قرر الفريق اللعب لمصطفى محمد على الأرض.
بأخذ العامل المشترك من طرق لعب الأهلي والزمالك ضد الخصوم الكبيرة مهما اختلفت تفاصيلها التي سنتكلم عنها أيضاً، فسنجد أن النادي الأهلي سيكون الطرف الأبرز في صناعة الفرص من لعب مفتوح والاستحواذ على اللعب، في حين أن نادي الزمالك سيكون رد الفعل وصاحب الهيكلة الدفاعية.
لذا بديهيًا، نقاط قوة الأهلي في الاختراق العمودي في الأعماق الدفاعية للزمالك، لذلك سيستغل الأهلي نقاط ضعف الزمالك من تلك الناحية بشكل أكبر من نقاط ضعف الزمالك بشكل عام، وبديهياً أيضاً نقاط قوة الزمالك في التصدي لتلك المحاولات، واللعب على نقاط ضعف الأهلي في الاختراقات أثناء المرتدات.
نقاط القوة والضعف للفريقين
بتقسيم الملعب إلى 9 أرقام، كل رقم له مدلول خاص، سنجد أن الملعب يحتوي على 9 مربعات، وبتقسيم الملعب طولياً، سنجد أن الملعب يحتوي على ثلاثة أطوال عمودية؛ عمق طولي على اليمين، مثله على اليسار وفي المنتصف، في حين أن كل طول مقسم إلى 3 مربعات؛ وهم المساحة بين ظهير الخصم وجناح الفريق، المساحة على اليمين للاعب الارتكاز، والمساحة بين اليمين والظهير، ومثله في المنتصف للاعب الارتكاز في العمق الآخر، ومثله أيضاً على اليسار بشكل متطابق.
بالنسبة لذلك الشرح، فنقاط الضعف للزمالك هي المنطقة 13 والمنطقة 15، وهما المساحتان على طرفي لاعب الارتكاز طارق حامد، بين بن شرقي وعبدالله جمعة، وبين زيزو وحازم إمام، حتى إنه تمثل تلك المنطقتين عبئاً ثقيلاً على الفريق هجومياً، لأن عبدالله جمعة الركيزة الأساسية أثناء بناء الهجمة للزمالك على سبيل المثال، يضطر دائماً للخروج من مركزه الأساسي والدخول لطرف الملعب الأيسر في الثلث الثاني، ويسقط طارق حامد أمام قلبي الدفاع، ويتطرف منهما قلب الدفاع المائل لليسار للتغطية على عبدالله جمعة.
لذا أهم استغلال ممكن للنادي الأهلي في تلك المنطقتين هو اللعب بمهاجم طرفي قادر على الاستحواذ تحت الضغط الذي سيفرضه لاعبو الزمالك مثل آجاي، لينتج من ذلك أريحية لعلي معلول للتقدم في الأمام لتفريغ مساحة في قلب الدفاع الأبيض حينما يتم جذب دفاع الزمالك ناحية التونسي.
الإفادة من كل ذلك هو أن يتقدم آجاي بدون كرة ليكون أمامه مصدران للخطورة حسب وضعية دفاع الزمالك؛ أن يمرر في العمق للقادم من الخلف مثل أفشة أو بالتمرير العرضي على القائم الأول أو الثاني حسب الوضعية، أو أن يقوم هو بالتسديد إذا أخطأ قلبا الدفاع في تقدير وضعيات التمركز بعد خروجهما من العمق الدفاعي.
لذا أول قرار سيتخذه باتشيكو في النهائي الإفريقي المصري هو إلزام بن شرقي وزيزو بغلق زوايا التمرير أثناء بناء النادي الأهلي للهجمة من الخلف، بل عدم الضغط العالي من الأمام بهدف عدم ترك تلك المساحة، ومحاولة المراقبة اللصيقة لمحمد هاني وعلي معلول عند تحركهما بدون كرة، ومراقبة لاعب الوسط الثاني على يمين طارق حامد لآجاي أو الجناح الأيسر إذا لم يلعب الجناح النيجيري.
الأمر لن يتوقف هنا فقط، بل ستكون معلومات موسيماني على فترات خلال المباراة أن يتم الضغط على طارق حامد من خلال أفشة وعمرو السولية في وضع Man Line Marking، ولعب الكرات الطولية والبنية خلفه بين المساحات الموجودة بين خط الدفاع، خاصةً خلف أحمد عيد وعبدالله جمعة.
أما عن نقاط ضعف النادي الأهلي حسب الشرح السابق، فتتمثل في المنطقة 1 والمنطقة 3، وهي المنطقة بين ياسر إبراهيم ومحمد هاني بشكل أكبر، وبين علي معلول وقلب الدفاع الآخر بشكل أقل، لأن ظهيري النادي الأهلي يتقدمان دائماً، لذا يتطرف قلبا الدفاع للتغطية خلفهما، في حين أن الظهير يحتاج للقوة والسرعة في الارتداد الدفاعي، وهنا تتمثل نقطة ضعف محمد هاني، وبشكل أقل علي معلول، تحديداً عندما يتقدم بسبب المساندة أو Overlap مع الجناح الأيسر.
الفجوة بين ياسر إبراهيم ومحمد هاني ستجبر موسيماني لجعل حسين الشحات جناحاً بأدوار دفاعية للتغطية مع محمد هاني، وبشكل عام، تواجد حسين الشحات حتى في نصف مستواه يجعل الأهلي بشكل أفضل، ليس فقط بسبب أدواره الأساسية في الاختراق القطري ضد الظهير وأريحية الظهير الأيمن للنادي الأهلي، بل لأدواره الدفاعية أيضاً.
في مباراة الأهلي والزمالك الأخيرة في الدوري المصري التي انتهت بثلاثية لهدف لنادي الزمالك، لم يلعب حسين الشحات بسبب الإصابة، والنتيجة هي 12 عرضية للزمالك على اليسار، في حين أنه في نهائي السوبر في دولة الإمارات، لم يتألق المغربي أشرف بن شرقي التألق المعهود، بسبب تواجد حسين الشحات، وأدواره في المساندة لمحمد هاني.
لذا سيستغل باتشيكو تلك الثغرة، خصوصاً في عدم تواجد المالي آليو ديانغ بسبب إصابته بفيروس كورونا، وإرسال الكرات الطولية من ظهيري نادي الزمالك في الوقت الذي لن يتواجد فيه محمد هاني وعلي معلول بسبب الزيادة الهجومية لهما، وهنا يأتي دور المرتدات للزمالك؛ يتقدم زيزو بشكل قطري وبن شرقي بشكل طولي، لاستقبال تلك الكرات، للعب الكرات الهوائية لمصطفى محمد الذي يتميز بها دائماً، أو لوضع دفاع النادي الأهلي بشكل مستمر في وضع 1 ضد 1، وتقدم لاعب آخر من الزمالك لمساندة حامل الكرة في فتح زاوية تمرير أخرى له، لزيادة الخطورة بشكل أكبر، الأمر بأكمله سيتوقف من الزمالك على سرعة الانتشار والتحولات.
التسديد هو الحل
في عام 2014، قام موقع Stats Bomb بكتابة تقرير عنوانه.. "هل التسديد هو أفضل اختيار"، جمع فيه الكاتب إحصائيات من موسمي (2011 /2012 – 2012 /2013) في الدوري الإنجليزي، منها أن اللاعب في حالة استحواذه على الكرة، قرار التسديد لا يكون القرار الأول الذي يفكر فيه، ففي هذين الموسمين، القرار الأبرز الذي اختاره لاعبو الدوري الإنجليزي كان التمرير للعمق، اختاروا التمرير 5728 مرة بنسبة 24%، بينما قرار التسديد تم اختياره 3392 بنسبة 14%، الفكرة هنا أن إجمالي الأهداف التي نتجت عن التسديد بلغت 131 هدفاً بنسبة تسجيل 3.9% فقط.
قرار التسديد بشكل عام كان فعّالاً بشكل كبير في فرق منتصف الجدول، لأنه بكل بساطة أغلب الفرق لا تمثل تلك القوة المبهرة على استحواذ اللعب أو حتى التصدي للهجمات، لذا عندما يتم تسديد الكرة من خارج المنطقة، يكون من الصعب توقع مسارها، وتمثل حلاً فعّالاً للمستضعفين، ولكن مشكلة التسديد تتمثل في بعض الأمور، أهمها عدم امتلاك الغالبية من اللاعبين للدقة المناسبة لتسجيل هدف، بالتالي أغلب اللاعبين يختارون حل التسديد من أماكن لا تكون مفهومة في العادة، لذا نسبة دخول الكرة في النهاية نسبة ضعيفة.
قامت أوبتا للإحصائيات بتسجيل إحصائية عن مباراة الأهلي ضد الزمالك الأخيرة في الدوري المصري، المباراة التي انتهت بنتيجة 3 /1 للزمالك، أنه في تلك المباراة، النادي الأهلي سدد 26 تسديدة، لتخرج 10 منها من خارج المنطقة ومن أماكن ليست مفهومة، كحل أسهل من الاستحواذ في العادة، مثل الكرات الطولية التي يستخدمها غالبية الفرق المصرية، وليس فقط الأهلي والزمالك، على الرغم من أن النادي الأهلي كان قادراً على الوصول لمنطقة جزاء الزمالك أكثر من مرة، وعلى الرغم من عدم حاجة النادي الأهلي في الأساس للتسديد من خارج المنطقة، حتى في ظل سوء فايلر في وضع الخطة والتكتيكات المناسبة، كان النادي الأهلي في 16 مرة قادراً على التسديد من داخل المنطقة.
في مباراة ودية لعبها موسيماني مع صن داونز ضد برشلونة في 2017، قال الجنوب إفريقي إنه قادم لأداء عرض ممتع، ومن خلال مراجعة أهداف المباراة التي انتهت بنتيجة 3 /1 لبرشلونة، فهدفان من الثلاثة دخلت نتيجة تمرير خاطئ من قلبي الدفاع أثناء محاولتهم للصعود بالكرة من الخلف للأمام، موسيماني استمر في الحفاظ على الفكرة طوال المباراة، كما قال غوارديولا على سبيل المثال لفيكتور فالديز إن الحارس الإسباني غير مطلوب منه أي شيء سوى التمرير لأقرب مدافع له، وعندما لعب فريق برشلونة ضد ريال مدريد دخل في الفريق الكتالوني هدف بتلك الطريقة، في حين أن غوارديولا لم يطلب من فالديز تغيير الاستراتيجية بل استمر بها.
لذا من خلال مشاهدة فيديوهات موسيماني في مباراة الإياب بين الأهلي والوداد المغربي عندما قال لمحمد هاني "Easy, Hany" بل اعتراضه بعدها على محمد هاني عندما تصرف بشكل خاطئ. ستجد أن موسيماني يؤمن بالبساطة والسهولة وعدم تصعيب الأمور، لأن بكل بساطة أساس أفكاره يتمثل في البساطة، لذا لا يجب أن تتواجد قرارات عشوائية مثل التسديد غير المفهوم. في مباراتي الأهلي والوداد، سدد الأهلي 22 تسديدة، تواجدت 15 منها داخل المنطقة، في حين أن الوداد الذي كان بلا شكل ولا لون سدد 20 تسديدة، 12 منها من داخل المنطقة.
قرار التسديد في مباراة اليوم من النادي الأهلي ونادي الزمالك يجب أن يكون القرار الأخير في اللجوء، تحديداً من النادي الأهلي الذي سيستحوذ على اللعب بشكل أكبر، خصوصاً أيضاً أن أسلوب نادي الزمالك الأساسي هو المرتدات والتحولات السريعة؛ نادي الزمالك هو أقل فريق في البطولة قام بالضغط على الخصم في الثلث الأخير من الملعب.
المباراة مصيرية، المحزن فيها أن جمهوراً بأكمله سينام مقهوراً، لذا لا يجب أن تسود العشوائية من الفريقين مثل خيار التسديد بلا هدف وبقلة حيلة، يجب أن يكون الفريقان في أتم الجاهزية، على الأقل لأن حتمية خسارة أحد الطرفين موجودة، فلا يجب أن تكون تلك الخسارة على طبق من ذهب من فريق لآخر!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.