مشاهد من ليلة سقوط دونالد ترامب

عدد القراءات
590
عربي بوست
تم النشر: 2020/11/10 الساعة 09:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/10 الساعة 10:20 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب/ رويترز

في الرابع والعشرين من سبتمبر ٢٠١٩ أعلنت نانسي بيلوسي، زعيمة الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب الأمريكي، بدء محاكمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على خلفية استغلاله منصبه الرئاسي من أجل تحقيق مكاسب شخصية متعلقة بتشويه سمعة نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن عبر الترويج لاتهامات لمزاعم بالفساد تتعلق بعمل ابنه، هانتر بايدن، في إحدى شركات الغاز الأوكرانية. وقتها استغرب البعض لماذا يقوم ترامب بذلك؟ ولماذا يخاطر برئاسته من أجل مطاردة بايدن؟ الإجابة عرفناها قبل يومين حين أُعلن عن فوز بايدن بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، ليصبح بذلك الرئيس السادس والأربعون للولايات المتحدة.

اقتناص بطاقة الترشيح 

حين بدأت الاستعدادات والتحضيرات داخل الحزب الديمقراطي من أجل خوض الانتخابات الرئاسية في الخريف الماضي، برزت أسماء عديدة كان البعض يعتقد أنها القادرة على هزيمة ترامب كان أبرزها السيناتور الديمقراطي عن ولاية ماساتشوستس إليزابيث وارن، والسيناتور المستقبل عن ولاية فيرمونت بيرني ساندرز. لم يحظ بايدن، وقتها، بالاهتمام اللازم في وسائل الإعلام الأمريكية التي ركزّت الأضواء على كل من وارن وساندرز نتيجة لمواقفهما التقدّمية وانتقاداتهما الشديدة لترامب التي كانت تلهب حماس أنصار الحزب الديمقراطي خاصة بين الشباب والمرأة والأقليات. 

ولذلك بدا مستغرباً، وقتها، أن يقلق ترامب من بايدن، لا من وارن أو ساندرز، ويحاول تشويه سمعته حتى وإن كلّفه الأمر عزله من الرئاسة الأمريكية. ولكن على ما يبدو فإن ترامب كان محقاً. فهو يدرك جيداً أن الناخب الأمريكي ليس مستعداً، على الأقل حالياً، لتقبل رئيس من الجناح التقدّمي في الحزب الديمقراطي، وأنه لا يزال يميل للتصويت لصالح تيار الوسط الذي يمثله بايدن، وبالتالي فإن حظوظ هذا الأخير في الفوز ببطاقة الترشح عن الحزب الديمقراطي تبدو أكبر من كل من وارن وساندرز، وهو ما حدث بالفعل حيث اقتنص بايدن بطاقة خوض الانتخابات الرئاسية ممثلاً عن الحزب الديمقراطي في أغسطس الماضي. 

ترامب والفيروس

حتى فبراير الماضي، كان ترامب على يقين بأنه سوف يكسب ولاية رئاسية ثانية. ولِمَ لا؟ الاقتصاد الأمريكي في أفضل حالاته، مؤشرات بورصة وول ستريت تصل لمستويات غير مسبوقة، البطالة في أدنى مستوياتها خلال عقود، التصدي للتوغل التجاري الصيني يبدو ناجحاً، ولكن فجأة حدث ما لم يكن في الحسبان. 

في منتصف شهر فبراير وصلت ترامب مكالمة هاتفية من براد بارسكال، المدير السابق لحملة ترامب الرئاسية، ينقل له خلالها خبراً غير سار مفاده أن فيروس كورونا، الذي كان قد بدأ قبل أيام قليلة في الظهور والانتشار بأميكيا وخارجها، قد يكلّفه رئاسته الثانية! وقد جاء رد ترامب على المكالمة، كعادته، مستخفاً، وسأل بارسكال قائلاً: "ما علاقة هذا الفيروس اللعين بإعادة انتخابي!".

دخول متردد

دخل بايدن السباق الانتخابي متردداً، وذلك حسبما نقلت الصحافة الأمريكية عن أصدقائه المقرّبين، خاصة مع كبر سنه واعتلال صحته، ناهيك عن حالته النفسية التي تأثرت كثيراً بعد الرحيل المفاجئ لابنه الأكبر بو بايدن عام ٢٠١٥. كما أن فشله في مرتين سابقتين عامي ١٩٨٧ و٢٠٠٨، كان قد خاض فيهما السباق الرئاسي، وخرج في مراحله الأولى، لا تشجعان على تكرار التجربة. 

ينقل السيناتور الديمقراطي كريستوفر كونز، الصديق المقرّب لبايدن والذي أخذ مقعده في مجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير، أنه ظل متردداً في خوض السباق الرئاسي حتى أواخر العام الماضي، حيث كان يرى أن العمر قد تجاوزه، وأن ثمة من هم أكثر منه حيوية وشباباً داخل الحزب الديمقراطي، وبإمكانهم أداء المهمة. ولكن كونز نصحه قائلاً: "أنت الوحيد الذي يمكنه هزيمة دونالد ترامب".

كلمة السر

لم يهتم ترامب بالآثار الوخيمة التي قد يخلفها فيروس كورونا المستجد على البلاد والعباد، خاصة بعد أن انتشر كالنار في الهشيم في كافة أنحاء الولايات والمدن الأمريكية. ولم يكن استخفاف ترامب بالفيروس القاتل مجرد انعكاس لشخصيته المتهورة والحمقاء، بقدر ما كان قراراً استراتيجياً ومغامرة جديدة من مغامراته. فقد أدرك جيداً أن إعطاء الفيروس المزيد من الاهتمام يعني إغلاق البلاد، وبالتالي وقف قطار الاقتصاد الذي كان يسير بأقصى سرعته، ما قد يكلّفه ولايته الثانية. 

ولكن بمرور الوقت زاد عدد الإصابات بشكل جنوني وخلال أسابيع قليلة كي يتجاوز عتبة المليون مصاب قبل أن يصل اليوم إلى 10 ملايين، وارتفعت حالات الوفيات لتصل لمئات الآلاف، وأغلق الاقتصاد أبوابه، وتوقفت الأعمال، وخسر الملايين وظائفهم، واستمر الفيروس في الانتشار حتى وصل إلى البيت الأبيض وأصاب ترامب وعدداً من إدارته وطاقم مساعديه، ورغم ذلك استمر ترامب في الاستخفاف والإنكار.

"كوفيد – ١٩" كانت هذه هي كلمة السر، تقول صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، التي التقطها جو بايدن، وحملته الانتخابية، والتي كان عليها أن ترسل رسالة عكسية لكل ما يقوله ترامب حول الفيروس سواء ما يتعلق بارتداء الكمامات والالتزام بالتباعد الاجتماعي ووقف التجمعات الكبيرة واتباع إجراءات النظافة والسلامة.. إلخ، باعتبارها السبيل الوحيد للحصول على ثقة المواطن الأمريكي وكسب صوته في الانتخابات. وهو ما حدث!

لعبة القدر

"أصبحت مؤمناً بأن كل شيء مرتبط بالقدر ولا شيء غيره"، هكذا قال بايدن لصديقه المقرّب فريد سيرس قبل أربعة عقود، وذلك حسبما تنقل صحيفة واشنطن بوست عن هذا الأخير في تقرير لها نشرته أواخر شهر أغسطس الماضي. وللقدر، بخيره وشرّه، حكايات مع بايدن عبر مسيرته. فقد دخل العمل السياسي من أوسع أبوابه حين تم انتخابه عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي أوائل السبعينات من القرن الماضي، ولم يكن وقتها قد وصل الثلاثين من عمره، ولكنه قبل أن يحلف اليمين الدستورية بأيام، وصله خبر وفاة زوجته الأولى نيليا وابنته نعومي في حادث سير أصاب ولديه بو وهانتر، وهو ما أصابه بجرح نفسي لم يفارقه منذ ذلك الوقت. 

ولعله القدر، ولا شيء غيره، هو الذي هزم العنيد ترامب، وأوصل بايدن إلى البيت الأبيض، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

خليل العناني
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية
تحميل المزيد