لقد عاد..
عاد من ظننتُ أنّه ذهب بلا رجعة..
عاد القاتل المتسلسل، الذي آلمني رحيله، وآلم الكثيرين ممّن أحبّوه، ورأوا من خلاله كيف يُمكننا أن نُطيع طبع الشر المتأصّل فينا بدون مساسٍ بالأبرياء.
هكذا كان Dexter، نصفه إنسان، ونصفه الآخر وحش، لا يفتك إلا بمن يستحق. عشنا معه، نحن مُحبيه، على مدار ثماني سنوات متصلة حياة غريبة، فيها من الدماء، ومن الأوصال المُقطّعة، ما يُثير الاشمئزاز بالتأكيد، ويجعل المُشاهد الطبيعي يميل إلى الهرب من هذه المشاهد التي تبدو صعبة جداً في البداية، ولكنّ هناك شيئاً ما في Dexter يجعلك تبقى، وهو نفس الشيء الذي أبقاني، بعدما فررت منه مذعورة في المرة الأولى، حتى عدت من جديد، ورافقته من بداية رحلته حتى نهايتها.
إنّه الغامض الحالم، والقاتل الساديّ، الذي سنراه في موسمٍ جديد، مكّون من 10 حلقات فقط، على شاشة Showtime في عام 2021.
وبما أنّه قد مرّت سبع سنواتٍ كاملة على انتهاء الموسم الثامن والأخير منه، فأعتقد أنّ هناك الكثيرين مثلي الذين يُريدون أن يسترجعوا بعض التفاصيل الخاصة بالمسلسل حتى يشاهدوا الموسم الجديد منه بذهنٍ صافٍ، وذاكرة حاضرة.
Dexter ذو الوجهين، مُشرقٌ بالنهار، مظلمٌ في الليل
كان أول ما ذكرته عن ديكستر في العنوان هو كونه قاتلاً مُتسلسلاً، ولا داعي لمن لم يُشاهد حلقات Dexter التي استمرت عبر 8 مواسم كاملة بدءاً من عام 2006، وحتى عام 2013، لأن ينزعج، فهذا الأمر لم يكن سرّاً على الإطلاق، ويمكنك أن تعرفه بمجرد مشاهدة إعلان المسلسل.
المفارقة بين عمل ديكستر كمُحللٍ جنائي، خبير في لطخات الدم، أي أنّه ينتمي إلى جهاز الشرطة، أي إلى جانب الخير في القصة، وبين عمله السري ليلاً، والذي لا ينتهي إلا بوجود جثة مقطّعة في أكياسٍ بلاستيكية، هي التي جعلت من ديكستر نموذجاً فريداً للإنسان، الذي لم يكن شريراً أبداً وبأي شكلٍ، طوال 23 ساعة من اليوم، أمّا في الساعة الأخيرة فإنّه يتحول إلى شيءٍ آخر، لا يعرف الرحمة، وهو ما كان يُطلق عليه "الراكب المظلم"، الذي كان يجلس على مقعد قيادة حياته، ليتولى زمامها بالكامل.
إذن، فديكستر، ذلك الرجل المنطوي، الذي يبدو كجارٍ متحفظ يحيا حياة عادية جداً، ويُساعد الشرطة من خلال عمله الذي يحبه فعلا، في ساعات النهار، هو شخص آخر تماماً حينما يأتي الليل، يُمكننا أن نقول إنّه يُعاني من نوع نادر من الإدمان، وهو إدمان القتل.
Dexter..نعمة اللاشعور.. ونقطة التحوّل
"يُمكنني أن أُضحّي بكل شيءٍ في سبيل ألّا أشعر بشيءٍ من جديد".
نحن نعلم قصة Dexter، التي رُويت في المسلسل على مدار أجزائه، بالكثير من التفصيل، ونعلم السبب في ذلك الاضطراب الذي صاحبه منذ الصغر، وجعله يبدو وكأنّه د. جيكل ومستر هايد في القصة الشهيرة.
ولا تهم الأسباب التي جعلت ديكستر على ما هو عليه، بقدر ما يهم التطوّر الذي وصلت إليه شخصيته، والذي ظهر على سلوكه، والذي بدا أنّه ينازع طبيعته المنحرفة، ليصل بنا في النهاية إلى نهاية المسلسل التي أغضبت الكثيرين، وأنا واحدة منهم بالتأكيد.
لم يكن ديكستر شخصاً عادياً، لا لأنّه يحب القتل، فالذي قاده إلى القتل في الأساس هو إحساس معيّن، وليس رغبة، رغبة القتل هذه كانت نتيجة، وليس سبباً. كانت مشكلة ديكستر أنّه لم يكن يشعر بشيء، كان فاقداً للإحساس بمعنى آخر، لم يستطع أن يحب، أو يكره، أو يتعاطف، حتى جرّب شعور القتل للمرة الأولى، ووجد أنّه ربما للمرة الأولى يشعر بشيء، وهو شعور بالراحة والسعادة، وكأنّما تخلص من حملٍ ثقيلٍ، كان يحمله على ظهره لسنواتٍ طويلة وهو لا يدري.
لم يكن ديكستر يدري في وقتها أنّ عدم شعوره هذا كان نعمة حقيقية، وحينما فقده تدريجياً بدأ يختبر أحاسيس لم يعرفها قبلاً، صحيح أنّه عرف معنى الحب، والسعادة الحقيقية، إلّا أنّه شعر أيضاً بالحزن، والألم، والخوف من فقدان من يحبهم. ومن هنا جاءت نقطة التحوّل في حياة ديكستر، والتي حوّلته من شيء أشبه بوحشٍ مفترس إلى إنسان حقيقي، وبدأ هذا الأمر قديماً، منذ أن قام والد ديكستر بالتبني، بزرع بذرة الخير الأولى بداخله، حينما قام بتوجيهه لقتل الأشرار، ومن يستحقون أن يُحرموا من الحياة حقاً، عوضاً عن قتل الأبرياء.
إلى أي مدى نُشبه Dexter؟ كثيراً في الواقع
فكّرت كثيراً في الأسباب التي جعلتني أنا، والكثيرين غيري، مُغرمين بشخصية ديكستر، رغم أنّها -ظاهرياً- لا تُشبهنا في شيء، وأنّها بعيدة كل البعد عمّا يجري في واقعنا، بل كان من المفترض أن رغبة ديكستر في القتل تجعلنا نكرهه، أو على الأقل نفقد التعاطف معه، ولكن هذا الشيء لم يحدث لعدة أسباب، كان أهمها هو أنّ ديكستر في الواقع يُشبهنا بشدة.
لم يكن ديكستر شخصاً سيئاً، كان بارعاً في عمله، ومتفانياً فيه فعلاً، وكان حاضراً من أجل أخته غير الشقيقة، وكان مهتمّاً بصديقته الحميمة ومُراعياً لأطفالها، صحيح أنّه لم يكن يشعر تجاهها بشيءٍ في البداية، إلا أنّه كان يتظاهر بذلك، من أجل أن يبدو كإنسانٍ طبيعي لمن حوله، وأيضاً
لأنّه كان يعلم أنّها تستحق ذلك، بعدما عاشت حياة قاسية مع زوجها السابق.
إذن ديكستر في حقيقة أمره كان رجلاً جيداً، يتعامل برفق مع النساء، ويحب الأطفال، أو بالأحرى يراهم كائنات بريئة لا تستحق الأذى، هذا هو وجه ديكستر الخيّر الذي يُشبه الكثيرين منّا، ولكن من قال إنّ هذا هو وجهنا الوحيد؟
لكلٍّ منا وجهان، والوجه المُظلم فينا لن يمتد إلى القتل بالطبع، ولكنّه يحمل بعضاً من الشر بشكل ما، قسوة نابعة من حقدٍ أو نرجسية مُفرطة، أو رغبة كريهة في الانتقام، وغيرها..
ليس ديكستر وحده من يُعاني من الازدواجية، كلنا كذلك، ولكنها درجات متفاوتة.
بخلاف أن ديكستر أصبح في نظرنا كالـSuper Hero أو كالبطل الخارق، الذي يقتل الأشرار، ويحمي الأبرياء، وهو الشيء الذي نُريد جميعا أن نكونه، ولكنّا لا نستطيع، فنجد أنّ ديكستر يفعله لأجلنا، وينتقم لنا من كل ما يُمكن أن يؤذينا أو يؤذي أحباءنا.
شيء آخر، مناجاة ديكستر المستمرة مع نفسه، صراعه الخافت مع شيطانه أو راكبه المظلم، الذي يعلم أنّه يتحكم به تماماً، شعوره الدائم بالإثم، واعترافه بأنّه شخص سيئ، وقبوله لنفسه في نفس الوقت، كل هذه الأشياء نمرّ بها يومياً، ولكلٍّ منّا شيطانه الذي يهزمه أحياناً، وينهزم منه في أحيانٍ أخرى.
Dexter 2021.. بداية جديدة للنهاية التي أغضبت مُحبيه
ربما لو كان علم عُشاق المسلسل في عام 2013، بعد مشاهدتهم لآخر حلقة منه أنّه سيعود من جديد بعد 8 سنواتٍ، ليُصلح ما تم إفساده -أو هكذا أتمنى- ربما كانوا سيهدأون قليلاً، ويتخلّون عن شعورهم بالاستياء من هذه النهاية، التي لا يرون أنّه يستحقها في النهاية.
(لا تقرأ الآتي، إذا كنت لم تُشاهد المسلسل بعد)
فبينما بدا لنا أنّ ديكستر أخيراً سيحظى بحياة سعيدة وآمنة مع ابنه، وسيهرب بعيداً مع حبيبته هانا، تدخل أخته ديبرا في غيبوبة جراء إصابتها الخطيرة لتموت دماغياً، وينقلب كل شيء.
فديكستر الذي يشعر بذنبٍ قاتل حيال ما حدث لها، يُفكر في كل من دُمرت حياتهم بسببه، سواء بقصدٍ أو من دون قصد، فيشعر أنّه أصبح كلعنة تطارد كلَّ مَن أحبهم وأحبوه يوماً.
فيُقرر أن يُزيف موته، ويعيش وحيداً، بينما تُربي هانا ابنه، غير عالمة بأنه على قيد الحياة، لأنّه يخشى أن تُصيبهما لعنته.
هكذا انتهى المسلسل، وهكذا شعرت أنا وغيري بالغضب من نهاية لا يستحقها ديكستر، صحيح أنّني حمدت الله على أنّه لم يُقتل، أو يموت، أو يُقبض عليه، من أجل أن تظهر النهاية بمظهر شاعري عادل، إلا أنّه عاش تعيساً ووحيداً، وهو الشيء الذي لم أشعر أنّه يستحقه فعلاً.
ولكن الخبر السعيد أنّ الأمل مازال باقياً، وبإمكان ديكستر أن يلقى نهاية تليق به في الموسم الجديد منه، وذلك لمجاهدته الدائمة لهزيمة راكبه المظلم، ولمواجهته لكل هذه الآلام التي لا تُحتمل، منذ أن كان عمره عدة أشهر فحسب.
في انتظارك يا ديكستر أنا وكل مُحبيك
عسى أن تعود وتلقى مصيراً أفضل
تعيش فيه حياة يملؤها النور، ولا تُعشّش فيها شياطين الظلام..
إلى أن نلتقي في 2021..
لك مني السلام..
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.