متى يأتي اليوم الذي يترقب فيه العالم نتيجة الانتخابات في بلادي، متى يشعر العالم بالرعب أو الاطمئنان لفوز رئيس أو خسارة آخر برئاسة بلادي؟ متى تصبح قواعد بلادي العسكرية في كل أرجاء العالم، ولرئيس دولتي الحق على التعليق على أي حدث يحدث في أي مكان بالعالم، بحجة حفظ أمن بلده؟
متى تستمر الحملات الانتخابية في بلادي لأكثر من سنة، وتنعقد المناظرات بين مرشحي الرئاسة ليراها العالم أجمع؟ وينبري المحللون في استنباط طباع شخصية كل مرشح من كلماته ونظراته ولغة جسده؟
متى تتهافت مراكز استطلاع الرأي العالمية على أخذ آراء أبناء وطني، لتتسابق فيما بينها على من سيصدر أصدق نتيجة؟ متى أشعر بأني مؤثر حقاً في مصير البلد الذي أحمل جنسيته في بطاقتي وحبه في قلبي، ولا أنظر بحسد للبلاد التي يقف فيها أهلها في طوابير طويلة أمام اللجان لكي يعطوا أصواتهم لمن يرون أنه سيبني وطنهم، ويخدم أهدافهم؟
متى أنتظر نتيجة الانتخابات في بلادي وأنا فعلاً لا أعرف الفائز، ولا أحد آخر يعرفه، وأنا أتحرق شوقاً لفوز المرشح الذي أدليت بصوتي لصالحه، اقتناعاً مني بمبادئ برنامجه الذي عكف على وضعه عشرات الخبراء؟
متى أرى رئيساً سابقاً كان يحكم بلادي على قيد الحياة أو خارج أسوار السجن، أو حتى تترحم عليه كتب التاريخ، ولا تصب عليه اللعنات؟
سمعت كثيراً عن لفظ الانتقال السلمي للسلطة، وقرأت عنه أكثر، لكنني لم أشهده أبداً يحدث على أرض بلدي، وكذلك والدي لم يره، فهل أطمع أن أراه وأُعلم أبنائي به أنهم في بلد محترم، يحترم الدستور والقانون.
هل من الممكن أن أسمع كلمة سياسي في بلادي، دون أن أتحسس جيبي أو رأسي، هل من الممكن أن أنشر هذه السطور في جريدة من جرائد الدولة، دون أن يطاح برئيس تحريرها بفرض أنه سمح بنشرها؟
أتعرفون سبب ألمي، السبب الرئيسي يا سادة أننا في بلدي مصر، وفي أجزاء أخرى من وطننا العربي، عايشنا جزءاً كبيراً جداً من الأحلام والأماني التي كنت أحلم بها معكم الآن.
إلا أن هذا الجو لم يرق للكثير من الأطراف أن يدوم في مصر وشقيقاتها، لأن هذه التجربة لو نجحت في مصر فلن تقف باقي الشعوب القريبة منها موقف المتفرج، بل كانت ستطالب هي الأخرى بمثل هذه الحقوق، ولو أعطيت شعوب المنطقة حقوقها التي هي الآن مجرد أحلام، فلن يلبثوا إلا قليلاً ليفاجئوا العالم بدول عظمى تنبت في منطقة الشرق الأوسط.
دول وكيانات دفعت ولا تزال تدفع المليارات لكي لا تتحقق هذه الأحلام التي حلمت بها أنا وأخي السوري والليبي واليمني والتونسي، نحن جيل الربيع العربي الذي حولوه بملياراتهم إلى مراتع للاستبداد وحمامات للدم.
الربيع الذي تحول لأعاصير ظنوا أنها لن تبقي ولن تذر أثراً لأزهار الربيع التي فاحت روائحها الى كل العالم، وأبهرت ألوانها الدنيا كلها، بعدما كانت تظن أن أوطاننا العربية صحراء جرداء.
ولكن دعوني أبشركم أن من قام بثورات الربيع العربي شباب مخلص محب لأوطانه، والإخلاص يا سادة يصنع المعجزات، الإخلاص ثبت جذورنا التي ارتوت بدماء الشهداء في أرض الوطن، فلن تطيح هذه الأعاصير إلا بمن هيجها، وسنبقى نحن في أراضينا، ونحقق كل الأحلام التي حاولوا أن يقتلوها في نفوسنا.
ويوماً ما سيشهد كل العالم انتخابات بلادي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.