تأسس الحزب الجيد عام 2017 على يد مجموعة من الكوادر القوميين على رأسهم القيادية السابقة في حزب الحركة القومية ميرال أكشينار والتي شغلت منصب وزيرة الداخلية في نهاية التسعينيات كما رشحت نفسها لمنصب الرئاسة في 2018. وحصلت على حوالي 7% وقد دخل الحزب الجيد في الانتخابات حينها عبر تحالف الشعب مع حزب الشعب الجمهوري وضد الحزب الذي انشق عنه وهو حزب الحركة القومية الذي تحالف بدوره مع حزب العدالة والتنمية ضمن تحالف الجمهور والذي كان مرشحه الرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. كما واصل الحزب الجيد وجوده في تحالف الشعب خلال الانتخابات البلدية الأخيرة في 2019.
نجح الحزب الجيد بدخول البرلمان وحصل على نسبة 10% فيما حصل حزب الحركة القومية على 11%.
ومع ذلك حافظ الحزب على موقفه بدون أزمات لوقت قصير، حيث دبت الخلافات داخل الحزب بشأن التوجهات ومستقبل تموضع الحزب وسياساته ودور مواقع قياداته وكوادره.
يصنف الحزب على أنه ليبرالي وسطي قومي وهو يضم مزيجاً من القوميين المتشددين والمحافظين واليساريين وحتى بعض الأشخاص الذين سبق لهم الانتماء لحزب الرفاه الإسلامي.
مع أن اجتماع الجمعية العمومية الثانية للحزب في 20 سبتمبر/أيلول لم يشهد منافسة لرئاسة ميرال أكشينار، حيث تم التجديد لها كرئيسة للحزب، فقد بدأت المشاكل والخلافات تطفو على السطح. حيث بقيت العديد من الأسماء الكبيرة في الحزب خارج اللجنة الإدارية العامة للحزب، مما فتح إمكانية حصول انشقاقات، حيث تم الادعاء بأن هناك قائمة تم توزيعها لحث أعضاء الحزب على عدم التصويت لشخصيات بعينها.
وقد بدأت هذه الأزمة مع اتهام رئيس التنظيم بالحزب ايدن كوراي بإعداد قوائم جاهزة للانتخابات الداخلية الأخيرة بالحزب، حيث وجهت له اتهامات من النائب عن الحزب عن إسطنبول أوميت أوزداغ ومن النائب عن أزمير أيتون تشيراي بالعمل على إقصائهما، مما حدا بكوراي بالرد بقوة عليهم واتهمهم بالكذب وبعدم العمل السياسي في الحزب في الفترة الماضية، مما جعلهم يخسرون في الانتخابات الداخلية للحزب.
أما الأزمة الثانية فقد بدأت مع إعلان أوميت أوزداغ خلال برنامج تلفزيوني، وهو نائب انشق عن الحركة القومية وشارك في تأسيس الحزب الجيد، باتهام رئيس فرع الحزب في إسطنبول بوغرا كافونجو بأنه يرتبط بتنظيم غولن، مما أحدث أزمة كبيرة في الحزب، علماً أن كافونجو من أكبر مناصري تحالف الحزب الجيد مع حزب الشعب الجمهوري. ومع أن كافونجو أنكر ذلك، إلا أن الاتهام له أثار من جديد الشبهات حول تأسيس الحزب واحتمالات وجود عناصر آخرين مرتبطين بجماعة غولن التي تم تصنيفها بالإرهاب بعد وقوفها خلف المحاولة الانقلابية عام 2016.
ولم تكد تنتهي أزمة كوراي حتى بدأت أزمة أعلنها إسماعيل أوك النائب السابق عن الحزب الجيد، والذي تم إخراجه من الحزب لأسباب تتعلق وفق ما قال من أشخاص نزلوا على الحزب بالباراشوت إلى مواقع مهمة بالحزب، حيث ادعى أوك أن نائب رئيس الحزب الجيد السابق حسن سايمان التقى مع المرشح الرئاسي جو بايدن عندما كان نائباً للرئيس أوباما. وحينها كان بايدن معروف بأنه معادٍ لتركيا.
هزت هذه الأزمات التي حصلت في مدة أسبوعين أركان الحزب الجيد، ولتجاوز هذه الأزمات ردت رئيسة الحزب ميرال أكشينار بالقول بأنها أزمات مفتعلة من الخارج، لأن شعبية الحزب ارتفعت مؤخراً حسب قولها إلى 14%. وهي تقصد أن هذه الأزمات مدبرة من حزب العدالة والتنمية، ولكن هذا لا يبدو صحيحاً بالنظر إلى الشخصيات التي تلعب أدواراً في هذه الأزمات، حيث يصعب جداً تعاونها مع حزب العدالة.
من جهة أخرى، سرت بعض الأقاويل قبل عدة أشهر حول إمكانية توجه الحزب الجيد للتفاهم مع الحركة القومية من جديد، وبالتالي يستفيد حزب العدالة من ذلك، ولكن يبدو أن أصحاب هذه النظرة في داخل الحزب الجيد قلة، ولم يستطيعوا السير نحو تنفيذ هذا التوجه حتى الآن.
بالرغم من أن الخاسرين في انتخابات الحزب الداخلية هم الأطراف الرئيسية لهذه الأزمات داخل الحزب، مما يجعل الأمر يبدو أنه صراع على المواقع داخل الحزب، إلا أنه من الواضح أن الحزب الجيد يعيش أزمة تناقض هويات أيضاً بين الخط القومي والخط الذي يميل لمعارضة حزب العدالة في كل شيء، والذي يتحالف مع حزب الشعب الجمهوري ومن ورائه حزب الشعوب الكردي.
ويأتي هذا التناقض في وقت يحصد فيه حزب العدالة والتنمية دعماً شعبياً ومن التيار القومي بسبب دعمه لأذربيجان ضد أرمينيا، وبسبب موقفه المتحدي لليونان في شرق المتوسط وبحر إيجه وقبرص.
إذا لم تستطع ميرال أكشينار إعادة لملمة الأطراف المختلفة داخل الحزب، فسوف تتراجع شعبية الحزب، ومع ذلك سيبقى الحزب يعيش أزمة حقيقية في ظل تصاعد النفس القومي والذي يمثله حزب الحركة القومية الذي انشق عنه الحزب الجيد، حيث تقارب كوادر الحزب الجيد مع حزب الشعب الجمهوري، وفي نفس الوقت يريدون أن يبقوا منتمين للخط القومي، مما يجعلهم في حالة تناقض مستمرة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.