لم يدعُ إلى انحلال المرأة ولا خلع الحجاب.. دفاعاً عن قاسم أمين

عدد القراءات
14,753
عربي بوست
تم النشر: 2020/10/25 الساعة 13:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/25 الساعة 20:11 بتوقيت غرينتش
من اليمين المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة والكاتب قاسم أمين


أنهيت مؤخراً قراءة العديد من كتب ومؤلفات الباحث والمفكر المصري الدكتور محمد عمارة، والتي كان أحدها كتاباً عن قاسم أمين، يصحح بعض فيه ما علق بالرجل في فكر الناس عن أنه كان رجلاً فوضوياً، عمل على سفور المرأة وتحريرها من الحجاب، وعادة ما يُذكر ويُشاع أن كتابيه "تحرير المرأة" و"المرأة الجديدة" هما الكتابان اللذان ناديا بخلع حجاب المرأة، لكن الدكتور محمد عمارة في كتابه "قاسم أمين وتحرير المرأة" يُصحح ما وَقَر في ذهني عن ذلك.

كتاب "قاسم أمين وتحرير المرأة" للدكتور محمد عمارة

 فالرجل لم يدعُ إلى سفور المرأة، بل دعا إلى أن تترك الحجاب الذي يفصلها تماماً عن المجتمع، ويقسم المجتمع إلى مجتمعين منفصلين، أحدهما للرجال والآخر للنساء، وهو الأمر الذي يحول بين المرأة وبين العمل الذي تحتاجه لصلاح حالها، ولإكسابها قدراً من الاستقلال الاقتصادي يحفظ لها كرامتها، ويُسهم في الارتفاع بشأنها.

إذن، فقاسم أمين تلميذ الشيخ محمد عبده، والمعبّر الأمين عن أفكار أستاذه، إنما يدعو إلى ألا تُلزم المرأة بأكثر من الحجاب الشرعي، بحيث يتاح لها التعلم، والعمل في الوظائف الاقتصادية وغيرها، بل يرى أنها لا تُولّى الوظائف العامة كالقضاء إلا بعد زمن تعتاد فيه على التعليم والعمل، فتُراكم خبرةً تؤهّلها للوظائف العامة، كعضوية البرلمان، والاشتغال بالقضاء، وهذا في تقديري لا يخرج عن الإسلام، بل أقرب إلى تمثّله في الحياة.

لكن هناك آراء أخرى ربما كثّرت مخالفيه، كتقييد الطلاق، بحيث يُثبت أمام القاضي، الذي ينصح الزوجين ويُبين لهما خطر الطلاق، ثم يمهلهما أسبوعاً، فإن بقيا على الطلاق كوّن لجنة فيها حَكَمان، واحد من أهل كل منهما، فإن فشلا أوقع الطلاق بوجود شهود، وهذه تبدو لي خطوات تنظيمية لمنع إساءة استخدام هذا الحق الذي أُعطي للزوج في غالب الأحيان.

أما الرأي الثالث الذي شاع عنه، وكثُر عليه الخلاف، فهو رأيه بألا يحدث تعدد الزوجات إلا لضرورة. فالرجل إذن لم يكن داعية انحلال أو فوضى، بل هو ابن مدرسة الإمام محمد عبده الإصلاحية، التي كانت تعطي أولوية للإصلاح الفكري على كل شيء، ولو كان الثورة على المستعمر.

لم يكن قاسم أمين أول من تكلم عن تحرير المرأة بالشكل الذي أشرنا إليه، بل سبقه الشيخ رفاعة الطهطاوي، وكذلك محمد فارس الشدياق، والدعوة هذه تلتها مثلها في مدن السلطنة العثمانية في تركيا، كما أن قاسم أمين في دعوته لتحرير المرأة إنما كان داعيةً إسلاميَّ الروحِ، يودُّ إحداثَ تغيير اجتماعي ينقل المجتمع من طور الإقطاع إلى طور البرجوازية المنتجة، حيث يعمل السكان في التجارة والصناعة وينافسون الأوروبيين، الذين احتكر الكثيرون منهم بعد قدومهم إلى مصر وسائلَ الإنتاج وميكانيكياته.

قاسم أمين من أصل تركي، فوالده كان حاكماً لإقليم في كردستان، وعندما ثار الإقليم على السلطنة العثمانية أُقطع إقطاعيات في منطقة البحيرة في مصر، فقدم مصر وعاش فيها، وكان أبناؤه من المتمصرين الذين كانوا مثل أستاذهم الشيخ محمد عبده، يخشون أن يعود حكم العائلة الخديوية بحكم العثمانيين إلى مصر إن رحل المستعمر الإنجليزي، وكانوا يفضلون أن يبقوا ضمن مصرية الدولة، كما أصبح الوضع في عصر محمد علي.

كان قاسم أمين يرى أنه بعد الحكم العربي الزاهر لمصر، الذي أتى مع الفتح الإسلامي آلت مصر إلى ممالك، لم ترتفع بالشعب ليكون منافساً للحضارة الأوروبية، ووجدوا فيما بناه محمد علي في مصر نموذجاً يمكن البناء عليه.

وكان قاسم أمين من الناشطين في العمل الاجتماعي، وناب عن سعد زغلول في لجنة إنشاء الجامعة المصرية، التي قامت بجمع المال والتخطيط لبناء الجامعة، كان يعمل في المحاماة، وله مواقف وطنية كثيرة لا تخلو من طرافة، مثلاً عندما كان يشغل منصب وكيل نيابة في بني سويف أخذ يطبق مفاهيمه وآراءه في فلسفة الإصلاح والعقاب، ووجد مظلومين كثيرين في سجون بني سويف فأطلق سراحهم.

وعندما كان رئيساً لنيابة طنطا واجهته حادثة مهمة، وقف إزاءها يبحث عن خيار بين ما يفرضه القانون وما تدعوه إليه الوطنية التي تعلّمها في مدرسة جمال الدين الأفغاني، حيث وقع عبدالله النديم، خطيب الثورة العرابية العظيم في قبضة الشرطة، بعد اختفاء أسطوري امتدّ تسع سنوات، وجيء به إلى رئيس النيابة قاسم أمين!
فما كان من أمين إلا أن أكرمه وأعطاه مالاً وهيّأ له في محبسه أقصى ما يمكن من ظروف الرعاية والراحة، ثم سافر إلى القاهرة يطلب له العفو، ويهيّئ لحملة صحفية تتبنى طلب العفو عن النديم، فصدر قرار العفو، مع أمر بالإبعاد إلى الشام، بعد منحه مبلغ مئة وخمسين جنيهاً.

كما كرر أمين مثل هذا الصنيع مع كثير من الطلبة الذين يُقبض عليهم في المظاهرات، بل كان يخفي بعضهم حتى يستصدر لهم العفو من السلطات.

أود القول إن كتاب "قاسم أمين وتحرير المرأة" جميل، ومهم جداً، يُصحح كثيراً من المعلومات المغلوطة عن قاسم أمين، التي وصلتنا مع التثقيف السطحي السائد.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صالح الشحري
طبيب فلسطيني
طبيب فلسطيني واستشاري أمراض نساء و توليد. مهتم بالشأن الثقفي وقضايا المجتمع وسبق أن كتبت عدة مقالات في موقع huffpost النسخة العربية.
تحميل المزيد