"التناقض هو جوهر جميع الظواهر والأشياء وهذا النضال هو منبع كل نمو".
- فريدريش هيغل
في كتاب وهيب الشاعر "الأردن الى أين؟" يتم حل التناقضات التي تهدد تطور الهوية الوطنية الأردنية، عبر إلغاء هذه الهوية والاستعاضة عنها بهوية ثلاثية الرؤوس، فهي "قومية.. هاشمية وإسلامية"، وذلك بحكم استحالة نشوء هوية وطنية أردنية ناضجة تعبر عن شعب "ثلثاه من الفلسطينيين"، بينما تقبع البقية في علاقة رعوية في ظل حكم العرش الهاشمي!
بقايا أفكار القومية المنهزمة
بعد كل هذه الهزائم والهزّات التي تعرضت لها الحركة القومية وبعد كل هذا الفشل والتخبط الذي ظلّ يلفّ الفكر والنظرية القومية، يعيدنا وهيب الشاعر في عام 2004 -سنة صدور الكتاب- إلى رؤى قومية "نوستالجية" تحاكي الوهم أكثر مما تخاطب الخيال، خصوصاً في بلد لم يتشرب بالفكر القومي بعيداً عن مسار الحركة الوطنية التي يحاول التنكر لها الشاعر في كتابه. فالارتباطات الأهم سواء بين رموز الحركة الوطنية والفكر القومي كانت وليدة نضال وطني فعليّ شهدته الأردن في حقبة الخمسينيات، التي وصلت الحركة فيها إلى السلطة عبر الحزب الاشتراكي الوطني بقيادة النابلسي، وما تلاها من مقاومة للحكم الديكتاتوري إبّان الأحكام العرفية التي امتدت لعقود ثلاثة، بينما يحدثنا الرجل عن انتماء وعشق شعبي أردني تجاه القومية بمعزل عن نضالات الحركة الوطنية، وبمعزل عن هوية وطنية أردنية "لا يمكن لها التحقق بحسب الشاعر"!
تسمية الأشياء بمسمياتها
رغم النزعة القومية التي غلّفت أفكار الكتاب وجعلتها مؤدلجة صوب خدمة الدعاية القومية، فإن الشاعر قال الكثير بشأن العلاقات الاجتماعية، وتركيبة الكيان الوطني الأردني "والوطني هذه إضافة من عندي"، خصوصاً في العلاقة بين السلطة ومكونات الشعب في تلك الحقبة "قبل 15 عاماً"، هنا لم يحاول الشاعر جرّ السياق لأنماط دبلوماسية اعتدناها من الكثير من محللي السياسة والخنوع لدينا، وهو ما انسحب حتى على تركيبة نظام الحكم والعلائق البدائية التي يحرص على قيامها بينه وبين المكون العشائري على سبيل المثال، هنا بمرور الزمن نرى التغير ماثلاً بانزياح هذه العلائق وتحول المكون العشائري لمحرض على الاحتجاج على "النهج" العام لنظام الحكم بفعل التحولات النيوليبرالية التي قوضت مكتسباته.
التبشير بجنة النيوليبرالية
يقدم الكاتب رؤية مثالية فيما يتعلق بانسحاب الدولة من أداء دورها الاجتماعي، وعمليات بيع أصول الدولة الأردنية عبر مشاريع الخصخصة، وقد تشكل هذا الرؤية قراءة منطقية في وقته، بحكم ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي الآنية آنذاك، ولكنها تبقى رؤية قاصرة لا تبحث في جذور هذا التحول وهجومه المباشر على دور الدولة الوطنية الأردنية، وما تبع ذلك من أزمات سياسية واقتصادية أدّت الى توسّع رقعة الفقر والبطالة والاحتجاج أيضاً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.