ستخسر الكثير.. ما الذي سيحدث لو طبّعت السعودية العلاقات مع إسرائيل؟

عدد القراءات
1,472
عربي بوست
تم النشر: 2020/10/16 الساعة 14:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/17 الساعة 05:51 بتوقيت غرينتش

تُعوِّل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقوة على انضمام السعودية للدول العربية التي طبَّعت العلاقات مع إسرائيل، لكن السعودية قد لا تكون مستعدة لهذا الالتزام بعد.

من شأن إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات السعودية-الإسرائيلية مساعدة كل دولة على تحقيق عددٍ من الأهداف الاستراتيجية والعسكرية، لكن نتائج هذه الخطوة لن تكون بالضرورة تحوّلية كما يعلن أي طرف. وفي الواقع قد لا تعمل التحولات لصالحهم، وفيما يلي 6 أهداف مدروسة يزعم مؤيدو اتفاق التطبيع أنه سيحققها، لكن في الواقع تبدو احتمالات تحقيق مثل هذه الأهداف السامية بعيدة المنال جداً.

التطبيع لن يُعزز السلام ولا الاستقرار في المنطقة

أولاً، التطبيع لن يجلب السلام، يجادل مؤيدو التطبيع الإسرائيلي-الخليجي بأنه سيجلب السلام الإقليمي إلى "المنطقة الأقل سلاماً في العالم"، ومع ذلك لن تعالج أيٌّ من معاهدات التطبيع الأخيرة، بما في ذلك المعاهدة السعودية-الإسرائيلية المحتملة، "نقاط الضعف الأساسية" التي تُسبِّب العنف وعدم الاستقرار في المنطقة، بما في ذلك في إسرائيل والأراضي الفلسطينية والسعودية.

على مدى العقد الماضي، شهدت غالبية الدول العربية (بما في ذلك السعودية) احتجاجات ضد الحكم القمعي والفاسد. ونفس الشيء ينطبق على إسرائيل وفلسطين، وقد أعقب العديد من هذه الاحتجاجات ردود عنيفة من الدولة، وفي بعض الحالات حروب أهلية وتدخلات أجنبية، لكن لم تُعالَج أوجه عدم المساواة المترسخة بعمق، التي أشعلت هذه الاحتجاجات. 

على الرغم من السلام الظاهري الذي توفره معاهدات التطبيع الأخيرة، تتوقع السعودية أن تطور كل من الولايات المتحدة وإسرائيل تعاونهما الدفاعي والأمني معها. ولدرء العدوان الإيراني يمكن للمملكة أن تستفيد بالتأكيد من هذا التعاون المُعزَّز، وكذلك من خبرة إسرائيل في الحرب غير النظامية التي يشارك فيها فاعلون من غير الدول، ومع ذلك، لدى كل من إسرائيل والسعودية سجلات إشكالية للغاية، فيما يتعلق بمعاملتها للمدنيين في هذا النوع من الحروب، خلاصة القول هذا النوع من التعاون لا يُبشِّر بالسلام.

التطبيع لن يدعم دوماً المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط

ثانياً، قد لا تصب الصفقة بين إسرائيل والسعودية بالكامل في صالح الولايات المتحدة؛ لأنَّ كلا البلدين يريدان أن تتدخل واشنطن خارج نطاق اختصاصها. ولا تتطابق مصالح إسرائيل والسعودية في المنطقة مع مصالح الولايات المتحدة؛ بل في الواقع تتداخل المصالح الإسرائيلية والسعودية بطرق لا تتداخل بها المصالح الأمريكية، وكلاهما له مصلحة في الحفاظ على قوة عسكرية أمريكية نشطة في المنطقة؛ ونتيجة لذلك فإنهما يريدان تجنب الانسحاب العسكري الأمريكي من الشرق الأوسط، أو على الأقل اتخاذ إجراءات احتياطية منه.

إلى جانب ذلك تريد إسرائيل والسعودية والولايات المتحدة أن تبقي واشنطن على استثمارها النشط في الحرب على الإرهاب في الشرق الأوسط، ومع ذلك يعني التعاون السيبراني والاستخباراتي بين إسرائيل والمملكة أنَّ تعريف الإرهاب سيتسع ليشمل المعارضين السياسيين غير العنيفين للنظام السعودي، الذين غالباً ما يعارضون التطبيع مع إسرائيل.

ويُعقِّد هذا التوسع في الحرب على الإرهاب سياسة الولايات المتحدة لإعادة تخصيص الموارد للتركيز على "المنافسة الاستراتيجية بين الدول، وليس الإرهاب"، وأولويات السياسة الخارجية الأخرى التي أهملتها واشنطن لفترة طويلة.

التطبيع لن يعزز تحديث السعودية أو الليبرالية بداخلها 

ثالثاً، لا يوجد دليل موثوق على أنَّ المواطنين السعوديين موافقون على التطبيع، ويُصوِّر سرد سعودي جديد التطبيع مع إسرائيل على أنه جزءٌ من السعودية الجديدة المعتدلة الآخذة في التشكُّل. ويناسب التطبيع نهج ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في "العلاج بالصدمة"، ليبعث إلى خصومه المحليين وللغرب إشارات بأنه سيمضي قدماً في تنفيذ ما يعتبره تحديثاً للبلاد.

ومع ذلك، لم يطالب الفاعلون الاجتماعيون السعوديون بعلاقة مع إسرائيل بقدر ما طالبوا بإصلاحات أخرى مؤخراً، مثل تمكين المرأة أو حتى مكافحة الفساد. علاوة على ذلك فإنَّ فلسطين ليست مجرد ملف ذات اعتبارات سياسة علي، بل هي موضع نقاشات عامة، وأيضاً حشد في السابق، في المدارس والدوائر الإعلامية والمنظمات غير الحكومية وقاعات المحاضرات العامة والمساجد بما في ذلك الحرمان الشريفان.

ومن ثم، فإنَّ مثل هذا الاتفاق الذي يسير عكس تيار الدعم الشعبي يُقوِّض مصداقية التطورات الاجتماعية والاقتصادية والدينية الواعدة والمطلوبة بشدة في المملكة. وهو يغذي السرد المتطرف بأنَّ إصلاحات ولي العهد لها دوافع سياسية ضد الإسلام. وسيسفر التسرع في التطبيع مع إسرائيل عن تسييس الخطاب السعودي الجديد، الذي لا غنى عنه، حول التسامح الديني.

والأهم من ذلك، يستطيع المواطنون السعوديون رصد تراجع وسائل الإعلام عن تصريحاتها السابقة وجهود رجال الدين التابعين للدولة؛ لإضفاء الشرعية على إقامة علاقة عامة مع إسرائيل وسط حملة قمع على الأصوات المؤيدة للفلسطينيين ذات المصداقية، إلى جانب ذلك الجمهور السعودي ليس غافلاً عن التناقضات في رواية الرياض نفسها، فحتى وقت قريب كانت الشخصيات الإعلامية السعودية وأفراد العائلة المالكة ينتقدون خصمي السعودية، تركيا وقطر، لعلاقتيهما الخاصة مع إسرائيل.

وستظل العلاقات مع إسرائيل دوماً رهينة حسابات النظام الملكي السعودي لتحقيق ضرورة بقاء النظام. وفي حالة التطبيع، في كل مرة يستخدم فيها الجيش الإسرائيلي القوة المفرطة أو يحدث تغيير سياسي في فلسطين قد يُجبِر التعاطف الشعبي في المملكة مع القضية الفلسطينية النظام السعودي على الرد، حتى ولو كان رداً رمزياً.

لن يكون السلام دافئاً

رابعاً، لن يعني التطبيع أنَّ الشعبين سيصبحان صديقين، وتُجادِل موجة من الكتاب ورجال الدين السعوديين وحسابات الشبكات الاجتماعية الموالية للحكومة بأنَّ إسرائيل لا تهدد دول الخليج. وتأتي هذه الرواية وسط حملة ترعاها الدولة، تدعو إلى تقديم الهوية السعودية على الهوية العربية أو حتى الإسلامية، وتحتج أيضاً بأنَّ الشباب السعودي، أو المتأثرين بالغرب والمتعلمين ومتفتحي الذهن "السعوديين الجدد" يريدون إقامة علاقات مع إسرائيل.

بيد أنه لا يتضح ما إذا كان خطاب الهوية هذا شائعاً في أنحاء المجتمع السعودي أم لا، فقد أثيرت ردود فعل عكسية ضد هذا النقاش القومي المفرط بمجمله. جدير بالذكر أنَّ عدم تسامح السلطات السعودية مع أي نوع من المعارضة يلقي بظلال من الشك على أي تقييم للرأي العام السعودي، بما في ذلك آراء الشباب. وتؤكد هذه القيود، وحتى استطلاعات الرأي الأخيرة، التي أجراها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وشركة Zogby Research Services لاستطلاعات الرأي، أنَّ تدشين علاقة مع إسرائيل الآن لا يحظى بشعبية بين المواطنين السعوديين عامةً، لذا سيتعين على السلطات السعودية قمع أي حشد لمعارضة التطبيع عبر القطاعات المجتمعية والأجيال والجماعات الأيديولوجية المختلفة.

أضف إلى ذلك أنَّ التعاون السيبراني والاستخباراتي الإسرائيلي مع النظام السعودي يمنح المواطنين السعوديين مصلحة سياسية مباشرة في معارضة علاقات أوثق مع إسرائيل، بما يتجاوز التعاطف مع الفلسطينيين؛ لأنَّ هذا التعاون سيعزز قدرات الرياض على مراقبة مواطنيها وضبطهم. وليس من قبيل المصادفة أنَّ السرد الجديد لرجال الدين الرسميين حول التطبيع ارتبط منهجياً بتذكير المواطنين السعوديين بأنَّ عليهم واجباً دينياً بترك السياسة للحاكم الذي يدينون له بالطاعة المطلقة.

لن يغطي التطبيع على مشكلات السعودية في الولايات المتحدة 

خامساً، هناك اعتقاد في الرياض بأنَّ االعلاقات الجيدة مع إسرائيل ستُصلِح الضرر الذي لَحِق مؤخراً بالعلاقات السعودية- الأمريكية. 

ومع ذلك، ينبع هذا الاعتقاد جزئياً من التصور الخاطئ الحالي بأنَّ مشكلات الرياض مع واشنطن هي نتيجة تُحيِز الديمقراطيين ضد المملكة، لكن هذا الاعتقاد يستخِف بمدى تعقيد العلاقات الأمريكية السعودية، بالإضافة إلى القضايا الخلافية التي تتجاوز الأمور المُدرَجة على جدول الأعمال الدبلوماسي الثنائي، والتي تتداخل مع مناقشات السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية. وتشمل هذه، على سبيل المثال، الاستثمار في قواعد القوات الأمريكية المحلية بدلاً من القواعد الأجنبية، واستعادة القيادة العالمية للولايات المتحدة مع إعادة تشكيل استخدام الجيش، وتحقيق توازن أفضل بين القيم الديمقراطية الليبرالية للولايات المتحدة ومصالحها الخارجية، وسيكون لكل هذه القضايا تأثير في علاقات الولايات المتحدة مع كل من السعودية وإسرائيل.

التطبيع لن يساعد بالضرورة الوضع السياسي داخل المملكة

سادساً، قد ترغب القيادة السعودية في أكثر من مجرد "الثمن الباهظ" التقليدي -أي إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة مقابل التطبيع- الذي تناقشه المعسكرات المؤيدة للفلسطينيين في الرياض. ويمكن لولي العهد السعودي الشاب، محمد بن سلمان، استخدام الدعم الأمريكي ضد العديد من الأعداء الذين صنعهم في طريقه للوصول إلى القمة، ليس فقط في السعودية، لكن أيضاً في الولايات المتحدة.

نظرة إلى المستقبل

من المفهوم أنَّ الولايات المتحدة وإسرائيل تريدان إضفاء الطابع الرسمي على اعتراف السعوديين بـ"حق الإسرائيليين في امتلاك أرضهم". ومع ذلك، تخاطر السياسات الحالية للدول الثلاث بحرمان السعودية من النفوذ الاستثنائي الذي تتمتع به على العالم الإسلامي. 

وتنبع القوة الإقليمية للسعودية بالأساس من القبول العابر للحدود لنفوذها وقدرتها على تحديد التوجهات خارج حدودها. لذا عندما تروق سياسات الرياض للمعتقدات الشعبية، تتضاعف قوتها الناعمة وتتجاوز قدرتها على التأثير في الحكومات الأخرى قدرتها المادية على إخضاعها.

ومن ثم، ليس من صالح واشنطن ولا الرياض ولا تل أبيب دفع السعودية نحو تبني سياسات من شأنها تهديد هذا النوع من القيادة الإسلامية والعربية وكذلك الشرعية المحلية، إذ تخاطر مثل هذه السياسات بإهدار قدرة المملكة على قيادة الدول الأخرى ذات الأغلبية العربية والمسلمة نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وذلك عندما يحين وقت السلام العادل المُتفاوَض عليه مع الفلسطينيين.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ياسمين فاروق
باحثة زائرة في برنامج الشرق الأوسط التابع لمنظمة أبحاث Carnegie Endowment for International Peace الأمريكية.
باحثة زائرة في برنامج الشرق الأوسط التابع لمنظمة أبحاث Carnegie Endowment for International Peace الأمريكية.
تحميل المزيد