في 27 أيلول/سبتمبر، أصدر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني مرسوماً ملكياً يقضي بحل مجلس النواب في المملكة قبل يوم واحد من انتهاء فترة ولايته رسمياً. ولهذه الخطوة نتيجتان مباشرتان: إنهاء حالة عدم اليقين بشأن ما إذا كانت الانتخابات ستُجرى في موعدها هذا العام، وإجبار رئيس الوزراء عمر الرزاز وحكومته دستورياً على الاستقالة. ولا تشير أي من هاتين النتيجتين إلى تحوّلات كبيرة في السياسة -بل ينبغي بالأحرى اعتبارهما جزءاً من الإدارة السياسية المحلية الروتينية للمملكة. ومع ذلك، نظراً للتحديات المعقدة التي يواجهها حالياً هذا الحليف الوثيق في الشرق الأوسط، على الولايات المتحدة أن تراقب عن كثب هذه التطورات وتعمل مع عمّان للحفاظ على الاستقرار.
الأثر على الانتخابات
في 29 تموز/يوليو، أصدر القصر الملكي مرسوماً ملكياً يدعو إلى إجراء انتخابات، مما دفع "الهيئة المستقلة للانتخابات" إلى تحديد تاريخ 10 تشرين الثاني/نوفمبر كتاريخ مُستهدف للانتخابات. ومع ذلك، استمرت حالة عدم اليقين حيث جادل المعلقون بأن تجدد حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في البلاد وغيرها من الظروف، تستدعي تأجيل الانتخابات. وكانت الوسيلة الأكثر ترجيحاً للتأجيل هي المادة 68 (2) من الدستور، التي تنص على التمديد التلقائي لمجلس النواب الحالي إذا انتهت فترة ولايته ولم يتم إجراء انتخابات. ومع إصدار مرسوم السابع والعشرين من أيلول/سبتمبر، لم يعُد هذا الخيار ذا أهمية عملية ومن المقرر إجراء الانتخابات في الموعد المحدد.
ومن غير المرجح أن ينتج عن الانتخابات القادمة سلطة تشريعية تختلف اختلافاً كبيراً عن المجلس التشريعي الحالي. وقد ميزت مثل هذه القدرة على التنبؤ الكثير من الحياة البرلمانية الأردنية منذ إعادة إحياء الانتخابات في عام 1989. فمن ناحية، عززت هذه السمة شعور المملكة بالاستقرار في الوقت الذي استسلمت فيه الدول المجاورة للفوضى أثناء "الربيع العربي" وفي أعقابه. ومن ناحية أخرى، قوضت مصداقية السلطة التشريعية. وقد أظهر استطلاع للرأي أجراه "المعهد الجمهوري الدولي" في آذار/مارس – نيسان/أبريل 2019 أن 33٪ فقط من الأردنيين الذين أجابوا على الاستطلاع يثقون بمجلس النواب "إلى درجة كبيرة" أو "إلى حد ما"، في حين أظهر استطلاع أجراه "مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية" في أيلول/سبتمبر 2020 أن 25٪ فقط يعتزمون التصويت في تشرين الثاني/نوفمبر.
من الناحية الإجرائية، ستتبع الانتخابات المقبلة القانون ذاته المستخدم في تصويت عام 2016. وعلى الرغم من أن هذا القانون كان يهدف إلى تقوية الأحزاب السياسية، فإنه في الواقع لم تحدث تغييرات كبيرة في المشهد السياسي الأردني منذ ذلك الحين. فالبلاد تضم اليوم حوالي خمسين حزباً مسجلاً، غير أنها ما زالت ضعيفة، ولا تزال الاعتبارات المحلية بدلاً من الانتماء الحزبي هي التي تهيمن على تشكيل اللوائح الانتخابية.
أما الاستثناء الوحيد فهو حزب "جبهة العمل الإسلامي" – الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين الأردنية – الذي أعلن في 21 أيلول/سبتمبر أنه سيشارك في الانتخابات. وعلى الرغم من تراجع نفوذ الإسلاميين مؤخراً في الأردن، تظل "جبهة العمل الإسلامي" قوة سياسية بارزة. ولم تكن مشاركتها نتيجة محددة مسبقاً نظراً للتوترات الأخيرة بين "الإخوان" والحكومة. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما إذا كان الإسلاميون سيلتزمون بالتفاهمات التقليدية غير المكتوبة ويحدّون من عدد المرشحين القادرين على النجاح الذين يقدمونهم، أو سيعمدون بدلاً من ذلك إلى تصعيد التوترات من خلال إشراك العديد من المتنافسين و/أو تبني رسائل قائمة على المواجهة.
من الرزاز إلى رئيس الوزراء القادم
تنص المادة 74 (2) من الدستور على أن "الحكومة التي يُحل في عهدها مجلس النواب تستقيل خلال أسبوع من تاريخ الحل، ولا يجوز تعيين رئيسها لتشكيل الحكومة التالية". وعليه، سيتعين على رئيس الوزراء الرزاز تقديم استقالته، وسيقوم الملك بتعيين رئيس وزراء جديد لتشكيل الحكومة المقبلة، ربما في وقت مبكر لا يتجاوز هذا الأسبوع.
وتم تعيين الرزاز في حزيران/يونيو 2018، مما جعل فترة تولي حكومته ثالث أطول فترة لحكومة أردنية من بين الحكومات الثلاث عشرة التي تشكلت منذ تتويج الملك عبدالله في عام 1999. وقد شهدت فترة ولايته إقرار العديد من القوانين المثيرة للجدل، بما فيها نسخة معدّلة من قانون الضرائب الذي لم يحظَ بشعبية والذي ساعد سابقاً على إثارة احتجاجات شعبية ودفع سلفه هاني الملقي إلى الاستقالة. كما أشرف على إصلاحات بارزة تهدف إلى معالجة بعض المعوّقات الهيكلية للتنمية الاقتصادية في المملكة.
ومع ذلك، طغت جائحة فيروس كورونا على ولايته. ففي البداية، أدى تعامل الحكومة الناجح مع الأزمة إلى رفع نسب تأييده، غير أن الارتفاع الأخير في حالات الإصابة بـ "كوفيد-19" -إلى جانب الرسائل المتضاربة من الوزراء وعدم الوضوح بشأن كيفية التعامل مع موجة الإصابات الجديدة- سرعان ما قوّضت مكانته. وبالإضافة إلى الأثر السياسي والاقتصادي لفيروس كورونا المستجد، اضطرت المملكة إلى إدارة التوترات مع الولايات المتحدة وإسرائيل على خلفية التطورات الفلسطينية، فضلاً عن تداعيات اتفاقية التطبيع التي لا تحظى بشعبية بين إسرائيل والإمارات، وهذه الأخيرة هي أحد الداعمين الرئيسيين للأردن وأقرب حليف له [بين دول] الخليج. وكشفت هذه العوامل مجتمعةً افتقار مجلس الوزراء الأردني إلى الانسجام الداخلي، الأمر الذي دفعه إلى اتباع مقاربة مؤمّنة بشكل متزايد تجاه المعارضة.
سيتعين على رئيس الوزراء المقبل مواجهة التحديات نفسها – لا سيما الاقتصاد (الذي توقع "صندوق النقد الدولي" انكماشه للمرة الأولى منذ عقود) وعملية الانتخابات (التي ستجرى في ظل ظروف غير مسبوقة متمثلة بالوباء). وسيتعين القيام بكل هذا العمل الشاق في سياق المشاعر العامة السلبية. فوفقاً لاستطلاع "مركز الدراسات الاستراتيجية" المذكور سابقاً، يعتقد 10٪ فقط من المستجيبين الأردنيين أن البلاد تسير في الاتجاه الصحيح، وهو انخفاض كبير عن نسبة 91٪ المسجلة في آذار/مارس. وسيعكس اختيار رئيس الوزراء الجديد وتشكيلة حكومته، الكيفية التي يعتزم بها العاهل الأردني مواجهة هذه التحديات، بما فيها ما إذا كانت المرحلة المقبلة في الأردن ستتصف بنهج أكثر تحفظاً وأمناً في مواجهة التحديات السياسية الداخلية.
الخاتمة
فيما يتعلق بالتحركات السياسية الأخيرة التي قام بها الأردن، تجدر الإشارة إلى أنه ليس هناك تأثير مباشر لهذه الخطوات على السياسة الخارجية للمملكة أو على جوانب أخرى تؤثر مباشرةً على المصالح الأمريكية في المنطقة. فهذه السياسات يتم تحديدها من قِبَل العاهل الأردني وليس مجلس الوزراء. إلّا أن للسياسات الأمريكية تأثيراً على الأردن. فلا تزال واشنطن الداعم المالي الرئيسي للمملكة، كما أن العلاقات العسكرية والاستخباراتية والدبلوماسية الثنائية قوية للغاية. ومع ذلك، تعتقد عمّان أن السياسات الأمريكية المتعلّقة بالصراع العربي – الإسرائيلي لا تكترث لمصالح الأردن وحساسياته وقد ساهمت في شعوره بالقلق.
لذلك، يجب على واشنطن تجنب أي عمل قد يُفسَّر ولو باحتمال بعيد على أنه تدخّل. وتجدر الإشارة إلى أن السفير الأمريكي الجديد هنري ووستر قد تولّى للتو منصبه في عمّان وسيخضع لتقييم دقيق، لا سيما بعد أن كانت قد وُجهت اتهامات ضد سلفه بالتدخل. وبالنظر إلى مدى أهمية استقرار المملكة بالنسبة لأهداف الولايات المتحدة في المنطقة، ينبغي على واشنطن التواصل بهدوء مع السلطات الأردنية بشأن الجهود المبذولة للحفاظ على الاستقرار خلال الفترة الانتقالية المقبلة. يجب على كلتا الدولتين أيضاً العمل معاً على استراتيجيات لمعالجة العوائق الهيكلية القائمة مسبقاً أمام التنمية، والتحديات الاقتصادية الأكبر التي ولّدتها جائحة كورونا على السواء.
هذه المقالة مترجمة من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.