مصر والمغرب والجزائر والخليج.. كيف يبدو أفق الديمقراطية في العالم العربي؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/10/02 الساعة 12:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/02 الساعة 14:46 بتوقيت غرينتش

ربما كان عالم السياسة الأمريكي لاري دايموند ذكياً حين كتب في 22 مايو/أيار 2011، بحذر شديد، مقالة شهيرة في "الفورين أفيرز" غداة ربيع الشعوب العربية، متردداً في وصف الحراك الديمقراطي بين الموجة الرابعة وبين الانطلاقة الخطأ.

فمع كل التراكم المعرفي الذي حصله حول تجارب الانتقال الديمقراطي في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية وآسيا، ومع الفورة الثورية الكبيرة التي رصد صداها في تونس ومصر وغيرهما، فقد ظل محافظاً على هدوئه التحليلي، لأنه يدرك أن توطين الديمقراطية في العالم العربي ليس أمراً سهلاً، ولا يمكن بسهولة أن تسحب عليها وصفات الانتقالات الديمقراطية بمختلف تجاربها.

قبله ربما بعقد من الزمن كتب أحد كبار باحثي مؤسسة كارنيغي، غراهام فولر، مقالاً حول الديمقراطية في العالم العربي، تحدث فيه بإسهاب عن المعيقات الموضوعية للديمقراطية في العالم العربي، وذكر قاعدته المشهورة، "حيث وجد النفط فلا ديمقراطية". 

مرت على المبادرة الأمريكية لترقية الديمقراطية في الشرق الأوسط الآن حوالي عقدين من الزمن، وهي مدة كافية ليس فقط لتقييم وضعية الديمقراطية في العالم العربي، ولكن أيضاً لدراسة أثر تحول الاستراتيجيات الدولية في استشراف مستقبل الديمقراطية في العالم العربي.

مع المبادرة الأمريكية التي جاءت عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، كانت الاستراتيجية الدولية تميل إلى ربط المصالح الأمريكية والأوروبية بحدوث تحول سياسي في العالم العربي، وأن الجمود على حالة "الستاتيكو"، كانت تعني بالنسبة لصناع القرار السياسي ومستودعات التفكير الاستراتيجية تعريض هذه المصالح للخطر، وفي الوقت ذاته توسيع جبهة التطرف.

نعم كان الخلاف الأمريكي الأوروبي ظاهراً، فالقارة العجوز التي سبقت أمريكا لفكرة دعم التحولات السياسية، نكصت على عقبها، وبدت أكثر محافظة، وأشد نزوعاً للطرح الأمني على حساب الطرح السياسي الداعم للتحولات، وذلك مبرر بحجم التخوفات والتهديدات التي كانت تستشعرها أوروبا، لاسيما من جنوب المتوسط، وأيضاً من الساحل جنوب الصحراء.

كانت المعضلة وقتها أن دعم التحول السياسي في ظل هشاشة القوى العلمانية وعزلتها سيفضي إلى تصدر الإسلاميين للمشهد، وكانت السيناريوهات المطروحة تتسم بالتباين والتعدد، بين رأي يسوغ التدخل لتوجيه الديمقراطية في حالة إفضائها لصعود الإسلاميين لمربع الحكم، وبين رأي، يرى ضرورة مشاركة الإسلاميين في الحكم دون وصولهم إلى مركز الثقل في القرار السياسي.

ومهما يكن حجم هذا الاختلاف في التقديرات الأمريكية والأوروبية، فقد انتهت هذه المرحلة بشكل كامل غداة إسقاط محمد مرسي من الحكم في مصر، ودخول موجة جديدة تم الاصطلاح عليها بـ"خريف الديمقراطية" في العالم العربي، وصمود تجربتين اثنتين في تونس والمغرب، قامتا على فكرة التوافق والشراكة، مع ضمانات في المغرب بوجود المؤسسة الملكية فوق القوى السياسية جميعها.

اليوم، لم تعد مسألة دعم الديمقراطية أو إعاقتها شأناً ذا بال بالنسبة للقوى الدولية، فبدل أن تضطلع الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الشأن، كما كانت تفعل في السابق، فقد أصبحت هناك قوى إقليمية، تقوم مقامها في تعطيل الديمقراطية ومناهضة القوى الديمقراطية، كما أوشكت تجربة التوافق والشراكة على أن تنهي مرحلتها.

في تونس، تم إنهاء فكرة الشراكة والوفاق بفكرة حكومة التكنوقراط غير الحزبية، وأصبحت القوى السياسية التي أفرزتها صناديق الاقتراع متهمة بالمسؤولية عن الأزمة التي دخلت فيها البلاد، وأصبحت صورة الأحزاب السياسية مرتبطة في ذهن الرأي العام باقتسام الكعكة وتكريس الأزمة الاقتصادية في البلاد، وعدم القدرة على مواجهة المعضلة الاجتماعية الآخذة في التعمق.

في المغرب، يتم حالياً الاشتغال على استبدال الخيار السياسي لدعم العملية الديمقراطية بالخيار التقني لترسيم واقع توازن القوى السياسية، وذلك بتغيير القاسم الانتخابي، والأساس الذي عليه يحتسب، وذلك بتقليص عدد مقاعد بعض القوى الديمقراطية، ويتم تأصيل هذا النقاش التقني بلغة سياسية تعطي الأولوية للتوازن السياسي على حساب القواعد الديمقراطية.

ليبيا واليمن، ما زالتا تعيشان وضعية التحلحل في الحل السياسي مع اختلاف القوى الإقليمية في المنطقة، مع تباين بين السياقين حول موازين القوى بين القوى الديمقراطية وبين إرادات الفاعلين الإقليميين لإزاحة الديمقراطية وقواتها الحية (ليبيا)، وأيضاً حول مركز الثقل في السلطة وأي القوى السياسية تضطلع به (اليمن).

الإمارات والبحرين دخلتا بشكل نهائي للمربع الإسرائيلي، في حين لا زالت السعودية مترددة في الدخول العلني لهذا المربع، بسبب خلافات في مربع الحكم، وبسبب تداعيات محتملة يصعب التحكم فيها، وسط رهان أمريكي كبير على تحويل اتجاه السياسة الخارجية لدعم مسار التطبيع، وتحديد الولاء على أساسه لا على أي أساس آخر.

الجزائر، تدخل بدورها موجة تعديل الدستور، ثم موجة الانتخابات، وهي تدرك أن وضعها في المنطقة محرج، لكونها لم تلتحق بأي معسكر، لا المعسكر الديمقراطي، ولا معسكر التطبيع، ولا معسكر معاداة القوى الديمقراطية في المنطقة، إذ ارتبطت بمعادلة محلية جد ضيقة ترتبط بتأمين السلطة بيد جنرالات الجيش، ونقل ثقلها من طرف لآخر.

مصر التي تعيش على إيقاع الفورة الاجتماعية، لا يبدو فيها أي أفق سياسي، إلا أن يأتي التغيير من داخل بنية السلطة، باستثمار بعض أطرافها لهذه الانتفاضة الاجتماعية لتعديل موازين القوى داخل بنية السلطة على الطريقة نفسها التي حدثت في الجزائر.

في المحصلة، يعيش العالم العربي اليوم على إيقاع واحد هو إيقاع  إعادة ترتيب مراكز الثقل في السلطة، ولكن من خلال ثلاثة أشكال، شكل إزاحة القوى الديمقراطية بإحدى الوصفات غير الديمقراطية (حكومة تكنوقراط، أو التحكم في الخريطة الانتخابية بصيغ تقنية)، وشكل إحداث التغيير لكن من داخل بنية السلطة كما في النموذج الجزائري والسوداني، وربما يلحق بهما النموذج المصري،  وشكل البحث عن تسويات سياسية وسط تباين في موازين القوى بين القوى الدولية والإقليمية في كل حالة على حدة، كما هو الشأن في النموذج السوري، والنموذج اليمني ويلحق بهما النموذج اللبناني.

الخلاصة، أن العالم العربي رجع خطوة إلى الوراء، ليس بالقياس إلى مرحلة التحولات الديمقراطية، ولكن بالقياس إلى زمن دعم الأنظمة الاستبدادية، لكن مخاطر هذا النكوص، وهذا السيناريو التراجعي، ستكون جد مكلفة، لأن بنية السلطة استنفدت كل خياراتها، وأدخلت في بعض النماذج المؤسسة العسكرية إلى الواجهة السياسية، كما دفعت بمؤسسات الإجماع إلى الاحتكاك المباشر بالجمهور، وهو ما يشكل خطراً على الشرعية، ومقدمة لربيع عربي آخر، ربما يكون أكثر حدة من سابقه.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بلال التليدي
كاتب ومحلل سياسي مغربي
كاتب ومحلل سياسي مغربي