ثورة خالدة نقلت اليمن من ظلمة الكهوف إلى رحاب العصر، ثورة 26 سبتمبر (أيلول) أعادت اليمن إلى أهله الحقيقيين، واستعادت اليمن من يد أهل الكهنوت بعد أكثر من ألف عام، وبعد 129 عاماً من الاستعمار البريطاني للجنوب. لقد أنقذت ثورة 26 سبتمبر (أيلول) اليمن من أحلك فترات التاريخ، وبدأت تبحث لليمنيين عن وجود حقيقي على خارطة العالم، بعدما كادت قوى الكهنوت والاستعمار تجعله شعباً في طي النسيان.
نور سبتمبر يُطل علينا رغم العتمة، أَلقاً وضياءً، متفوقاً على كل الرزايا والمؤامرات التي ما كان لغيره أن يتخطاها، وفي ظروف بالغة التعقيد يمر بها الوطن جرّاء استمرار الحرب التي لم تفلح -رغم ضراوة أطرافها- في تقويض تطلعات الشعب إلى السلام.
إن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر ستظل حدثاً استثنائياً، فهي ثورة خالدة نقلت اليمن من ظلمة الكهوف إلى رحاب العصر، وكان قربانها آلافاً من أنبل وأشجع الرجال والضباط اليمنيين الأحرار، من أبناء الشمال والجنوب والمصريين على السواء، لتصنع ذلك التحول في حياة الشعب اليمني، وتخرجه من ظلمات الجهل والتخلف والاستبداد والظلم إلى آفاق العدل والمساواة والحرية والبناء. ولئن كانت الآمال باسقة في بناء وطن مشمول بمضامين الأهداف الستة الجامعة، إلا أن جناية الأنظمة الفاسدة التي فقدت بوصلة المشروع الوطني وتزاحمت على أرباح قاصرة كانت كبيرة، حيث وَأَدَتْ تلك الطموحات، لكنها لم تئد مسارات الفعل الثوري لسبتمبر كخيار حتميِّ الضرورة، وكواقعٍ لا يمكن القفز عليه، وكمسلّمة بأن عجلة التاريخ لا تعود إلى الوراء، وأن أية محاولة في هذا الصدد سيكون مصيرها حتماً الفشل، ناهيك عن وأد حقوق المواطنة بتصنيفات مقيتة للإنسان اليمني على أساس العرق أو اللون، وقد لفظها تاريخ اليمن.
وما الثورة وسيرها في مسارات تطورها إلا أحد الأمثلة الساطعة في تصفية هذا النوع من التصنيفات للبشر من العقول والنفوس، وتضرب الحياة الإنسانية اليوم الكثير من الأمثلة في رفضِها استحالةَ العودة إليها، واليمن جزء من هذا الكون الإنساني في القرن الـ21.
آن الأوان لتستردّ 26 سبتمبر روحها المنهوبة، وتتولد من جديد في كل شيء.
لا تستهينوا بشأن الاحتفال بعيدها، فنحن بحاجة اليوم أكثر من أي وقت آخر إلى تعميقها في النفوس، إيماناً ووعياً وإدراكاً بأهمية الوجود والموجود. الأهداف الستة التي لم تتحقق لا تزال هي الأبهى والأَوْلى بالعناية فكراً وعملاً، ولنا أن نُحيي فيها طموحاتنا للمستقبل على ضوء معطيات الحاضر. حوالي 6 عقود من الثورة، والثورة المضادة، حتى فار التَّنّور وبان المستور، وظهر إلى السطح كل أنواع القبح، وأسباب العلل.
نحن اليوم أحوج ما نكون إلى مشروع وطني يلتقي حوله أبناء الشعب اليمني كافة، بلا فوارق أو تمايز أو عمالة وتبعية لأي كيان مهما كان ومهما كانت قوته. قيمة هذه الثورة العظيمة لا تكمن في القضاء على الكهنوت والظلم والاستبداد فقط، لكنها كانت المحور الذي بدأت من خلاله مسيرة إعادة توحيد شطري الوطن الواحد، ودعم الثورة في جنوب الوطن ضد المستعمر البريطاني.
فمن يحتفل بهذه الذكرى لا بد أن يمتلئ قلبه ووجدانه بقيمة عُليا لا تنفكّ عن حرية هذا الشعب وكرامته، ألا وهي الوحدة اليمنية.
في هذه الذكرى يجب أن نعي أكثر أننا مطالبون بالوقوف كرجال أحرار وكِرام ضد كل مشاريع الكهنوت والتقسيم والاحتلال، والأهم من ذلك أن نستبدل الأحلام والطموحات بالخطط والمشاريع العملية والمواقف الواضحة. الانقلابيون يصفون الشعب اليمني بالمنافق؛ لأنه يُظهر حُبَّه للنظام الجمهوري، ويعلن كرهه المطلق للحكم الإمامي الهاشمي الكهنوتي العنصري.
ويدّعون الصدق وسلامة النفس وهم يُبطنون كرههم لثورة 26 سبتمبر ويعتبرونها انقلاباً، وفي الوقت ذاته يرفعون شعارات الجمهورية، ويبتسمون للجمهوريين بلا خجل أو وجل. ثورة الـ26 من سبتمبر أعطت قُبلة الحياة للشعب اليمني عام 1962م، ولا يمكن العودة إلى الخلف، فلا بد لليل أن ينجلي، ولا بد للجهل أن يختفي. الثورة السبتمبرية إعادة صياغة للإنسان اليمني على مبدأ المساواة والعدل، وقضت على فرمان التفريق السلالي، القائم على تقسيم الناس إلى سادة وعبيد.
توعية الأجيال بأهميتها أمانة في رقابنا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.