قال حاكم ولاية كاليفورنيا، غافين نيوسوم، إن سبب حرائق الغابات في الولاية هو التغير المناخي، وإن "موسم الحرائق الدامي والقياسي لا بد وأن يُنهي الجدل بشأن التغير المناخي". وأضاف: "إن النقاش انتهى بشأن التغير المناخي. فلتأتوا فقط إلى ولاية كاليفورنيا لتروا ذلك بأنفسكم".
وفي مؤتمر صحفي عقد قبل أيام في ذات الولاية حذر وزير الموارد الطبيعية الرئيس ترامب من ارتفاع درجات الحرارة وتزايد الحرائق في البلاد بسبب التغيير المناخي وطلب التعاون العلمي لإيقاف الكارثة. فكان رد ترامب بكل بساطة: "لا تقلق ستنخفض الحرارة، لا أعتقد أن العلم يعرف شيئاً"!
وفي دراسة جديدة نشرت في مجلة Science حذرت من أن درجات الحرارة العالمية بحلول نهاية القرن ستصل إلى مستويات لم تشهدها منذ 50 مليون سنة، إذا لم يجر الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بشكل كبير.
لا يزال العالم منقسم بحقيقة التغير المناخي وخطره على الأرض، فلا ينطبق الأمر على ترامب فقط، فجشع لوبي صناعة النفط والغاز الفحم يقف وراء التشكيك الدائم بهذا الخطر المحدق بالكرة الأرضية طمعاً بالمزيد من كسب الثروة على حساب جودة الحياة ومستقبل الأرض ومن يعيش عليها. وليس مستغرب أن يكون رد ترامب بأن العلم لا يعرف شيئاً وهو الذي انسحب من اتفاقية باريس للمناخ بعد ستة أشهر من وصوله إلى البيت الأبيض معللاً ذلك بالعبء الاقتصادي الكبير على الولايات المتحدة والعمال الأمريكيين ودافعي الضرائب والشركات الأمريكية.
وتقضي اتفاقية باريس للمناخ التي وقّعت عليها 196 دولة حول العالم، أن تبقى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أقل من درجتين مئويتين وفقاً لمستويات ما قبل الثورة الصناعية. وهذا يعني القيام بالمزيد من الإجراءات الصارمة والعمل على ترشيد استهلاك الطاقة والاستثمار بالطاقات المتجددة وإعادة تشجير الغابات للحد من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري وفي مقدمتها غاز ثاني أوكسيد الكربون والذي بدوره يرتفع إلى الغلاف الجوي للأرض مؤدي بذلك إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض.
وفي ظل جائحة كورونا وأثناء الإغلاق الكبير في العالم الذي سببه تفشي فيروس كورونا. وأظهرت صور الأقمار الصناعية تحسّن كبير في جودة الهواء في الصين وإيطاليا وانخفض معدل انبعاث غاز أول أوكسيد الكربون في الهواء والناتج عن عوادم السيارات بالدرجة الأولى، وطرأ تغير واضح على جودة الهواء ولون السماء في الهند بسبب إغلاق الكثير من المنشآت الصناعية وتوقف حركة القطارات والسيارات في البلاد، ما أدى إلى تقليل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بشكل كبير في البلاد.
ماذا بعد كورونا؟
هذا التغيّر الجيد والطارئ والملحوظ والمفيد لكوكب الأرض قد لا يدوم طويلاً في حال عادت عجلة الحياة الطبيعية عما كانت عليه سابقاً قبل تفشي جائحة كورونا وعودة عجلة الاقتصاد معها وتشغيل المصانع بكامل طاقتها لتعويض خسارتها طيلة فترة الإغلاق، وهذا ما يثير الخوف والتساؤل في آن واحد. ماذا سيكون الحال بعد الجائحة؟ وهل ستبقى ممارساتنا نفسها ما قبل الجائحة بعد أن تنفست الأرض الصعداء جراء فيروس أصاب سكانها وأجلسهم بيوتهم وأراحها؟!
هذا التعافي الذي طرأ على الأرض من تقليل انبعاثات الوقود الأحفوري والغازات الدفيئة الأخرى إلى الغلاف الجوي، ومن تحسّن جودة الهواء وصفاء بعض البحيرات والممرات المائية في بعض المدن لن يدوم طويلاً، بل ستكون بمثابة استراحة محارب لمعركة أشد وطأة ستبدأ بعد تعافي الحياة البشرية من جراء فيروس كورونا. سيعود الإنسان بكل ما أوتي من قوة للإضرار بكوكب الأرض، وستكون أضرار هذه العودة وخيمة وجسيمة على المناخ والبيئة وجودة الهواء والحياة وتفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري. فسوف تعود ملايين السيارات بشكل أكبر إلى العمل وستعود آلاف المصانع والمعامل أيضاً وستكون هناك دورة اقتصادية مضاعفة بعد التوقف المفاجئ بسبب التداعيات التي فرضها كورونا، وستكون لهذه العودة ثمن تدفعه الأرض وبدوره يأثر علينا اليوم، وسيكون أشد خطورة على مستقبل الأجيال القادمة وعلى مليارات البشر وعلى الحياة البيئية والبرية.
في النهاية، نشر قبل أيام مؤشر السلام العالمي global peace index التهديدات البيئية العالمية لعام 2020 وأتت كالتالي: النمو السكاني - الإجهاد المائي - الكوارث الطبيعية - ارتفاع درجات الحرارة - انعدام الأمن الغذائي - ارتفاع مستوى البحر.
قد نتفق أو نختلف مع هذه التهديدات وتفاوت شدة تأثيرها على البشر من منطقة إلى أخرى، ولكن لا بد لنا أن نتفق على أن سلوك البشر يجب أن يتغير إن أردنا لهذا الكوكب أن يستمر، وأن نؤمّن لأجيالنا القادمة حياة تحفظ لهم أبسط متطلبات الحياة، حياة آمنة بعيدة عن خطر الكوارث والحرائق والمجاعة والجفاف، والعمل أكثر على بيئة أكثر آماناً واستثمار أكبر في مصادر الطاقة نظيفة ومتجددة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.