بيان الفصائل بين رام الله وبيروت.. انفصام الأقوال والأفعال

عدد القراءات
1,847
عربي بوست
تم النشر: 2020/09/09 الساعة 11:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/09 الساعة 11:57 بتوقيت غرينتش

تداعت قيادات الفصائل الفلسطينية لعقد اجتماع لها (يوم 3/9) حضره "قياديون" من الداخل في رام الله، والخارج في بيروت (وفق تطبيق الزووم)، وهو الاجتماع الأول من نوعه، ربما، منذ أكثر من ثلاثة عقود، بحكم الخلاف الحاصل نتيجة اتفاق أوسلو (1993) وإقامة السلطة الفلسطينية، وبواقع انقسام كيان السلطة (2007)، حيث باتت فتح وحماس بمثابة سلطة، الأولى في الضفة والثانية في غزة.

هكذا شهدنا أن ثمة ممثلين عن 14 فصيلاً حضر الاجتماع، الذي تحول إلى مهرجان للخطابة، ففي رام الله حضر ممثلون عن: فتح، وجبهات التحرير والنضال والعربية الفلسطينية والتحرير العربية، وحزب الشعب، وحزب فدا، وحركة المبادرة، وفي بيروت، حضر ممثلون عن: حماس والجهاد الإسلامي والصاعقة والقيادة العامة، والشعبية والديمقراطية، في حين لم تشارك أربعة فصائل (فتح الانتفاضة والتحرير والنضال والحزب الشيوعي الثوري)، أو إنها غيبت لسبب أو لآخر. ويستنتج من ذلك أن ثمة 18 فصيلاً للفلسطينيين في الخارج وفي الضفة والقطاع المحتلين، وإذا أضفنا إليهم نحو ستة أو سبعة كيانات سياسية لفلسطينيي 48 فهذا يضعنا إزاء 25 فصيلاً أو حزباً يفترض أنهم يمثلون الحركة السياسية للفلسطينيين.

بيد أن التمعن بذلك العدد يفيد، أولاً، أن ثمة فصائل وأحزاب ليس لها أي وجود حقيقي، سواء على صعيد التمثيل الشعبي، أو بالنسبة لدورها المفترض في مواجهة إسرائيل، كما وليس لها أية هوية فكرية أو سياسية متميزة. 

ثانياً، معنى ذلك أن ثمة فصائل تدين بوجودها لأطراف إقليمية، كما بالنسبة لمعظم الفصائل المتواجدة في سوريا، مثلاً، كما ثمة فصائل تدين بوجودها لواقع الانقسام الفلسطيني في ظل الاستقطاب الحاصل بين حركتي فتح وحماس، السلطتين في الضفة وغزة. 

ثالثاً، يفيد ذلك أيضاً أن معظم الفصائل إنما تستمد الاعتراف بها من نظام "الكوتا" المعتمد في تشكيلة منظمة التحرير الفلسطينية، وهو نظام من زمن ما يسمى "الشرعية الثورية"، الذي أكل الدهر عليه وشرب، في وضع بات يتطلب التمثيل وفقاً للانتخاب. 

رابعاً، إن العدد المذكور يدعو للاستغراب حقاً؛ إذ لا يوجد فرق بين عديد من التنظيمات، فإذا اتفقنا أن التيار الوطني العمومي تمثله حركة فتح، في حين تمثل حركة حماس التيار الإسلامي، والجبهتان الشعبية أو الديمقراطية تمثلان التيار اليساري، فما الداعي لكثرة التنظيمات إذاً؟ إلا إذا كان الأمر يتعلق بنفوذ أشخاص يحرصون على البقاء في المواقع القيادية، وتلك هي الحقيقة المرة المستمرة من خمسة عقود.

المشكلة، فوق كل ما تقدم، أننا نتحدث، أولاً، في واقع أفول الخيارات الوطنية الفلسطينية، في المقاومة والانتفاضة والمفاوضة، في بناء المنظمة أو بناء السلطة، في برنامج التحرير أو برنامج إقامة دولة في جزء من أرض لجزء من الشعب مع جزء من الحقوق، ما يعني أن تلك الفصائل وصلت إلى سقفها وأنه لم يعد لديها ما تضيفه. 

ثانياً، نحن نتحدث عن فصائل بات لها عقود من الزمن في وضع لا حراكات داخلية أو ديمقراطية فيه، ما يعني تكلّس وجمود البنى القائمة، مع لفت الانتباه إلى أن تلك الفصائل لم تقم ولا مرة بمراجعة مسيرتها وتجربتها بطريقة نقدية ومسؤولة. 

ثالثاً، يأتي هذا الحديث في واقع تستمد الحركة الوطنية الفلسطينية فيه مواردها من الخارج، وليس من شعبها، ما يجعلها رهينة إزاء الخارج، ومتحررة في خياراتها وسياساتها إزاء شعبها، وهو ما يفسّر ذهاب القيادة الفلسطينية نحو مفاوضات أوسلو بطريقة سرية، ومن وراء ظهر الشعب الفلسطيني.

هكذا، فقد جاء الاجتماع المذكور على شكل مهرجان خطابي، ألقته شخصيات كأنها آتية من التاريخ، أي منفصمة عن الواقع، معظمها في السبعينيات والثمانينيات في العمر، إذ لم نشهد أي نقاش أو مراجعة، ولا أية مساءلة عن كل ما حصل، ولماذا وصلنا إلى هنا؟ وباختصار فإن ذلك الاجتماع، الذي فتح على الأثير لاطلاع الرأي العام، جاء مخيباً للآمال، إذ كرر ذات العبارات المستهلكة، ولم يقدم أي جديد، وكانت المجاملات سيدة الموقف.

وفي الحقيقة فإن القيادة الفلسطينية لم تعدّ ذاتها، ولا شعبها، لمواجهة الاستحقاقات والتحديات والمخاطر الكثيرة، من خطة ترامب (صفقة العصر) إلى خطة نتنياهو (ضم أجزاء من الضفة) إلى خطط التطبيع العربية مع إسرائيل، وفوق ذلك فهي تفتقر إلى أوراق القوة اللازمة لها لتدعيم موقفها، أو مكانتها، في الصراع ضد إسرائيل، فمنظمة التحرير باتت مهمشة لصالح سلطة تحت الاحتلال، وهذا التهميش حصل بيد تلك القيادة ذاتها أكثر من أي طرف آخر، والفلسطينيون في الخارج، أي اللاجئون، باتوا خارج المعادلات السياسية، بعد أن انتقل مركز الثقل إلى الداخل، وبعد أن أضحت المنظمة مجرد فولكلور فلسطيني، أو مجرد منبر للمناسبات. أما بخصوص السلطة الفلسطينية فهي في أضعف حالاتها، ليس كنتاج للانقسام فحسب، وإنما كنتاج لأفول الشرعية، وبواقع ضعف مبنى الحركة الوطنية الفلسطينية، سواء على صعيد المنظمة أو الفصائل، وبحكم الفجوة بين مجتمعات الفلسطينيين والقيادة في الداخل والخارج، وغياب، أو ضعف، حواضن العمل الوطني الفلسطيني العربية والإقليمية والدولية، في الظروف والمعطيات الراهنة.

على ذلك بديهي أن تأتي نتائج اجتماع الثالث من سبتمبر باهتة، ومتأخرة، ولا مفاعيل لها، فهي تتحدث عن مجرد دعوات للمقاومة الشعبية، والإسراع في إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة والشراكة الوطنية، والعيش في ظل نظام ديمقراطي وسلطة واحدة، كأنها ليست هي القيادة المعنية بترتيب كل ذلك، أو كأنها لا تتحمل كقيادة المسؤولية عن غياب أو تغييب كل تلك العناصر، والأهم من ذلك أن هذا الاجتماع القيادي نتج عنه تشكيل لجنة ستحيل الأمر إلى المجلس المركزي، ما يذكر بقرارات سابقة، ضاعت بين اللجان، أو في أدراج المجلس المركزي.

قصارى القول: بدون إعادة بناء البيت الفلسطيني، واستعادة التطابق بين الأرض والشعب والقضية، ومن دون استعادة الحركة الوطنية الفلسطينية لطابعها كحركة تحرر وطني، بالخروج من شرك السلطة، فلا يرتجى من أي بيان، أو اجتماع؛ لأن ذلك لن يفضي إلا إلى إعادة إنتاج التجربة الماضية، وبالتالي أفول الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ماجد كيالي
كاتب سياسي
كاتب سياسي فلسطيني له العديد من المقالات والدراسات السياسية والكتب.