إذا لم تقرأ للكاتب المصري طارق إمام من قبل، فاسمح لي أن أُطلعك على تفاصيل رائعته "مدينة الحوائط اللانهائية"، المدينة التي خلقها "طارق إمام" ليكتب عنها بطريقة رائعة وجميلة.
تتكون المجموعة القصصية من ثلاثة أجزاء، أولها "نساء مدينة الحوائط"، وثانيها "رجال مدينة الحوائط"، والجزء الأخير يتحدث عن "غرباء مدينة الحوائط". المدينة نفسها مجرد بيت كبير جداً يحتل مساحة المدينة كاملةً تقريباً، بلا سقف، وبلا أبواب، وبها ممرات تكفي أن يمر منها شخص واحد فقط، ولكن لا يمر منها الشخص نفسه مرتين.
طارق إمام يحكي، يُمتع، يُجدد، لا يهتم بالرمزية رغم وجودها أحياناً، أو الإسقاطات. هو فنان يهدف بفنه إلى أن يجعل القراءة ممتعة وجميلة، فنية، بليغة ورصينة، هو مجدد بلا شك، يكتب القصة دون التزام القواعد التي تصرخ فينا الأغلبية من وقتٍ إلى آخر لكي نلتزم بها! اللعنة علی القواعد. بالنسبة إلي، القاعدة الواحدة التي يجب أن يسلكها المرء حينما يحكي حكاية أو يكتبها هي أن تكون تلك الحكاية ممتعة ومسلية، يمكنها ركل الاكتئاب من روحك وزحزحة الوقت الثقيل بعيداً عن القلب المتعب في الحياة الواقعية السخيفة التي نحياها.
طارق إمام يكتب بلغة خاصة، وأسلوب فريد، خيال جامح لا حدود له، ووصف للمشاعر الإنسانية في أروع صورة، دون تعقيد أو تعثر، يُعرفك الكاتب في البداية إلی المدينة، ثم إلی أهلها، ومن ثم يبدأ في الحديث عنهم، وعن مشاكلهم، وعن أحزانهم الخاصة، وأفكارهم وأحداثهم الغريبة.
لم أحب فكرة الرسوم الموجودة داخل العمل، ولكن بما أنه عمل يتكلم عن مدينة غير موجودة، فأظن أن وجودها كان واجباً لفقراء الخيال أمثالي، ليتعرفوا إلی شخصيات العمل مثل المرأة التي تمتلك عيناً واحدة كبيرة، أو الساحرة الطائرة، وغيرهما.
لم يَفُت طارق إمام أن يتحدث عن الحزن أو الفقد، عن الفقر أو الجشع، عن الأحلام والأمنيات التي قد يموت المرء قبل أن يصل إليها. صحيح أنه لم يصبغ العمل كله بتلك الصورة، لكنها بدت واضحة في إطار المدينة التي تری معجزة كل يوم، والتي تفقد رجالاً أو نساءً كل فترة حسب اللعنة الموجهة إليهم.
تبدو الحكايات التي يحكيها إمام كأنها تراود القارئ عن نفسه، أنا لا أحب الخيال، ولكني أحب ما يكتبه هذا الرجل بطريقته الفريدة. تبدأ في القراءة وأنت تتخيل كيف يمكن أن يكون شكل مدينة بلا أبواب أو سقف، بها سحرة ملعونون، وبها كل يوم إما معجزة وإما لعنة تحل بأهل المدينة الغريبة التي لا تتعظ، ولا تستطيع أن تتفادی الوقوع في الأخطاء مراتٍ عديدة.
يحكي طارق إمام بطريقة الراوي العليم، فيخبرك عن السحر الذي ينقلب علی صاحبه، وعن المرأة اللعوب التي تشيخ وتظل أمنيتها الوحيدة أن تقابل حب حياتها في صباها، وعن التلميذ الذي يقع فريسة سهلة للشيطان ليخون أستاذه، وجبل الكحل الذي يُغرق المدينة في يومٍ غابر، والصياد الذي يجد الجواهر داخل الأسماك، لكنه يرفضها لأنها رفضت أن تأتيه وقت أن كان يحترق من أجل الحصول عليها، وزوجة الصائغ التي تكره الذهب وتُعطيه للعابرين كأنه كسرة خبز، وحكاية المسافر الذي صعد البئر، والمرأة التي تُغني، والجارية والعصا الملعونة، وبائع الوجوه وغيرها من الحكايات.
بالنسبة إلي، كانت هذه المجموعة القصصية كالكنز، في ظل ما نعانيه من فقر في إنتاج المجموعات القصصية، بدا لي ما كتبه طارق إمام كأنه طوق نجاة، وسيلة رائعة للتسلية، وللتعرف إلی عالم غريب، خيالي ناضج، بلغة خبير وأسلوب كعادة الكاتب الذي يطل علينا بأعمال تحمل ختم الجودة وبريق الأشياء الجديدة الرائعة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.