في الأيام القليلة الماضية كانت منصات التواصل الاجتماعي باللغة الفارسية، مليئة بروايات لنساء تعرضن لأنواع مختلفة من الاعتداء الجنسي، تصل إلى حد الاغتصاب.
تحدثت العديد منهن عن تحرش الأساتذة بهن في الجامعات والمدارس، تحرش الرجال في الشوارع، وأماكن العمل، حتى داخل الأسرة، كانت القصص المتتالية صادمة ومفاجئة للغاية، لأسباب عديدة، أهمها أنها تحدث في الجمهورية الإيرانية الإسلامية لأول مرة، والشجاعة التي تحلت بها النساء لسرد قصصهن مع الاعتداء الجنسي.
الشرطة تتحرك لأول مرة
في عام 2017، شاهدنا جميعاً حملة #metoo أو "أنا أيضاً"، في الغرب التي شنتها النساء في كافة المجالات، يروين قصصهن مع التحرش الجنسي، وفي بعض الحالات ونتيجة للعديد من القصص المشابهة عن شخصية واحدة، نجحت النساء من خلال مواقع التواصل الاجتماعي في إيصال شكواهن إلى القضاء، على سبيل المثال ما حدث مع المنتج الشهير في هوليوود الذي اتهمته العديد من النساء بالاعتداء الجنسي عليهن.
في ذلك الوقت، ظلت النساء في العالم العربي وإيران أيضاً، يراقبن ما يحدث في الغرب، لكن لم يستطعن التحدث بجرأة وعلانية عن حوادث الاعتداء الجنسي اللاتي تعرضن لها، لكن في الأشهر الأخيرة، شهدت مصر على سبيل المثال، حركة كبيرة في التحدث علانيةً عن حوادث الاعتداء الجنسي، من قبل عديد كبير من النساء في مختلف المجالات ومن جميع الأعمار، وصلت بعض تلك الروايات إلى باب القضاء.
وبشكل مباغت للغاية، استطاعت صحفية إيرانية أن تروي روايتها مع التحرش الجنسي، وبدأت في سردها على منصة تويتر، لتتوالى الروايات وسط جدل واسع بين قطاعات الشعب الإيراني.
شهد موقع تويتر باللغة الفارسية في الأيام الماضية، العديد من الهاشتاغات التي تتحدث عن روايات الاعتداء الجنسي ضد النساء، كان أشهر تلك الروايات ضد مَن أطلقت عليه الفتيات الإيرانيات "ك-الف"، أو كيوان إمام، وهو خريج كلية الفنون، ويمتلك مكتبة لبيع الكتب لطلاب الجامعات.
الروايات التي تم سردها ضد كيوان إمام كانت كثيرة وجميعها يدور حول اغتصابه العديد من طالبات الجامعة اللاتي يتعاملن معه، وبحسب الروايات المتدفقة على وسائل التواصل الاجتماعي، قام إمام باغتصاب ما يقرب من 20 طالبة، عن طريق استدراجهن ووضع المواد المخدرة في مشروبهن.
وكما أن حملة الحديث عن الاعتداء الجنسي في إيران تحدث بهذا الشكل العلني لأول مرة في تاريخ الجمهورية الإسلامية، فكانت أيضاً المرة الأولى التي ترد فيها السلطات الإيرانية على مثل هذه الأمور، وبالأخص في قضية مزاعم الاغتصاب ضد "كيوان إمام"، وتم إلقاء القبض عليه من قبل الشرطة في طهران.
يمكننا أن نعتبر أن هذه الحادثة إنجاز كبير، ولا يمكن تصديقه إلى الآن، خاصة في بلد مثل إيران، الحديث فيها عن الاعتداءات الجنسية بشكل علني كما حدث في الأيام الماضية، شبه مستحيل، لكن الطريق ما زال طويلاً أمام النساء لحل مثل تلك القضايا.
كسر حاجز الصمت
عندما تحدثت الصحفية الإيرانية "سارة" عن تعرضها للاعتداء الجنسي من قبل رسام إيراني مشهور، كانت بصدد إجراء لقاء صحفي معه، فخرج لها عارياً، لم تكن تتوقع أن تتلقى كل هذا الدعم من النساء والرجال أيضاً، ولم تتوقع أيضاً، أن تجد كل هذا الكم من شهادات الناجيات من الاعتداء الجنسي.
لدرجة أن هذه الحركة المستمرة إلى الآن نمت لتشمل أيضاً روايات الرجال عن تعرضهم للتحرش الجنسي في الصغر، فقد تم كسر حاجز الصمت والخجل لأول مرة في تاريخ الجمهورية الإسلامية في إيران بشأن مثل هذه القضايا.
الضغط على الناجيات، ولوم الضحية
لكن الطريق ليس وردياً، ففي مقابل الدعم والزخم الكبير حول هذه الحملة، التي طالت كبار الشخصيات في إيران من فنانين وأدباء إلى رياضيين وسياسيين، يقع ضغط ولوم هائلين على عاتق الضحايا من النساء.
على سبيل المثال، ضمن تلك الحملة، تحدثت أكثر من 50 طالبة في الجامعة عن تحرّش أستاذ جامعي مشهور بهن، واستخدامه سلطته المهنية لإجبارهن على تقديم رشاوى جنسية له مقابل اجتياز أحد أهم الاختبارات، لكن الطالبات تعرضن لضغط كبير من قبل إدارة الجامعة، ليتفاجأ الجميع باختفاء الهاشتاغ الذي كان يحتوي على قصص الاعتداء الجنسي لهذا الأستاذ الجامعي، بل أقدمت إحدى الطالبات على تقديم اعتذار له، ما جعل البعض يذهب إلى الاعتقاد بأن الطالبات تعرضن للضغط والترهيب، خاصة أنهن ما زالن يدرسن في الجامعة.
وفي بعض الأحيان، كانت الناجيات من الاعتداءات الجنسية يتلقين اللوم الشديد من العديد من الأشخاص، عندما تحدثت فتاة عن تعرضها للاغتصاب على يد صديق لها، ذهبت معه إلى شقته، وجدت من يقول لها إنها المخطئة، ففي مجتمع إسلامي محافظ مثل المجتمع في ايران، لا يصح أن تذهب فتاة أو تجتمع برجل في مكان مغلق، وتعود لتشكو من الاغتصاب.
القانون لا يحمي النساء
في المجتمع الديني والتقليدي المحافظ الإيراني كانت ضحايا الاعتداءات الجنسية من النساء لا يمتلكن الشجاعة الكافية للتحدث عما يتعرضن له، خوفاً من عقاب الأسرة والوصمة المجتمعية، لكن هناك سبب أهم وأقوى، وهو عدم وجود قانون محدد لمعالجة الاغتصاب والتحرش الجنسي، فلا تتمتع النساء في إيران بالدعم التشريعي الكافي الذي يجعلهن غير خائفات من اللجوء إلى القضاء.
البلدان الغربية تعتبر أي فعل جنسي من دون موافقة المرأة، أو أي علاقة جنسية غير رضائية، جريمة واعتداء على المرأة، وتتم محاكمة الرجل بعقوبات شديدة.
لكن في إيران -وكما ذكرنا سلفاً- لا توجد قوانين محددة بشأن التحرش الجنسي، فالتحرش في قانون العقوبات الإيراني اعتداء جنسي بدون جماع، ولا يوجد أي مادة تعالج هذا الجرم، والمصيبة الأكبر القوانين الخاصة بالاغتصاب، بموجب قانون العقوبات الإيراني تتكون الجرائم الجنسية من (الزنا، واللواط)، أما الاغتصاب فيصنف على أنه "زنا بالقوة".
وهنا تجد المرأة نفسها في دوامة لا أمل منها، فإذا تعرضت أي سيدة للاغتصاب، ولجأت إلى القضاء، فعليها أن تثبت أن ما تعرضت له كان "زنا بالقوة"، وإذا تعذر إيجاد عنصر القوة في شكواها، ستجد تتحول من مجنيّ عليها إلى جانٍ، ويتم معاقبتها بتهمة الزنا.
فشهد القضاء الإيراني عشرات الحالات لنساء تقدمن بشكوى تفيد باغتصابهن، لكن في نفس الوقت لم ينجحن في إثبات عنصر القوة المطلوب، فتمت معاقبتهن بالجلد وأحياناً يصل الأمر إلى حد الإعدام؛ لأن في هذه الحالة السيدة قامت بفعل الزنا وجاهرت به أيضاً.
في عام 2017، شهد المجتمع الإيراني قضيةً مماثلة، عندما اتهمت فتاة تدعى زهراء نويد بور، نائباً برلمانياً باغتصابها في مكتبه، عندما لجأت إليه لطلب فرصة عمل، باعتباره النائب عن المحافظة التي تقطن بها في البرلمان الإيراني.
لم تستطع زهراء إثبات "الزنا بالقوة"، أمام المحكمة، التي برأت النائب البرلماني من تهمة الاغتصاب، وحكمت عليه بالجلد 99 جلدة لارتكاب الزنا بالتراضي مع الشاكية، التي اختفت في ظروف غامضة، بعد أن تلقت تهديدات بالقتل من قبل النائب البرلماني.
الشهادات الجماعية غير كافية
يوماً بعد يوم، تنمو حركة التحدث عن الاعتداءات الجنسية في إيران، حتى وإن تجاهلتها وسائل الإعلام الإيرانية إلى الآن، والتي أرجعت السبب إلى صعوبة إثبات هوية الشاكيات، بجانب صعوبة إثبات تهم الاغتصاب المزعومة.
ترى السلطات الإيرانية أن الشهادات الجماعية، والهوية المجهلة للناجيات في بعض الأحيان، تصعّب من مهمة إثبات التهمة على شخص متهم بالاغتصاب، ويجادل البعض بعدم صدق بعض الشهادات، والتي من الممكن أن تضر بسُمعة الشخص المستهدف، لذلك إلى الآن تفضل السلطات الإيرانية أن تتوجه الشاكية إلى الشرطة للإبلاغ بنفسها، وهذا ما تخشاه الناجيات، فما زال المجتمع الإيراني غير مؤهل لمعالجة مثل هذه القضية الحساسة. خاصة أن إثبات الاغتصاب والتحرش الجنسي -خاصة في حالة مرور وقت طويل على الحادثة- أمر صعب في أغلب البلدان، لكن صعوبته تزداد في إيران في غياب الدعم المجتمعي، ودعم أسرة المجني عليها.
هناك أمل
قبل انتشار حملة me too في إيران، كانت الأحاديث عن الاعتداءات الجنسية تتم في أضيق نطاق، يتداولها فقط العاملون بمجال حقوق المرأة، وكانت القصص تروى خلف الأبواب المغلقة فقط.
لكن ما شهدته إيران في الأيام القليلة الماضية أمر رائع ومثير للدهشة حقاً، فمواجهة الضحايا الناجيات من العنف الجنسي لكل تلك التحديات الاجتماعية والدينية، لإيصال أصواتهن إلى المجتمع، أمر يستحق الإشادة والفخر.
وهذا ما يجعل النساء الإيرانيات يأملن في تطور حملتهن الأخيرة، وفتح نقاش مجتمعي على نطاق واسع، حول معالجة القوانين الإيرانية لقضايا الاغتصاب والتحرش، على أمل أن تكون تلك الروايات المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، بداية الطريق لتشريع قوانين جديدة تحمي المرأة في إيران من العنف الجنسي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.