قبل أيام قليلة استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس بلدية أنقرة منصور يفاش في القصر الرئاسي، حيث دار حوار بينهما حول مطالب رئيس البلدية من الرئيس من أجل تحصيل الدعم لمشاريع تطوير العاصمة أنقرة، ومن المعروف أن منصور يفاش يعد أكثر تركيزاً من غيره من رؤساء بلديات المعارضة على عمله، ولعل بعض الكُتاب المقربين من الدولة يرى أن هذه رسالة مفادها أن الرئيس مستعد للقاء كل رئيس بلدية يركز على عمله المتمثل في تطوير مدينته.
لكن فيما وراء ذلك يمكننا القول إن هذا اللقاء يحمل معاني أبعد، إذ إن المعارضة التركية تستعد من الآن لتحديد مرشحها في الانتخابات القادمة أمام الرئيس أردوغان، حيث تواجه المعارضة تعقيدات شديدة جداً في ذلك بسبب اختلاف وجهات النظر والتنافس الشديد بين عدة شخصيات.
في الانتخابات الماضية رفضت ميرال أكشينار، رئيسة الحزب الجيد، ترشيح عبدالله غول للرئاسة وأصرت على أن يكون المرشح من أحد الأحزاب المعارضة، وقد قال المرشح الرئاسي السابق عن حزب الشعب الجمهوري محرم إينجه إنه لو لم ترفض ميرال اكشينار ترشح عبدالله غول لما كان هو مرشحاً للرئاسة عن حزب الشعب الجمهوري.
تكمن المعضلة الأولى لحزب الشعب الجمهوري في نية محرم إينجه التي تحولت لخطوات عملية باتجاه إنشاء حزب جديد، وهو الأمر الذي من شأنه أن يعرّض حزب الشعب الجمهوري إلى خسارة ليست بسيطة، حيث حصل الأخير على 15 مليون صوت في الانتخابات الرئاسية الماضية ولديه كاريزما ويخاطب كتلةً غير قليلة من أنصار المعارضة.
وفي هذا السياق يرى بعض المعارضين أن هناك مَن فتح القنوات أمام إينجه للانفصال عن حزبه ويومِئون بذلك إلى الرئيس أردوغان، علماً بأن إينجه قرر الانفصال بسبب استبعاده من قيادة الحزب، وعلى كل حال مهما كان السبب مع تحقق انفصال إينجه وتأسيسه لحزب تصبح أزمة حزب الشعب الجمهوري أكبر من أزمة حزب العدالة والتنمية؛ لأن النسبة التي سيأخذها إينجه من حزبه (على الأقل 5%) أكبر من مجموع ما حصل عليه داود أوغلو وعلي باباجان (مجموعهما 2.5%).
مع استبعاد إينجه تقف المعارضة أمام سؤال: مَن سيكون مرشحها هل سيستمر التحالف الذي نجح من خلاله إمام أوغلو في بلدية إسطنبول؟ ولكن هناك الكثير من الأسئلة ستُطرح قبل هذا، من قبيل: هل سيدعم الحزب الجيد مقاربة حزب الشعب الجمهوري؟ هل سيستمر التفاهم غير المعلن بين حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطية؟ هل سيشق داود أوغلو ومحرم إينجه هذا التفاهم وسيتجاوزانه بخطابهما الودود تجاه المكون الكردي في تركيا.
وبالنظر إلى ما هو محتمل من أسماء على طاولة الأحزاب المعارضة فإن هناك عدة أسماء تلوح في الأفق منها: عبدالله غول، أكرم إمام أوغلو، منصور يفاش، ومحرم إينجه، ميرال أكشينار، وحتى علي باباجان. وعند الاطلاع على نسب التأييد لهذه الأسماء في حال دخلت سباق الرئاسة ومع أن الوقت لا زال مبكراً فإن على الأحزاب أن تدرس خياراتها وتحسم مرشحها قبل وقت كافٍ؛ لأن هذه المرة ستشهد حوارات مطولة.
وهنا نستأنس بما توصلت له استطلاعات شركة أوبتيمار التركية، حيث رأت أن عبدالله غول الذي يميل له رئيس حزب الشعب الجمهوري يمكن أن يحصل على 21.3% مقابل 44.3% للرئيس أردوغان. أما القائلون إنهم سيعطون لمحرم إينجه فنسبتهم 33.5% مقابل 44.5% لأردوغان.
يكمن التعقيد للمعارضة في كل من منصور يفاش الذي يمثل المعارضة في العاصمة، الذي يخاطب الكتلة القومية نظراً لخلفيته، وبين إمام أوغلو الذي يمثل المعارضة في أكبر مدينة تركية من حيث عدد الناخبين التي تمثل نبض تركيا. حيث حصل إمام أوغلو على 36.8% مقابل 45.1% لأردوغان، بينما حصل منصور يفاش على 36.7% مقابل 44.5% لأردوغان.
تبين هذه الأرقام -كما يقول الصحفي عبدالقادر سيلفي- الفجوة بين إصرار كليجدار أوغلو على عبدالله غول ونظرة المصوتين في الاستطلاعات. أما النتيجة الثانية فهي أن أردوغان سيفوز بهذا الشكل من الجولة الأولى. وقد يكون لقاء أردوغان مع يفاش لمزيد من التعقيد، وقد يكون لديه أفكار ما للتفاهم مع يفاش، فقد عُرف عن أردوغان دهاؤه في المناورات الانتخابية، خاصة مع وجود تكهنات برغبة وسعي أردوغان لاستعادة التفاهم بين الحركة القومية والحزب الجيد أو قسم منه على الأقل.
قد يكون من المبكر الجزم بمسار ما، ولكن يبدو أن أردوغان يتصرف براحة أكثر مقارنة بالأجواء التي تلت خسارة بينالي يلدرم لبلدية إسطنبول، ومع هذا قد تزداد شعبية أردوغان أكثر في حال ساهمت التطورات في السياسة الخارجية في ذلك في ظل الاستقطاب مع اليونان وفي شرق المتوسط عموماً. ومع هذا يبقى أي مساس بالاقتصاد التركي عاملاً مهماً في التأثير على أصوات الناخبين.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.