حينما أقرأ عن ما يحدث في العالم كل يوم أصاب بالغثيان، أصاب بالإحباط، يتملكني يأس شديد تجاه قدرتي على عيش الحياة هنا.
أصاب بالذعر حينما تصادفني أخبار عن انتحار أي شخص أو الموت المفاجئ، عن القتل والتحرش والاغتصاب، عن الإجبار على فعل أي شيء، عن فتاوى إبراء الدم واستحلال دماء الأعداء، أو تبريرات التحرش الجنسي كي يتحول المجني عليهن وفي ثوان معدودة إلی جُناة، والسبب هو قدرة الرأي العام على قلب الضحية إلى جاني والعكس صحيح، وكأن ذلك الرأي العام بيده زر سحري.
في خلال أيام قليلة جداً، أتت ذكری وفاة نجيب محفوظ فصادفت مقالاً طويلاً عن محاولة اغتياله التي كادت أن تنهي حياته بسبب أنه هناك من رأوا أن النجيب كافر وملحد ويدفع الناس إلى الكفر.
قرأت شهادة طويلة لفتاة تم القبض عليها رغم أنها مجني عليها وضحية اغتصاب ممن ظنت أنهم أصدقاؤها، والسبب أنها تخل بالقيم المجتمعية المصرية، والدليل أن لها فيديوهات على تطبيق "تيك توك" وهي ترقص!
قرأت منشوراً طويلاً حول كتاب كتبته إحدى الناجيات من مناطق السيطرة الداعشية حيث تم اغتصابها وقتل أسرتها وكل من تعرفهم تقريباً.
شعرت بالقشعريرة وأصابني ما قرأت بنوبة ضيق تنفس شديدة حينما كتبت المرأة أن صوت الأذان كان يختلط بأحط وأحقر الأفعال البشرية ألا وهو الاغتصاب والإجبار.
قرأت عن التنكيل بشاب وفتاة بسبب أن الفتاة وضعت رأسها على كتفه في حديقة عامة، قرأت عن سب الرأي العام لها وبصقهم على وجهها ونعتها بأدنى الصفات والتفنن في نظرات الاستعلاء والتحرش والافتراس لها ولمن معها والمحاولات الدؤوبة منهم لبتر العلاقة وجعل الشاب يسب الفتاة تحت تهديد وغصب كي لا يصل الأمر لقسم الشرطة التابع لهم. تخيل أن تتحمل كل هذا لأنك تعلم أن رجال القانون لن يتركوا فرصة التنكيل بك سواء في وجود سبب أو لا، تخيل موقف الفتاة التي فضلت التحرش والإهانة والتحقير عن إبلاغ أهلها أو اللجوء للأمن والسبب أن مجتمعنا يرى الحب حراماً وعيباً!
خلال القراءة عن كل هذا، خلال قراءتي لأقوال المجني عليها المغتصبة التي تخلى عنها أهلها في البدء ثم كل الناس، أو عن واقعة الشاب والفتاة اللذين تم سبهما وقذفهما بأفظع الألفاظ لأنهما في نظر الرأي العام مخلين بالآداب العامة التي يجب أن تنص على أن لا تتم مشاهدة المرأة في الشارع إلا ويتم التنكيل بها سواء كان بالتحرش أو السب والقذف أو أي شيء يمكن للناس أن يقدموه للمجتمع كدليل قاطع على قوتهم، وقت قراءتي عن أحداث مثل هذه أصاب بالهلع والخوف.
التنكيل والتحرش والقوة والإرهاب تحيط بنا جميعاً، وضع أي شخص تحت ضغط يعرضني لنفس الضغط، الإجبار على الختان، عمالة الأطفال، التجنيد الإجباري، التوقيف الأمني والتفتيش وأحياناً التنكيل دون أي سبب، ممارسة الجنس بالقوة، كلها أشياء مشتركة في عامل واحد وهو القوة الغاشمة لطرف على الآخر. قوة الدولة علينا وقوة أشباه الرجال على النساء وقوى التخلف علی الفكر السليم، قوة المجتمع على الأفراد، قوة الشعارات المعلبة على الصحيح والمنطقي والسليم من منظور عقلي.
إذا تبدلت الأدوار، كيف يمكنني أن أعيش كامرأة في مجتمع يبرر استباحة الجسد على يد أي رجل عابر؟
كيف يعيش المرء في مجتمع يبرر التنكيل من السلطة بأي شخص باسم الحفاظ على الأمن العام والأخلاق والقيم؟
وكيف يمكن أن يفكر أي شخص وهو يعلم أن أي فكرة قد يصل إليها مهما كانت صحيحة غير قابلة للعرض لأنها قد لا تعجب الناس وسوف يبيحون دمه ويجعلونه لقمة سائغة هو وأهل بيته في فمهم.
الحياة مرعبة، ومخيفة جداً مهما بدت فيها لحظات السعادة متناثرة.
حينما أنام ومعدتي ممتلئة وجيوبي دافئة أشعر بالذنب، أقول لنفسي إن هناك كثيرين لا يعيشون من الأساس. كثيرون لم يعرفوا شعور النوم الهادئ أو المعدة الممتلئة أبداً، حينما أحظى بمتعة أو لذة من ملذات الحياة، يحيطني الشعور بالرهبة بتلاشي كل شيء فجأة تغير الظروف في لحظة. بالموت في الحرب أو في مشاجرة مع ضابط أمن أو من قبل قطاع طريق، أرتعب دوماً من الخروج من منزلي لمواجهة خطر البقاء في العالم ليوم إضافي، الحياة رعب لا نهاية له، جنون قائم لا قدرة لي علی تحمله.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.