لطالما تم الاعتراف بألمانيا كأرض خصبة للاعبي كرة القدم الشباب الموهوبين، ولكن حقيقة أن ثلاثة من مدربيها -جوليان ناغلسمان وهانزي فليك وتوماس توخيل- قد قادوا فرقهم إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا هذا العام، وهي في الواقع المرة الأولى في تاريخ المسابقة التي يتنافس فيها ثلاثة مدربين من نفس الدولة في دور نصف النهائي تعني أن ألمانيا تنجب مدربين بنفس جودة اللاعبين.
حجز فليك مكانه في الدور نصف النهائي بفوز تاريخي على برشلونة 8-2 الذي أرسل موجات صدمة عبر مجتمع كرة القدم العالمي.
بينما قضى ناغلسمان على خصمه الإسباني أتلتيكو مدريد بنتيجة 2-1، وقاد توخيل باريس سان جيرمان لذات الدور بالفوز 2-1 في الدور ربع النهائي على أتالانتا.
قال أوليفر بيرهوف، مهاجم منتخب ألمانيا السابق ومدير المنتخب الألماني وأكاديمية الاتحاد: "إنها لحظة نجاح رائعة لكرة القدم الألمانية، نحن سعداء ليس فقط بوجود فريقين ألمانيين في نصف النهائي، ولكن أيضاً ثلاثة مدربين ألمان والكثير من لاعبينا الدوليين في المرحلة الحاسمة من المسابقة".
الثلاثي الألماني خطا نحو إنجاز جديد، حيث لم يسبق لأي منهم أن وصل إلى تلك المرحلة من المنافسة من قبل، حتى أن فليك قد سجل رقماً قياسياً جديداً، إذ فاز بايرن ميونيخ بالبطولة بعدما حقق الانتصار في كل مبارياته هذا الموسم في دوري أبطال أوروبا.
مرت سبع سنوات منذ فوز فريق ألماني بدوري أبطال أوروبا، ولكن في الموسم الماضي قاد مدرب ألماني آخر، يحظى باحترام كبير في عالم كرة القدم، وهو مدرب بوروسيا دورتموند السابق وليفربول الحالي، يورغن كلوب فريقه للفوز بالكأس ذات الأذنين.
فما السر الذي يكمن وراء نجاح هؤلاء المدربين؟
يدخل لاعبو كرة القدم الشباب الناشئون أكاديميات التدريب خلال سنوات المراهقة لتطوير مهاراتهم، لذلك يُطلب من المدربين الطموحين إكمال الدورات من أجل إجراء أنشطة تدريبية والإشراف على المباريات على أعلى مستوى.
في ألمانيا يجب على المدربين الحصول على رخصة تدريب كرة القدم –أي ما يعادل رخصة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم للمحترفين– من أجل العمل في أقسام البلاد الاحترافية الثلاثة: الدوري الألماني والدوري الألماني الدرجة 2 والدرجة 3 والدوري الإسباني.
التأهيل والمكان الوحيد الذي يمكن أن تحصل عليه هو في أكاديمية "هانس ويسويلير" في مقاطعة كولونيا باسم Fußball-Lehrer (دورة معلم كرة القدم).
تأسست الأكاديمية في عام 1947 وسميت على اسم المدرب الأسطوري لنادي بوروسيا مونشنغلادباخ ونادي كولن "هانس ويسويلر" (الذي كان مدرباً بين عامي 1956 و1970). ويتم اختيار 24 أو 25 فقط من المتقدمين للدورة بعد اجتياز اختبار الكفاءة حتى الحصول على فرصة لكسب تذكرتهم الذهبية، يجب عليهم بالفعل حمل ترخيص DFB A، ولديهم سنة من التدريب وينتمون إلى نادي الإتحاد الألماني.
خضعت الدورة لإصلاحات في 2019/20 بهدف جعلها أكثر فردية، يقضي الطلاب الآن معظم الموسم في العمل مع الأندية المحترفة التي توظفهم على الرغم من أنهم لا يزالون يشاركون في ثماني ورش عمل في كولونيا طوال الموسم، تحسين المهارات التكنولوجية يعني أيضاً أن الكثير من أعمال التقييم الخاصة بهم يمكن القيام بها على الإنترنت عن طريق "الحرم الجامعي الرقمي".
للحصول على رخصة للمحترفين، ينص الاتحاد الأوروبي لكرة القدم على دورة لا تقل عن 240 ساعة، ولكن المدربين الذين يعملون من أجل الحصول على رخصة تدريب كرة القدم في أكاديمية "هانس ويسويلير" سيضعون ما يقرب من 800 ساعة على مدار الدورات التدريبية.
(من غير المستغرب أن فليك وناغلسمان توخيل يتفوقان على نظرائهما القاريين).
وتتماشى جودة التدريب في ألمانيا مع الإصلاحات التي تم تنفيذها في أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين والتي كانت تهدف إلى تحسين تنشئة اللاعبين الشباب وإلى تحسين وتطوير مراكز التدريب الإقليمية في جميع أنحاء البلاد، لذلك أشاد اتحاد كرة القدم للأندية في الدوري الألماني بفتح أكاديميات للشباب، كل منها يتطلب مدربين اثنين على الأقل بترخيص تدريب كرة القدم كانت النظرية بسيطة "إذا كنا نريد أن يكون لدينا أفضل اللاعبين فنحن بحاجة أيضاً إلى أفضل المدربين".
كان فليك أحد أفضل الخريجين من دفعة عام 2003 جزءاً من الموجة الثورية الكروية، معظم مشجعي كرة القدم لم يعرفوا اللاعب البالغ من العمر 55 عاماً إلا منذ توليه منصبه في بايرن في الخريف الماضي لكنه كان بصمة العمل الجاد والهادئ على كرة القدم الألمانية منذ ما يقرب من 15 عاماً.
في عام 2006 تم تعيينه مساعد مدرب ألمانيا تحت قيادة يواكيم لوف الذي حصل على رخصة تدريب كرة القدم الخاصة به إلى جانب يورغن كلينسمان وماتياس زامر في عام 2000، بدأ فليك وهو محلل حريص في تجميع قواعد بيانات لجميع اللاعبين الوطنيين على مستوى كبار الشباب والشباب، مما مهد الطريق أمام تحسن ألمانيا في البطولات الدولية.
إن أكاديمية "هانس ويسويلير" تتحدث عن نفسها. ولم تكن تلك إحدى حيل العلاقات العامة عندما عين هوفنهايم ناغلسمان البالغ من العمر 28 عاماً مدرباً رئيسياً للفريق في فبراير/شباط 2016، في ذلك الوقت كان على بعد أسابيع فقط من الحصول على رخصة تدريب كرة القدم، واحتل المركز الثاني في دفعته خلف رئيس شالكه السابق دومينيكو تيديسكو، وفي حين أن معظم وسائل الإعلام الألمانية والدولية كانت تركز على عمر ناغلسمان، عرف هوفنهايم أنهم تحصلوا على الصفقة الحقيقية.
إن صعود ناغلسمان السريع الذي أخذ هوفنهايم إلى أوروبا ثم دوري أبطال أوروبا قبل الانضمام إلى لايبزيغ وجعلهم في الدور نصف النهائي لدوري أبطال أوروبا، هو شهادة على أساليب التدريب الممتازة في ألمانيا، ويشتهر هذا الشاب البالغ من العمر 33 عاماً بأنه مبتكر -باستخدام التكنولوجيا الرائدة على أرض التدريب- في هوفنهايم.
توخيل هو الآخر حصل على أول رخصة تدريبية في أوغسبورغ وأكمل دورة فوسبال ليهرر في عام 2006 قبل أن يسير على خُطى كلوب بفترات ناجحة في ماينز ودورتموند.
وقد نجح توخيل في القيام بما لم يستطع أسلافه كارلو أنشيلوتي ولوران بلان وأوناي إيمري في أن يأخذ العمالقة الفرنسيين إلى دور الأربعة للمرة الأولى منذ 1994/1995، بعد أن رفع بالفعل لقبين في الدوري الفرنسي مع باريس سان جيرمان، وبعدها قادهم للنهائي الأول في تاريخهم.
لذلك، لا تتفاجأوا برؤية "معلمي كرة القدم" بالمستقبل في ألمانيا يواصلون الدروس لسنوات عديدة قادمة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.