للعيد بهجة لا يخيب هدفها أبداً، مهما كانت الظروف والأحوال النفسية، دائماً ما تتسرب فرحة العيد داخل القلب ببطء حتى تغمره، بداية من يوم وقفة عرفات، اليوم الذي يسبق أول أيام العيد مباشرة، حتی صباح يوم العيد الذي يسهر كل الناس لمشاهدة طلوعه والاطمئنان علی أن البهجة قد سرت بالفعل في الأرجاء.
هذه الصورة الجميلة، يقف وراءها عديد الكواليس وكثير الإعدادات، يسبقها إحضار ورقة وقلم لحساب ما سيحتاجه المنزل من اللحم والخضراوات وتوابل الفتة والرقائق التي تُعد مع اللحم المفروم، وعيديات الأطفال والإخوة، ولا مانع من ترتيب فُسحة أو اثنتين بما أن العيد أربعة أيام وأن الزيارات لن تزيد عن يومين. كل هذا يستهلك الكثير من الجهد ويسبب الكثير من الضغط الذهني الذي ينسى مع طلوع شمس العيد.
لعيد الأضحی شعور جميل، بداية من سببه الإلهي ورؤية النبي إبراهيم وطاعة سيدنا إسماعيل، مروراً بالأضحية التي أفدته وجعلت العيد للمسلمين جميعاً.
تأتي دوماً مظاهر العيد ككافة المناسبات، مصحوبة بالصخب والاستهلاك وزحام الأسواق والمحلات ونفاد السلع، التي ارتفعت أسعارها لنقصانها، قبل العيد بأسبوعين على الأقل من الأسواق، تُعد كل تلك المظاهر أحد أبرز ظواهر العيد في المدينة. حتى صرت أميّز دخول موسم العيد عندما تقول لي أمي إن البصل أو الفلفل الحار أو الليمون صار ثمن الكيلو منه أربعين جنيهاً وأنه غير متوفر في الأسواق، وحينما أسألها بلا مبالاة عن سبب إخباري بتلك المعلومة، تقول لي: كل سنة وأنت طيب العيد قرب.
يبدو أن أحد أسوأ سمات الإنسان المعاصر هي الاستهلاك، مهما كانت الظروف، ففي ظل أزمة فيروس كورونا عانينا جميعاً من نقص الموارد والأموال. ورغم ذلك، يتسابق البشر للتداين لضمان المظهر اللائق والظهور المتميز أمام الأقرباء والمعارف، والغريب في المصريين -وأنا منهم- أننا نهتم بالمظاهر رغم عدم اقتناعنا بالأمر، لا نمتلك مقدار ذرة من رضا عن معظم ما نفعله، ولكننا دوماً نقول: "معلش، عشان خاطر الناس." وأجد نفسي أتذكر عبدالمنعم مدبولي حينما قال: لازم البوفتيك عشان محدش يقول علينا حاجة.
نحن نحب الفرحة والعيد والسعادة والتجمعات، نجد الراحة في مقاسمة اللقمة مع من نحبهم ومشاركة الضحكة مع من نحب رؤيتهم، ومشاركة الحزن مع من يؤلمه ألمنا.
على العموم، العيد لا يتغير، نقترض من أجله ونستهلك في أيام إجازاته أكثر من طاقتنا انتقاماً من أيام فقدان الشهية والعمل المستمر، حتى في أجواء إجراءات احترازية كالتي نعيشها حالياً مازال السهر والسير على كورنيش النيل هي أبرز ما يدور بخلدنا، ومازلنا نود أن نأخذ الدنيا والأحباب بالأحضان دون الاهتمام بشيء، لأن الحياة في داخلها يكمن الهلع والجنون، الصخب والسكون، حاجة الإنسان إلی الاتزان، وحاجته إلی عيش أيام دون غيرها وكأنها الأخيرة، يأخذ فيها كل ما يريد، ويقتص من الدنيا ما يشاء، حتی يتمكن من عيش الأيام المجهولة التي تأتي فيما بعد.
كل عام وأنتم بخير، عيدكم مبارك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.