أحدهم قفز من الأدوار العليا هرباً من المعتدين.. ما الذي يحدث للأطباء في الجزائر؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/07/21 الساعة 09:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/21 الساعة 09:44 بتوقيت غرينتش
الاعتداء على أطباء الجزائر- رويترز

لما تفشى وباء كورونا في أوروبا، خلال شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان الماضيين، كان  أفراد الطاقم الطبي يتلقون الثناء والمدح  والاعتراف  بالجميل، من طرف عدد كبير من مواطني  القارة العجوز، وخاصة بتلك البلدان التي انتشر بها " كوفيد-19″ بشكلٍ خطير. تحت ضربات الوباء كادت أن تتحطم وتنهار الأنظمة الصحية لدول كنّا نراها متطورة  و"منتصرة" في جميع المجالات، ونخص بالذكر إيطاليا و إسبانيا و فرنسا و المملكة المتحدة.

وقد أظهرت صور الشباب و الشيوخ و العجائز وهم يطلون من شرفات المنازل،  خلال  الحجر الصحي،  يصفقون ويهتفون بالطاقم الطبي الذي أطلقوا عليه اسم "الجيش الأبيض"، لوجوده في الصف الأول لمحاربة العدو "غير المرئي" الذي كان، في تلك الفترة، يقتل ،يومياً، الآلاف من الأوروبيين.

في تلك الفترة، أي خلال شهور مارس/آذار وأبريل/نيسان وحتى مايو/أيار، كانت الجزائر في منأى نسبياً من تفشي الفيروس اللعين، بفضل العناية الإلهية ووعي (أو خوف) شريحة كبيرة من السكان وتطبيقهم  ولو بشكل غير كامل لتدابير الحجر الصحي الجزئي الذي فرضته الحكومة، فقد كان، حينها، معدل عدد الإصابات يتراوح ما بين 100 و 200 في اليوم، حتى وصل في منتصف شهر يونيو /حزيران الماضي إلى ما دون المائة إصابة يومياً، ما شجع السلطات الصحية والسياسية للبلاد بتخفيف إجراءات الحجر في بعض الولايات و رفعها كلية عن ولايات أخرى.

تدهور العلاقة بين المواطن والطبيب 

وفي تلك الفترة أيضاً كانت العلاقة بين المواطن و أفراد السلك الطبي، سمناً على عسل، قبل أن تتدهور  بالتزامن مع الارتفاع القياسي لعدد الاصابات الذي فاق عند كتابة هذا المقال 600  حالة في اليوم الواحد مع تسجيل معدل 10 وفيات يومياً. ومن الملاحظ على الأرقام التي تقدمها وزارة الصحة المحلية عن وضع الوباء في البلاد، أنّ عدد الوفيات بسبب " كوفيد 19″ المسجل يومياً  لم  يرتفع كثيراً بالمقارنة عمّا كان عليه عند بداية ظهور كورونا في الجزائر، ولكن  الشيء المقلق هو الانتشار الكبير للعدوى و ارتفاع  عدد حالات المرضى الموجودين في العناية المركزة، والمقارب ل60 حالة، ما خلق ضغطاً كبيراً على المستشفيات وخاصة بالمناطق التي  تفشى بها  الفيروس  بشكل  رهيب، كمدن سطيف و بسكرة وباتنة وورقلة والمسيلة ووهران وحتى العاصمة التي أصبحت الولاية الأكثر تسجيلاً  للإصابات وأزاحت من رأس القائمة، البؤرة الأولى للوباء، ونعني بها مدينة  البليدة. 

هذا الارتفاع المفاجئ في عدد الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا، فضلاً  عن عدد كبير  آخر  من الإصابات المشتبه بها،  خلق  حالة من  الهلع وبعض الفوضى في عدد من  المستشفيات التي يبدو أنّ مسؤوليها لم يكونوا  مستعدين ولا متوقعين  الزيادة المضطردة لعدد الوافدين للمصالح المخصصة  لفحص و علاج مرضى "كوفيد-19″، ما خلق نوعاً من التشنج وانفلات الأعصاب لدى بعض المواطنين بلغ حد الاعتداء اللفظي والجسدي على الأطقم الطبية.

ومن بين أشهر الاعتداءات  قيام  شاب في الثلاثين من عمره بالاعتداء على طبيب بالمركز الاستشفائي الجامعي" الدكتور بن باديس" بمدينة قسنطينة ( 400 كلم  شرق الجزائر العاصمة) ما تسبب له في كسر على مستوى الأنف، حيث يعتبر الرجل المعتدي قريباً لأحد المرضى المصابين بكورونا.

وتعرض  للضرب طبيب مقيم  بمصلحة الإنعاش الخاصة بمرضى كوفيد 19 بمستشفى" ابن سينا" التابع للمركز الاستشفائي الجامعي لمدينة عنابة (536 كلم  شرق الجزائر العاصمة) ، وتم الاعتداء من طرف أحد أفراد عائلة سيدة توفيت بمصلحة الإنعاش، حيث  كان الطبيب يحاول منع المعتدي من الدخول إلى المصلحة دون ارتداء وسائل الوقاية.

وأقدم مدير مستشفى "محمد بوضياف بمدينة البويرة ( 120 كلم  شرق الجزائر العاصمة)، على إلقاء  نفسه من الطابق الثاني لإحدى بنايات المستشفى، بعدما تعرض للضغط من أهل متوفى مشتبه بإصابته بفيروس كورونا، و الذين يكونون قد طالبوا المدير بتسليمهم الجثة قبل صدور نتائج التحاليل، حيث قفز الرجل من الشرفة خوفاً من الاعتداء عليه، ما تسبب له بكسور على مستوى  أطرافه السفلى.

مغنية "راي" تعتدي لفظياً على "الجيش الأبيض"

وشهد  الأسبوع الماضي أيضاً حادثة "اعتداء لفظي" على طاقم طبي بالمستشفى الجامعي لمدينة وهران 430  كلم غرب الجزائر العاصمة) بمصلحة ليس لها علاقة ب"كوفيد -19″، حيث قامت مغنية راي تدعى "سهام  الجابونية" ببث مباشر على مواقع  التواصل الاجتماعي، صورت من خلاله قاعة انتظار المرضى وهي تصرخ بأعلى صوتها في وجه البعض من أصحاب المآزر البيضاء، مدعية عدم الاعتناء بالمرضى.

وردت إدارة المستشفى على " الشابة سهام" وعلى الضجة التي رافقت الحادثة، ببيان قالت فيه: "فيما يخص الفيديو الذي تم تداوله ليلة أمس عبر شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك الذي دارت أحداثه على مستوى مصلحة الاستعجالات الطبية والجراحية بالمركز الاستشفائي الجامعي بوهران، والذي تم تصويره من قبل سيدة كانت في حالة هيستيرية جاءت رفقة مريض، حيث إنها لم تحترم القواعد المعمول بها على مستوى المصلحة، ولم تحترم دورها في الانتظار وحاولت المرور قبل المرضى الذين كانوا متواجدين قبلها".

وأضاف بيان المستشفى: "ولما طلب منها احترام القواعد انهالت بوابل من السب والشتم على الأطقم الطبية والشبه والطبية ومستخدمي مصلحة الاستعجالات الطبية والجراحية".

ولم تتأخر الدولة الجزائرية في التحرك لوضع حد لهذه الظاهرة الغريبة خاصة في الظروف غير العادية التي تعيشها البلاد في ظل تفشي وباء كورونا، فقام  وزير العدل حافظ الأختام، بلقاسم زغماتي، يوم 14 يوليو/ تموز الجاري، بتوجيه تعليمات للنواب العامين على مستوى كل المجالس القضائية للتعامل بصرامة مع حالات الاعتداء و بضرورة اللجوء تلقائياً إلى توقيف الأشخاص الذين يرتكبون هذه الأفعال واتخاذ في حقهم إجراءات التوقيف للنظر  وتقديمهم وجوبياً أمام وكيل الجمهورية.

وهي التعليمات التي وجدت صداها سريعاً لدى المعنيين، بحيث، وفيما يخص الحالات التي أشرنا اليها في المقال، فقد صدرت محكمة "الزيادية" بقسنطينة، الخميس الماضي، حكماً بثلاث سنوات سجناً نافذة ضد الشخص المتهم  بالاعتداء على طبيب أثناء ممارسته مهامه بالمركز الاستشفائي الجامعي "الدكتور بن باديس"، كما  أمر  وكيل الجمهورية لدى محكمة البويرة، الخميس الماضي، بإيداع شخصين رهن الحبس المؤقت ووضع 5 أشخاص تحت الرقابة القضائية في قضية الاعتداء على مدير مستشفى "محمد بوضياف".

كما قضت محكمة "جمال  الدين" بوهران، الخميس، بسجن مغنية "الراي" سهام  الجابونية، 18 شهرا، و ذلك بتهمة إهانة الأطباء و"رموز الثورة و الشهداء".

الرئيس تبون يصف الأطباء بـ"المجاهدين" 

ومن المنتظر أن تكون العقوبات مستقبلاً  أكثر شدة، بعدما توعد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، المعتدين على السلك الطبي، بعقوبات بالسجن النافذ تصل 10 سنوات.

وقال الرئيس الجزائري، خلال لقاء جمعه بصحفيين جزائريين، مساء الأحد 19 يوليو/تموز: "سأمضي في الأيام القادمة قانوناً يخص المعتدين على الأطباء بعقوبة تتراوح بين 5 و10 سنوات سجناً".

وأكد تبون دعمه الكامل وتعاطفه مع الأطباء واصفاً اياهم بـ"المجاهدين"، حين قال: "أنا أتألم كشخص وكمواطن وكرئيس أن نجد من يعتدي على أطباء وممرضين لم يروا أبناءهم منذ أربعة أشهر وهم في الواقع بمثابة مجاهدين..  أنا أتكلم باسم الشعب الجزائري وأؤكد أن الأطباء هم تحت الحماية الكاملة للدولة الجزائرية والشعب الجزائري".

وفي غياب بيان رسمي من عمادة الأطباء الجزائريين فيما يخص ظاهرة الاعتداء على أفراد السلك الطبي، أرجع نقيب ممارسي الصحة العمومية، إلياس مرابط، سلسلة الاعتداءات الأخيرة إلى نقص تكوين  أعوان الأمن المكلفين بحراسة المستشفيات.

وقال السيد مرابط في تصريح لصحيفة "المساء" الجزائرية، يوم 12 يوليو/تموز الجاري: "بالنسبة لقضية غياب الأمن بالمراكز الاستشفائية، فإن ذلك راجع لعدم تكوين الأسلاك المشتركة المكلفة بالاستقبال، حيث يتم توظيفها في إطار عقود التكفل الاجتماعي ولا يتلقون التكوين اللازم والتأهيل المناسب الذي يوائم طبيعة عملهم ومهمتهم المتمثلة في حماية وتأمين الطواقم الطبية والمؤسسات الصحية. وهذه مناسبة لكي أجدد الدعوة إلى ضرورة إخضاع أعوان الأمن والاستقبال لتكوين متخصص، لانهم يمثلون الواجهة الأمامية وحزام الأمن للطواقم الطبية".

إنشاء وزارة خاصة بإصلاح  المستشفيات 

وبغض النظر عن تحميل بعض المواطنين مسؤولية الاعتداء على الاطقم الطبية في الجزائر، فإنّه يجب الاعتراف أيضاً بوجود سوء تسيير في عدد كبير من المستشفيات الجزائرية، حتى لا نقول وجود نقص في المنظومة  الصحية الوطنية، وذلك باعتراف ضمني من الدولة، حيث و رغبة منه في تحسين  الوضع، قام الرئيس تبون، الخميس الماضي، بإنشاء وزارة منتدبة خاصة بإصلاح المستشفيات.

وقد أشرف وزير الصحة، البروفيسور عبد الرحمن بن بوزيد، أمس  الأحد 19 يوليو/ تموز، على تسليم البروفيسور مصباح إسماعيل مهامه الجديدة في منصب وزير منتدب مكلّف بإصلاح المستشفيات، لدى وزارة الصحة.

كما أشرف البروفيسور بن بوزيد، على تنصيب السيد  سايحي عبد الحق في مهامه الجديدة كأمين عام لوزارة الصحة.

وأكّد الوزير بن بوزيد، بهذه المناسبة، أنّ "قطاع الصحة قد تمّ تعزيزه بتعيين هذين الإطارين الساميين، اللذين سيساهمان دون شك في تحسين الأداء الصحي من خلال ضمان خدمة عمومية ذات جودة عالية".

ومن جهتي  أنا وكمواطن جزائري، أنصح أبناء بلدي بالتزام تدابير الوقاية من التعرض للإصابة بفيروس كورونا، من خلال ارتداء الكمامة وغسل اليدين و تطبيق التباعد الجسدي.. فما أنك يا جزائري ترى أنّ الأطباء لن يتكفلوا بك جيداً بالمستشفيات، فما عليك إلا تفادي التعرض للعدوى حتى تتفادى الدخول إلى مصالح "كوفيد-19".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مراد حاج
صحفي وكاتب جزائري
صحفي وكاتب جزائري
تحميل المزيد