بالتزامن مع إعلان مختلف دول العالم عن خططها لإعادة فتح المدن وتخفيف تدابير الإغلاق بسبب فيروس كورونا، شهدت مصر زيادةً كبيرة في أعداد المصابين مؤخراً مع وصول الحالات إلى 49,289 إصابة و1,672 حالة وفاة حتى الـ16 من يونيو/حزيران.
وفي وقتٍ مُبكّر من مايو/أيار، أعلنت الحكومة المصرية عن إعادة فتح اقتصادها تدريجياً ضمن خطةٍ من ثلاث مراحل. ويبقى لنا أن نتساءل: لماذا فشلت تدابير الإغلاق المصرية في احتواء تفشّي الفيروس على ما يبدو؟
إذ تبنّت دول العالم استراتيجيات مُختلفة لاحتواء الجائحة. وأظهرت بعضها علامات النجاح عن طريق إجراء الاختبارات المُكثّفة، ومتابعة مخالطي المرضى، وفرض الحجر الصحي في سنغافورة وتايوان وكوريا الجنوبية.
في حين هيمنت الاستراتيجيات المُشوّشة والأخطاء الحكومية على دول أخرى مثل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وإيطاليا، والسويد، وإسبانيا.
كما شهدنا العديد من الدول النامية وهي تُنفّذ تدابير إغلاق شبيهة بتلك المفروضة في البلدان المتقدّمة، رغم انخفاض معدلات الإصابة وتباين العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. إذ حاولت الدول النامية طوال عقود محاكاة النموذج الغربي، واستنساخ قيمه القانونية والسياسية والاقتصادية، حتى في أوقات الأزمات -بغض النظر عن الفوارق المالية.
وفي مصر، حيث تصل نسبة الفقراء والمستضعفين بين السكان إلى نحو 60%، وتعمل نسبة 58% من القوى العاملة بشكلٍ غير رسمي. نجد أنّ الاقتصاد الريعي يعتمد على إنتاج النفط والغاز، والسياحة، وحوالات المغتربين، وعائدات قناة السويس.
وفرضت الدولة تدابير الإغلاق في مارس/آذار، وشملت تلك التدابير: حظر التجول ليلاً، وتعليق المدارس والجامعات، ووقف الرحلات الجوية، وإغلاق المطاعم والمراكز التجارية ودور العبادة. حينها، كانت التقارير تُشير إلى أنّ مصر لديها 456 حالة إصابة و21 حالة وفاة فقط.
وتُؤثّر تدابير الإغلاق على القطاعات الأضعف في المجتمع المصري، كما وجّهت ضربةً قوية للاقتصاد المصري -خاصةً في قطاعين حيويين مثل السياحة وحوالات المغتربين. وزادت الأعباء بعد إقالة الموظفين المصريين العاملين في دول الخليج.
نقصٌ في البيانات
يبدو أنّ أحد الأسباب الرئيسية لفشل سياسة مصر المُتعلّقة بفيروس كورونا هو نقص الرقابة على جمع البيانات، التي من شأنها أن تُوفّر رؤيةً لمنحنى المرض. والأرقام المُعلنة رسمياً ربما لا تعكس النطاق الحقيقي للمشكلة، وهذا ما أقرّ به وزيرٌ مصري مؤخراً حين قال إنّ أعداد المصابين الحقيقية أكبر بخمس مرات وأعداد الوفيات أكبر بـ10 مرات من الأرقام المُعلن عنها رسمياً.
ولا شكّ أنّ غياب اليقين والشفافية هي أمورٌ أسهمت في فشل المصريين أن يمتثلوا بالكامل للتدابير التي أمرت بها الدولة، ودفعت بالكثيرين إلى الاعتقاد بأنّ الدولة لم تكُن صادقةً معهم.
إذ طُرِحَت محاولات إنكار الدولة مع نظريات المؤامرة في وسائل الإعلام لدعم مزاعمها بقلة أعداد الحالات، بدلاً من التطرّق إلى التداعيات الطبية والاجتماعية والاقتصادية للجائحة.
وفي الأيام الأولى لتفشّي المرض، انتقدت الدول الأخرى مصر بعد عودة سيُاحها من البلاد مُصابين بالفيروس، رغم مزاعم مصر بأنّها خالية من المصابين بكوفيد-19.
كما تفتقر مصر إلى التدابير الأساسية لخفض معدلات الإصابة، ومنها إمكانية الحصول على مياه نظيفة في العديد من المناطق الريفية والأحياء الفقيرة الحضرية، مع حرمان 7.3 مليون مصري من الوصول إلى مياه صالحة للشرب. علاوةً على أنّ 8.4 مليون مصري -غالبيتهم في المناطق الريفية- لا يستخدمون منظومة صرف صحي مُحسّنة. فضلاً عن أنّ 13% من الأسر الريفية المصرية لا تستخدم الصابون أو المنظفات الأخرى.
ويُمكن لنقص المياه الصالحة للشرب ومرافق الصرف الصحي المناسبة، إلى جانب سوء النظافة الشخصية، أن يُسهم في انتشار الفيروس. إذ إنّ 18% فقط من الأسر الريفية في مصر تعيش داخل منازل مربوطة بشبكة الصرف الصحي العامة، مما يترك الملايين عرضةً للتعامل مع شبكات الصرف الصحي الطافحة بالمياه. بينما تعتمد 10% من الأسر الريفية تقريباً على استخدام المراحيض المشتركة.
منظومة رعاية صحية هشّة
تُمثّل منظومة الرعاية الصحية الهشّة والضعيفة مشكلةً رئيسية أخرى في مصر، التي تتميّز بتفاوتات جغرافية كبيرة. إذ لا يُوجد سوى ثلاثة أو أربعة آلاف جهاز تنفس اصطناعي، و11 ألف سرير عناية مركّزة فقط، لسكانٍ يصل تعدادهم إلى نحو 100 مليون نسمة. وتستحوذ منظومة الصحة في مصر على 5% فقط من إجمالي الناتج المحلي للبلاد. وفي ظل هذا المستوى المُتدنّي من الاستثمار العام؛ أدّى الاعتماد المتزايد على الرعاية الصحية الخاصة إلى تعميق المظالم الاجتماعية.
وكشفت السياسات الحكومية أنّ اقتصاد مصر هو الأولوية الأولى للدولة، التي تنظر إلى الكيانات والصناعات الكُبرى على أنّها أكثر أهمية من الشركات الصغيرة والمواطنين المستضعفين. إذ ركّزت غالبية السياسات الاقتصادية التي نفّذتها الحكومة في ما يتعلّق بكوفيد-19 على الشركات الكبرى، مع تخصيص 20 مليار جنيه (1.2 مليار دولار) للبورصة المصرية مثلاً.
في حين جاءت سياسات الحماية الاجتماعية للعاملين باليومية ضعيفة، مع منح العمالة غير الرسمية معونةً قدرها 32 دولاراً في الشهر فقط، وهو مبلغٌ لا يكفي لتلبية احتياجاتهم الأساسية. ومن الواضح أنّ الحكومة المصرية تجاهلت الحاجة المُلحة لشبكة تأمين اجتماعي تقي الملايين خطر السقوط في براثن الفقر.
أدّى الوقت دوراً حاسماً في أزمة فيروس كورونا، إذ سمح للدول بفحص النتائج السلبية والإيجابية لمختلف أساليب الاستجابة، وربما كان ذلك الوقت كافياً أيضاً لصياغة استجابتها الخاصة وفقاً لذلك. لكن مصر -على العكس- استوردت استجابةً لا تتوافق مع أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية. وبالتالي، فإنّ التعرّف على المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية المصرية يُمكن أن يُساعد على إظهار أسباب فشل تدابير الإغلاق المستنسخة في مصر، مما سيعكس الحاجة إلى سياسات واقعية تستطيع تكييف التدابير مع الظروف المحلية.
– هذا الموضوع مُترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.