حينما تنتهي علاقة عاطفية من طرف واحد، فإنها لا تنتهي للأبد قط. إن كل قصة من قصص الحب، هي بداية مرثية شاعرية لانتحار العشاق المهجورين، أو على الأقل، بداية قصة مأساوية تنتهي بالطرف المهجور في غياهب الوحدة والعزلة بعيداً عن الناس لتضميد الجراح وترك القلب عارياً في الهواء الطلق كي يجف جرحه، أو أن يخيط جراح قلوب هذا القلب المجروح، وينصح بتركه فارغاً لفترة مؤقتة كي يتطهر من علاقة الحب المنتهية حتی آخر جزء فيه.
أرى في الشوارع مدخنين بثياب رثة، وعيون منتفخة من قلة النوم، وخطوات ذات صوت مسموع تلفت نظر العامة، وتنادي بأن هنا يوجد رجل يمشي وحيداً، فلربما يتمسك أحدهم بذراعه وينقذه من الغرق في قاع بؤسه.
قرأت في رواية الجدار للكاتبة نورا ناجي، مقطعاً لا أتذكره بالكامل، ولكن من ذاكرتي أدون خلاصة ما قرأت:
بعدما فارقت البطلة حبيبها، نظرت أمها في عيونها فعرفت أن قلب ابنتها جُرح، قالت لابنتها ستنسين، ستتألمين قليلاً، ولكنك ستنسين.
هكذا فقط، ببساطة شديدة، يُلقي أكثر العارفين هذه الكلمات ولا يمكنه إضافة أي شيء، دون ذرة من مساعدة. جراح القلب هي الوحيدة التي قد لا تُشفی، نتأقلم، نتحامل علی أنفسنا، نتوهم أننا سننسی، ونظن أن النجاح في الدراسة أو العمل قد يخفف وطأة الجرح، نظن حينما ندخل علاقة جديدة أننا قد شُفينا بالكامل من علاقة تم بترها من قبل شركائنا. ولكن الحقيقة هي أن أبسط ذكرى أو طيف يمكنه أن يعود بنا سنوات عديدة للخلف، عند آخر قبلة، آخر لقاء، آخر حديث، أو ما قبلهم، وقت غناء الأغاني الرومانسية ووعود البقاء للأبد والوقوف عُزل في وجه عالم مسلح.
تصدمنا سذاجتنا حينما نتذكر أشياء ماضية، علاقات وتجارب ومواقف وحروب خضناها غير مؤهلين فوجدنا الهزيمة القاسية تُسقی لنا علقم مُر.
في العلاقات غير المنتهية بالكامل، يُصاب طرف ما بالاكتئاب، وتمر أيام صعبة، متشابهة، نجد فيها أقرب أصدقائنا قد ابتعد، وتجد الإناث بعضهن البعض مختلفات بالكامل. تسرع النساء بترديد أن النسيان حل في ليلة الفراق وأنها بالكاد تتذكر ما مضی، أما الجزء الأكبر من الرجال نجدهم يعطون الحزن حقه كاملاً، قد تختلف المواقف وتتبدل، ولكن الاكتئاب يدخل في اللحظة التي تُسدل فيها ستارة علاقة عاطفية توقعنا أنها أبدية.
الاكتئاب القبيح، يرافق الوحيدين بالأخص، يتحايل عليهم، يجعلهم واثقين من حقيقة قبحهم، ومن عدم استحقاقهم للحب والحياة الهادئة.
هناك معركة أخرى يواجهها الشخص المفارَق حديثاً، الاختلافات التي تطرأ علی أي شخص تدرك بمجرد النظر. أعرف رجالاً أخطأوا في أسماء صديقاتهم بأسماء حبيباتهم السابقة، ولي صديقات كُثر كن يخطئن في اسمي بأسماء رجال هجروهن في الليلة السابقة.
يبدأ الناس في محاولة تقصي الحقائق، وما إن يعرفوا أن شخصاً ما قد انفطر قلبه في علاقة حب، يبدأون في تهوين الأمر وكأنه لا شيء. فكما يقول المثل: "اللي إيده في المية مش زي اللي إيده في النار".. كذا تجد الناس بين ساخر وشامت ومتجاهل، وكأن هذا ليس حدثاً جللاً يستحق التأثر والحزن.
في النهاية، الحب هو السبب الأول في استمرار الحياة، يهون كل شيء في الحياة ما دمنا مع من نحب، وتهون الدنيا كلها علی الكثيرين بين الانتحار والنسيان ما دمنا فيها وحيدين لا أحد يحتفل بنا في نجاحاتنا أو يمسح دموع ليالينا وأحزاننا. تهون الحياة إذا لم نهنئ مع من تمنينا عيش الحياة معهم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.