نحتفل بعيد الفطر الآن، غير أن العيد هذا العام مختلف للغاية. ويؤلم قلوب مسلمي بريطانيا ويدميها أنه يأتي وسط إغلاق عام بسبب جائحة عالمية.
يأتي عيد الفطر بعد أسابيع من الصيام، بعد نهاية شهر رمضان المعظم. يزخر العيد بالشعائر والتقاليد التي تجمع العائلة بأكملها: الثياب الجديدة وحضور صلاة العيد، والإفطار الغني بشعيرية سويان والحلاوة والحمص، وتكتمل المأدبة بغداءٍ معدٍّ بعناية، على الأقل في بيتنا، فأمي لا تقنع حتى تعد برياني الدجاج، والحليم، والسمك المقلي، ولحم الضأن، والكباب.
أستغرق في الذكريات، فتلك هي التجربة التي عشتها حتى الآن، حيث ألتقي بأبوي، وأبناء عمومتي، وأصهاري، وأبناء إخوتي وأخواتي.. نلتقي ونقبل ونعانق بعضنا البعض، ونرجو عيداً سعيداً علينا جميعاً. ولم يخطر ببالي أنني ذات يوم سأحتفل بالعيد دون أسرتي.
ومع أنني غادرت المنزل قبل عامين، وأعيش في مدينة أخرى، فإنني لم أضلّ طريق البيت قط في العيد. كنت ذات مرة أسكن خارج البلاد، على بُعد 4 آلاف ميل، لكنني صعدت على متنٍ رحلة استغرقت سبع ساعات إلى مطار هيثرو، ومنها إلى قطارٍ قضيت فيه ساعتين، ورحلة قصيرة على القارب، قبل أن أصل إلى المنزل. ولم أنسَ بعد عقدٍ من الزمان، الذهول والفرحة على وجوه العائلة، لأنني وصلت دون أن أخطرهم.
أما أن أحتفل بالعيد وحدي؟ حسناً، هناك مرة أولى لكل شيء.
يتطلب منا الموقف الحالي أن نحمي أحبابنا بأن نبقى بعيدين عنهم. في إنجلترا، لأشخاص من أصول كاريبية سوداء هم الأكثر عرضة للخطر، بسبعة وثمانين وفاة لكل 100 ألف. في حين سجل الأشخاص من أصول هندية أو باكستانية 30 إلى 35 وفاة لكل 100 ألف. إنه رقم مفزع، لكن يجب أن نعزّي أنفسنا بحقيقة أن هذه ظروف استثنائية ربما لن تتكرر مرة أخرى في حياتنا.
ربما الطريقة الأفضل لتقبل الموقف هي النظر إلى الماضي. أتذكر حين حكت لي جدتي المشقة التي عانتها هي والعائلة جراء غياب ابنها، الذي هو أبي – لأكثر من تسع أعوام بعد أن غادر باكستان ليدرس في إنجلترا في أواخر الستينات. يحزنني الآن تخيله وحيداً، يقضي كل تلك الأعياد بعيداً جداً عن عائلته. لم أفهم من قبل المحنة والوحدة الحقيقية في زمنه، حين كان إرسال الرسائل واستقبالها يستغرق شهراً كاملاً.
لقد فقدت الكثير من عائلات الأقليات الإثنية أحباءها في الجائحة، أو عزلتهم إجراءات الإغلاق والمشاكل الصحية. وبالنسبة لنا كمسلمين، فإن العجز عن اجتماع العائلة مؤلم وشاق. ألا نقدر على مواساة بعضنا، والإمساك بيد بعضنا، والعناق أو حتى الجلوس بجانب بعضنا، لهي أمور تبدو قاسية. علينا أن نتكيف وندعم عائلاتنا ومجتمعاتنا بطرقٍ جديدة. هذا العام، سنضطر إلى الاكتفاء بالتجمع في العيد على تطبيق Zoom أو House Party. فلنحمد الله على التكنولوجيا التي تمكننا من رؤية بعضنا والتحدث مع أحبابنا بضغطة زر.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.