بالقسوة والإهانة.. كيف يموت حب البنات على يد الآباء؟

عدد القراءات
5,653
عربي بوست
تم النشر: 2020/05/24 الساعة 12:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/24 الساعة 12:58 بتوقيت غرينتش

الأب هو أول الأبواب التي تعبر الفتاة الدنيا من خلالها، والفكرة الأولى التي تتشكل في ذهنها عن الرجال. هو لها الأمان والطمأنينة في عزِّ الخوف، والصديق الحقيقي الذي لا يخذل، وبحر العطاء الذي لا ينضب.

لكن أبو أمل كان خارجاً عن مألوف الأبوة، وشاذاً عن قواعد اللطف والحنان كلها، وعن كل ما يُفترض أن يكون. أَن يُقدَّرَ للفتاة فقدان الأب، والعيش بدونه لأهون من أن تتربى في كنف فقره بأساسيات التربية، وألا يُربّي بها سوى العقد النفسية.

إذا رأيتم فتاة ترسل مشكلتها باسم مستعار على صفحات الفضفضة المجتمعية، وتدعو على أبيها بالموت لكثرة ما رأت منه من إهانات فلا تلوموها، أو تتهموها بالعقوق، فبر الأبناء أوجبه الله على الآباء قبل بر أبنائهم لهم. صديقتي أمل كبرت على تعنيف أبيها الجسدي والنفسي بالإهانات والقسوة، ولذلك لم تكن تنجح في إقامة الصداقات في مدرستها أو جامعتها خشية التعرض للخذلان؛ لأنها كانت ترى الجميع وحوشاً بشرية. كيف لا وصورة القدوة الأولى في ذهنها مشوهة، واحتياج الأمان لديها من مصدره الأول غير مشبع!

كيف لا وهي التي كانت لا تستيقظ إلا على منبه صراخه أو صفعة من كفه!

بعد تخرجها وقعت بالحب لأول مرة، فكان ذلك الشاب يريد خطبتها، لكنها رفضت رغم أنها كانت تريده وتعلم مدى حبه؛ لأن خوفها من أن يكون نسخة عن أبيها منعها . وبعد ذلك قررت أن تتعالج نفسياً للتخلص من ندوب معاملة أبيها على روحها، ولتتمكن من بدء حياة جديدة، لأنها شعرت أن رفضها له رغم حبها، وأخلاقه وصفاته الحميدة أمر غير طبيعي، لكن الحياة كعادتها لا تمهلنا دائماً، ولا تنتظرنا حتى ننجز ما نريده لتسير على توقيتنا. فما إن بدأت نفسيتها بالتعافي حتى تفاجأت بزواج من أحبته.

لكنها ظلت تتبع أخباره، وتذهب للمحل التجاري الذي يعمل فيه لشراء بعض الحاجيات بغرض رؤيته لتبحث عن أمل، أو لعله يلتفت إليها ويعود.

تفاءلَت كثيراً لما رأته قد خلع دبلة الزواج من إصبعه، و كانت تتمنى أن يكون قد طلق زوجته. بدأت تعيش على أمل أن يعود إليها، وخاصة أنها كانت تلمح في عيونه الحب، لكنها في نفس الوقت كانت تتعامل معه برسمية بالغة؛ لأن الحقيقة المُرة أنه ما زال متزوجاً.

هي لم تكرهه لأنه تزوج فهي من رفضته وصدَّته عن الارتباط بها، لكنه الآن يرافق عقلها ولا يفارق خيالَها.

اكتشفت مؤخراً أن زوجته حامل فبدأت أحلامها التي بنَتها معه بالاندثار، وسرعان ما طار مجدّداً وشاحها عن عنق الحقيقة.

ودخلَت دوامة تساؤلات عبثية..

هل يمكن أن ينفصل عن زوجته ويرجع إليّ؟!

أحسُّ بحبه.. فهل أفسح له المجال ليكلمني وأبوح له بحقيقة مشاعري؟

لسانُ حالها يقول: سامحك الله يا أبي، فأنت السبب.

حرمتني حبك، وها أنت تحرمني الحب ثانية.

حالها كحال كثيرٍ من الفتيات الحائرات بين كفي العقل والقلب.. المتشبثات بعواطفهن تارة التابعات، والمنصتات لأصوات عقولهن تارة أخرى.

نعم الحب فطرة طبيعية في البشر، وقد يكون بمثابة احتلال شامل للجسد والروح، ونسيانه صعب لكنه ليس بالمستحيل. وفتكه بأهله يكون أكبر كلما كانوا فارغين من سواه.

يُقال إذا أردت شيئاً بقوة فأطلق سراحه، فإن عاد إليك فإنه ملكك، وإن لم يعد إليك فإنه لم يكن ملكك من البداية.

فمن إجحاف الإنسان بحق نفسه وظلمه لها أن يستنزف مشاعره في علاقات مؤذية أو مرهقة.

على من ابتلي بالحب، و دخل في متاهات علاقاته أن يشغل نفسه ويطورها، ولا يحصر تفكيره بشيء واحد أو  شخص معين فما قد يراه مناسباً في ظاهره قد لا يكون باطنه خيراً. وما هو نصيبه حقاً سيناله مهما بدا مستحيلاً الحصول عليه..

كل ما عليك أن تستودع قلبك لله فلن يرأف به أحد سواه، وقل دائماً:

اللهم إني وكلتك أمري وأنت خير وكيل.. اللهم دبر لي فإني لا أحسن التدبير.. اللهم اجمعني بكل ما فيه خير، وباعد بيني وبين كل شر.

أراح الله قلبكِ يا أمل، وقلب كل المحبين المعذبين.

و رسالتي للآباء امنحوا بناتكم الحب، واتقوا الله فيهن فهن أمانته، وطريق للجنة.

وصدق رسول الله عليه الصلاة و السلام حيث قال: "مَنْ وُلِدَتْ له ابنةٌ فلم يئِدْها ولم يُهنْها، ولم يُؤثرْ ولَده عليها – يعني الذكَرَ- أدخلَه اللهُ بها الجنة".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

وجدان شتيوي
كاتبة رأي فلسطينية
كاتبة في العديد من المواقع الإلكترونية مثل دنيا الرأي، ومجلة هاشتاغ وإشراقات، والمجلات الورقية مثل مجلة فلسطين الشباب، ومشارِكة في العديد من الكتب المشتركة الصادرة عن دار زهدي للنشر مثل ساعة الرمل وشؤون صغيرة وذاكرة الخريف وألف كاتب ولاجئ. عملْتُ سابقاً مدرسة للغة الإنجليزية في معاهد تدريسية، وباحثة في جهاز الإحصاء الفلسطيني، وأعمل حالياً مديرة مركز تعليمي.
تحميل المزيد