"كرة القدم هي أهم الأشياء غير الهامة"، مقولة قالها أريغو ساكي. لكن في كل يوم ما يلي المباريات من شجارات ومناوشات تحدث على مواقع التواصل الاجتماعي كنا نتأكد أن الكرة هامة بالفعل، ليست أهم الأشياء غير الهامة، لكنها أهم من بضع حاجات تعد هامة. وليس مثلما قال ساكي: كرة القدم متعبة نفسياً، وقد تؤدي للوفاة، أشخاص كُثر بسبب هزيمة فرقهم المفضلة ماتوا نتيجة سكتة قلبية، بالإضافة للاستنزاف المادي الناتج عن دفع الكثير من النقود لمشاهدة قنوات عرض المباريات أو على المقاهي أو في مكاتب المراهنات.
قبل محاولة الإجابة عن ذلك السؤال ربما يجب أن نضع بعض النقاط، التي ستساعد على معرفة الاجابة، النقطة الأولى تكمن في سؤال لماذا أجور لاعبي الكرة مرتفعة مقارنة بأجور باقي البشر العاملين في أي مجال في العالم. في مقال بعنوان "why are football players are paid so much" نُشر على موقع "bank of england" وضعت صورة لتوضيح متوسط الدخل الأسبوعي للعاملين في أكثر من مجال في انجلترا، فمثلاً متوسط الأجر الأسبوعي لعامل البار 300 جنيه إسترليني، والممرضة 630 جنيه إسترليني، وسائقي القطارات والترام 1030 جنيها إسترلينياً، ورئيس الوزراء 2900 جنيه إسترليني، بينما لاعب كرة القدم في الدوري الإنجليزي 50800 جنيه إسترليني. أي ضعف عامل البار بحوالي 80 مرة، متوسط الدخل الأسبوعي للاعب الكرة أكبر من متوسط الدخل الأسبوعي لرئيس الوزراء ومن أي شخص تقريباً. والسبب في هذا الأمر لا يتطلب الكثير من الذكاء، انتشار الكرة ورؤية الناس لها بشكل مكثف مع تطور الأجهزة التي تقوم بنقل المباريات بشكل أفضل ومع تواجد أكثر من كاميرا عالية الجودة والكاميرا العنكبوتية، بالإضافة التطور التكنولوجي الذي سهل وصول المباريات للناس بشكل أكبر، ساهم في أن تصبح الأموال أكثر. إن حقوق الدوري الإنجليزي في الفترة من 1992 لـ 1997 كانت أقل من 200 مليون جنيه إسترليني، أصبحت قرابة 5 مليارات جنيه إسترليني.
بالتأكيد أنت تدرك أن اجتماعات رئيس الوزراء أو الممرضين أو عمال البارات لا يتم عرضها على التلفزيون ولا يشاهدها الملايين، ليس بسبب وظائفهم، لكن مَن يود رؤية عامل بار يقوم بوضع الخمر في الكأس، شيء غير مسلٍّ بالمرة، حتى اجتماعات الوزراء نعرف ما أسفر عنها من الأخبار المتناقلة على صفحات التواصل الاجتماعي. لذلك فلو تم عرضها فالعائد المادي لن يعود عليهم بل على أصحاب القنوات، وبالتأكيد كل الذين تم ذكر وظائفهم غير متعاقدين معهم بعقود مثل أندية الدوري الإنجليزي التي تأخذ نصيبها من النقود، وبدورها فتلك الأموال تدخل في جزء المرتبات المعطاة للاعبين.
لكن ما الذي يجعل أجر لاعب مثل ليونيل ميسي 8.3 مليون يورو شهرياً؟ موهبة ميسي لا تنكر من حيث الجودة والتفرد، بالتأكيد لا تجد كل سنة لاعب بمثل موهبته، بل هو نسخة واحدة لا تتكرر في العمر مثله مثل كريستيانو رونالدو. ولذلك، من الطبيعي أن يطلب الثنائي أجوراً أكبر وأعلى من الجميع لأن بسببهم الفرق قادرة على الاستفادة منهم، سواء في جني عوائد مادية أو شهرة وجماهيرية. كثير من الأشخاص يسافرون لإيطاليا لأكل البيتزا، رؤية ملعب الأولمبيكو والتقاط صور تذكارية أثناء مشاهدتهم لكريستيانو رونالدو وهو يركل الكرة. كما يدر الثنائي أرباحاً لفرقهم من خلال تحقيق البطولات والألقاب ما يرفع القيمة المالية للنادي وينعش خزائنه. وبعيداً عن الثنائي، فهناك شيء يُسمى سياسة العرض والطلب، العرض هو عدد اللاعبين المتوفرين، والطلب هو عدد الفرق التي تريد هؤلاء اللاعبين، المواهب الشابة مثل ميسي قليلة، لذلك فالطلب عليهم يكون أكبر، أجورهم لا تكون مثل باقي أجور من هم في سنهم، بالتأكيد لا يتقاضون المليارات، ولكن ليس الفتات أيضاً. ولأن طلبات التعاقد معهم كبيرة، فكلما زادت الطلبات زادت الأجور، لكن في العالم الحقيقي بعيداً عن الكرة فليس من أصل 100 موظف ستجد 7 منهم استثنائيين بل بالعكس من الممكن أن تجد 93 موظفاً مميزاً.
الوجه الأسود في حياة لاعبي الكرة
دائماً ما كان ترعبني أسطورة "أبو رجل مسلوخة"، شخصية خيالية ابتكرها الأهل حتى ينفذ أبناؤهم الأوامر، لكن بالنسبة للاعبي الكرة، البعبع الأسود كان دائماً الضرائب. والضرائب هي النقطة الثانية في محاولة الإجابة عن السؤال المطروح في بداية المقال، نقود اللاعبين لا تكون صافية بل تخصم منها الضرائب، وقيمة الضرائب تختلف من مكان لآخر، لكن هناك قصة بسيطة من الأفضل ذكرها، كانت واحدة من إحدى محاولات الحكومة الإسبانية لاستقطاب اللاعبين أو العلماء أو غيرهم خاصة وبعد زيادة نسبة الضرائب والتي جعلت إسبانيا مكان غير محبب، هي فرض ضريبة 24% على الأجانب في حالة زيادة المرتبات عن 600 ألف يورو، وكان أول المستفيدين هم لاعبو كرة القدم وأولهم كان ديفيد بيكهام في 2005، ولذلك تم تسمية القانون باسمه إعلامياً. لكن بالطبع كان هذا الأمر ظالماً على باقي الأندية؛ لأن أغلبهم غير قادرين على شراء أفضل الأجانب كما فعل قطبا الكرة الإسبانية ريال مدريد وبرشلونة فتم إلغاؤه سنة 2010، وكان آخر المستفيدين منه هما كريستيانو رونالدو وريكاردو كاكا، لكنه استمر على المنتفعين منه حتى انتهاء عقودهم، وتم الانتهاء منه بشكل كامل سنة 2015، لماذا نقول هذا، لأن في الفترة الأخيرة بدأت إيطاليا بتعديل قوانين الضريبة المفروضة على اللاعبين وخفض القيمة الضريبية من 46.2% لـ26% في محاولة لاستقطاب اللاعبين الأجانب وكان من المفترض أن يتم تطبيق هذا النظام في الأول من يناير/كانون الثاني 2020.
بالعودة مرة أخرى لقيمة الضرائب المفروضة، سنلاحظ امتلاك أعلى معدل ضريبي بين كل الدوريات الخمسة الكبرى بنسبة 52% يليها ألمانيا 47.5% وإنجلترا وفرنسا بنسبة 45%. لذلك يتجه بعض اللاعبين لدول مثل روسيا والصين واليابان وإمارة موناكو بسبب فرض لضرائب منخفضة في محاولة منهم للحفاظ على نقودهم. دولة مثل روسيا تقوم بفرض 13% فقط على أجور اللاعبين، إذا كان الدخل الأسبوعي للاعب هو 200 ألف جنيه إسترليني يكون المتبقي له بعد خصم الضرائب هو 174 ألف جنيه إسترليني. بسبب ارتفاع الضرائب المفروضة ظهرت نسبة كبيرة من اللاعبين المتهمين بالتهرب الضريبي. كما دفعت الضرائب العديد من اللاعبين لتغيير وجهتهم من أندية كبيرة لأندية أخرى في دوريات مغمورة فقط للحفاظ على نقودهم. كما رأينا أيضاً أشخاصاً مثل كريستيانو، ميسي وجوزيه مورينهو تم اتهامهم بتهمة التهرب الضريبي، ومن الممكن القول إنه قد تكون واحدة من أسباب رحيل كريستيانو رونالدو عن ريال مدريد هي رغبته في الابتعاد عن الضرائب الضخمة التي يتم فرضها في إسبانيا.
بعد كل ما تم ذكره يمكننا الآن الإجابة على السؤال الذي طُرح في البداية، أنه نظراً لجميع الأسباب التي تم ذكرها، من الممكن أن نجد أن هناك جزءاً بسيطاً للغاية من كلام فاليري خاطئاً، وأنه من الصعب المساواة بين أجور العاملين في أي قطاع ولاعبي الكرة، حتى أن مقارنتها هي نوعاً ما غير منطقية، ولا يعني هذا أن جميع ما قالته غير صحيح، فلا شيء قد يبرر عدم تقدير واحترام العاملين في جميع المجالات بشكل عام، والعاملين في المجال الطبي بشكل خاص.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.