بعد نشر الجزء الأول إليكم الجزء الثاني من سلسلة الطلاق.. ماذا بعد؟
أنظر في المرآة كلَّ يوم فلا أجدني
رغم أنها المرآة التي نظرتُ فيها منذ عدة أعوام، وشاهدت شخصاً آخر بمقومات أخرى
لا أجدُ روحي
أشعر أنها تغرَّبت عني
مَن هذا الشخص الغريب الذي يقف أمامي
وأتذكَّر قولَ المطرب الشعبي العظيم الذي قال في إحدى أغانيه العظيمة:
"أنا مش عارفني أنا تُهت منِّي.. أنا مش أنا"
لقد تغيرتُ.. نعم تغيرتُ
هذه الحقيقة التي استيقظتُ عليها في ذاك اليوم
بعد حدوث الطلاق.. بل قبله بفترة وأنا أشعر أنني لستُ نفسَ الشخص الذي أحببته منذ سنوات..
لستُ نفسَ الشخص قبل الزواج
ولا حتى نفس الشخص في أول سنوات الزواج
لستُ نفس الأنثى التي كانت تشعُّ بهجةً وحيويةً
تلك الأنثى التي كانت تملأ الجوَّ مرحاً إذا ما دخلت أيَّ مكان
روح الدعابة لم تكن تغادرها
كانت تضحك على أي شيء
لم تحمل للدنيا همّاً حتى في أحلك المواقف
شعرتُ لوهلةٍ أنها انطفأت، وصار كلُّ شيءٍ بعد حصولي على الطلاق باهتاً، بلا لون ولا رائحة، رغم أنني مَن سعى إليه، وكنتُ أظن أنني سأطير فرحاً بعد الحصول عليه.
تنتابني مشاعر إحساس بالذنب لا نهاية لها..
إحساس بالذنب على أبنائي الذين كنت سبباً في بُعد والدهم عنهم
إحساس بالذنب لأنني لم أتحمل أكثر وأكثر، رغم أنني أُقسم أني قد تحاملتُ على نفسي عدة مرات، وحاولتُ آلافَ المراتِ، لكن جميع المحاولات باءت بالفشل
إحساس بالذنب تجاه زوجي.. أقصد زوجي السابق، وأنني كان يجب أن أعطيه فرصةً أخرى وأخرى وأخرى، وأن أساعده على التغيير، بل وأدفعه له دفعاً
نعم، لا تتعجبوا.. حصلتُ على الطلاق، وأشعر بالذنب تجاه ذاك الرجل الذي كان سبباً في إيذائي.. لا أعلم لماذا، وكيف؟ لكن هذه مشاعري.
أشعر أيضاً أنني لن أتزوج ثانية، وأنني لا أستحق رجلاً كما أتمنى، وأن هذه الأماني بعيدة المنال، ولن تتحقق، وإن تحققت فلماذا أظلمه معي؟!
ما الذي يجعله يفضلني عن أي امرأة أخرى لم يسبق لها الزواج، أو لديها مقومات شخصية وجسدية تفوقني؟
لماذا أظلمه بوجود أبنائي؟
أسئلة كثيرة تدور في ذهني، وحوارات لا تنتهي بيني وبين نفسي
هل كان قراراً صحيحاً؟
هل أعود إليه مرة أخرى؟
هل أنا جميلة حقاً مثلما يخبرني أهلي وأصدقائي؟
هل أنا أُم جيدة؟
هل سأكون زوجةً جيدة إذا ما تزوجت مرة ثانية؟
هل سأكون سعيدة؟
أسئلة كثيرة لا تتوقف، ولا أعلم إجابةً لأيٍّ منها.
هذا جزء من حال بعض الجميلات ممن حصلن على الطلاق..
سواء كان بطلب منها أم برغبة الطرف الآخر، في النهاية هي "أنثى" لديها مشاعر تحركها
تلك المشاعر تتحرك بسبب بعض الأفكار السلبية عن نفسها، وبالتالي يتضح ذلك جلياً في تصرفاتها..
وردود أفعالها، خاصة مع أبنائها
وقد تصبُّ عليهم جامَ غضبها دون أن تشعر.
لذلك، ماذا ستفعلين أيتها الجميلة تجاه تلك المشاعر؟
مشاعر الغضب.. الألم.. الحزن.. الإحساس بالذنب.
جميعُها مقدَّرة ونتفّهمها جيداً
لكن احذري أن تكون زيادة عن الحد.. ذاك الحد الذي قد يفتِك بكِ دون أن تشعري
وخاصة مشاعر الإحساس بالذنب
تلك المشاعر هي التي سنتحدث عنها اليوم، لأنها قد تكون المُحرِّك الرئيسي لبقية المشاعر.
إذن ماذا يحدث في عقلك؟
تدور الفكرة أولاً في الدماغ، ثم تأتي فكرة أخرى لتدعمها
فكرة ثالثة
ورابعة
ويظل العقل يعطي بعض الأفكار السلبية عن نفسك
وتتحول الأفكار إلى مشاعر سلبية أيضاً
مثال:
أنا أُمٌّ سيئة
لقد كنتُ زوجةً سيئةً
كان يجب أن أتحمَّله
هذا خطئي منذ البداية.. كان يجب أن أتخيَّر زوجاً صالحاً من أجل أبنائي
كان عليَّ أن أتحمل حتى الممات، مادام أنه كان اختياري
وبطبيعة الحال تدفع بنا تلك الأفكار لمشاعر تُسمى مشاعر "اللوم أو الإحساس بالذنب"، والأسوأ من ذلك قد تتحول إلى جلدٍ للذَّات
فتظلين هكذا، حتى يدفعك ذلك إلى بعض التصرفات الانفعالية مثل:
الصراخ في وجه الأطفال
الانعزال عن الآخرين تماماً
عدم الثقة في الآخر
ضعف الثقة بالنفس
الثورة لأتفه الأسباب
تدني الصورة الذاتية عن الجسد والشخصية (أي تنظرين لنفسك نظرة دونية)
وهكذا…
لذلك أيتها الجميلة عندما تجدين تصرفاتك قد تغيرت.. للأسوأ
يجب أن تُراجِعي نفسَكِ في هدوء تامٍ وتسأليها: لماذا يحدث هذا؟
ومِن هنا يبدأ العمل بجِد.
أحضري الآن ورقةً وقلماً فوراً..
وقومي بتسجيل ما يحدث على ورقتك البيضاء:
قمتُ اليوم بردِّ فعلٍ غاضب مع أبنائي..
لماذا؟
وإن بحثتِ خلف السلوك فستجدين مشاعر سلبية..
قد تكون مشاعر اللوم أو الإحساس بالذنب
ولتعديل السلوك يجب أن تقومي بتعديل "المشاعر"
لكن كيف ستتغير المشاعر؟
ستتغير المشاعر إذا ما غيَّرتِ فكرتكِ عن نفسك..
أي بدلاً من فكرة:
"أنا أُم سيئة"
أبدليها فوراً بفكرة إيجابية عن طريق حصر إنجازاتك البسيطة جداً مع أبنائك:
– لقد قمت بمجهود مع أبنائي في الدراسة:
– إعداد الطعام..
– حريصة على قضاء وقت ولو قصيراً معهم كلَّ يوم في حوار مفتوح..
– أذهب بهم إلى النادي كل يوم..
– أعمل باجتهاد وأتعرَّض لمضايقات يومية في العمل، وأتحمَّل كل ذلك لأجل عيونهم..
– أقضي معهم ساعات في المذاكرة..
– أعلم ما هي هواياتهم ومواهبهم وأعمل على تنميتها.
وهكذا..
بعد أن تقومي بكتابة جميع إنجازاتك مع أبنائك حتى وإن كانت بسيطة أو متواضعة..
ستشعرين بعدها بالرضا عن نفسك، وستتغير تدريجياً فكرتك السلبية عن نفسك إلى فكرة إيجابية، ومع الوقت ستتغير مشاعرك من مشاعر اللوم إلى مشاعر راحة واطمئنان وسعادة وشعور بالإنجاز والنجاح، وبالتالي سيتغير سلوكك وردود أفعالك مع أبنائك.
لذلك..
من المهم جداً أيتها الجميلة أن تحرصي على مراقبة تصرفاتك، ليس تصرفاتك فقط، بل غوصي في عمق ذاتك وابحثي فيها عن أصل الفكرة، ومن أين جاءت، واعملي جاهدة على تغييرها حتى تتغير نظرتك لذاتك.
ذاتك التي تحتاج منك الحب والرعاية قبل أي شيء
لأنك الشخص الوحيد الذي لديه القدرة على منح الحب لها من دون أي شروط.
دُمتِ بألف خير..
وإلى أن ألقاكِ في الحلقة القادمة لا تنسَي أن تحبي ذاتك كما هي لأنها تستحق ذلك.
لكِ مني كل الحب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.